“التحالف الشعبي” من مهادنة النظام إلى الهجوم عليه

64
مسعود ولد بلخير، رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي الموريتاني

بقلم: محمد عبدالرحمن أحمد عالي

أفريقيا برسموريتانيا. المتتبع للمشهد السياسي في موريتانيا يدرك أنّ خطاب الرئيس مسعود ولد بلخير لم يأت من فراغ، ولفهم الأسباب المؤدية إلى هذا الخطاب المفاجئ لرئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يصنف ضمن دائرة الأحزاب المهادنة للنظام الحاكم في موريتانيا لابد أولا من تتبع  مسيرة الرجل وحزبه سياسياً ولو بشكل مختصر.

بعد دخول موريتانيا عهد التعددية السياسية سنة 1991، أسس مع عدد من الشخصيات السياسية “الجبهة الديمقراطية الموحدة من أجل التغيير” التي كانت أول تنظيم معارض في تلك الفترة، لكنها لم تحظ بالاعتراف القانوني، فأسس بعض قادتها ومن بينهم هو، حزب “اتحاد القوى الديمقراطية” وتولى رئاسته.

وفي الانتخابات الرئاسية سنة 1992 ساند المرشح المعارض أحمد ولد داداه الذي أصبح رئيسا لاتحاد القوى الديمقراطية وأصبح ولد بلخير أمينه العام بعد أن تغير اسم الحزب وأضيفت إليه عبارة “عهد جديد”.

وفي عام 1994 استقال من اتحاد القوى الديمقراطية – عهد جديد وأسس حزب “العمل من أجل التغيير” الذي ضم عددا من قيادات “الحر” وعدداً من رموز وكوادر القوميين الزنوج، وخاض الحزب الانتخابات البرلمانية والمحلية سنة 2001 ففاز رئيسه بمقعد في البرلمان.

اتهمت الحكومة الحزب ورئيسه بالترويج لأفكار عنصرية وقامت بحله أواخر 2001، فحاول زعيمه وأنصاره إنشاء حزب جديد لكنهم لم يحصلوا على الاعتراف القانوني ولا الترخيص.

انضم مع عدد من قادة حزبه السابق إلى حزب التحالف الشعبي التقدمي ذي التوجه الناصري فانتخب رئيساً له، وشارك في الانتخابات البرلمانية والمحلية في نوفمبر تشرين الثاني 2003 ففاز بمقعد في البرلمان مع أربعة آخرين من مرشحي الحزب.

ترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت بداية 2007 ولم يتمكن من الفوز فقرر دعم المرشح سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في الجولة الثانية من الانتخابات، مقابل دعمه للفوز برئاسة البرلمان وحصول الحزب على حقائب وزارية في الحكومة، ونجح ولد الشيخ عبد الله وأصبح رئيسا للبرلمان.

وفي 6 أغسطس آب 2008 أطيح بولد الشيخ عبد الله في انقلاب عسكري، فوقف ضد الانقلاب ورفض الاعتراف بشرعيته حتى استقال ولد الشيخ عبد الله بموجب اتفاق بين الأطراف السياسية عرف باتفاق داكار.

ترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2009 وحل في المرتبة الثالثة وظل رئيسا للبرلمان ومعارضا للحكم، ثم دخل في حوار معه أفضى إلى اتفاق على إجراء إصلاحات قانونية تضمن انتخابات نزيهة وشفافة.

وبموجب الاتفاق أجريت انتخابات برلمانية ومحلية شارك فيها حزب التحالف الشعبي التقدمي وترشح على رأس لائحته الوطنية ففاز بمقعد في البرلمان. وفي 13 مارس آذار 2014 أعلنت الرئاسة الموريتانية تعيينه رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي “ثالث جمعية دستورية في البلاد”.

ومؤخراً ظهر الرجل بخطاب هجومي قاسٍ بوجه النظام الذي تحالف معه وهادنه وفي هذا السياق سألنا الأستاذ والمحلل السياسي المصطفى ولد أعلي عن هذا التغير المفاجئ في خطابه فرد قائلا: “ترجع الخرجة الأخيرة لرئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، والتي ربما فاجأت الرأي العام عامة، والمتابع للمشهد السياسي على وجه الخصوص، بل إن البعض ذهب إلى وصفها بالعارضة بعد فترة طويلة من المصاهرة السياسية إن صح التعبير  إلى جملة من العوامل والأسباب المتراكمة على بعض، وبالتالي كانت خرجة الرئيس مسعود نتيجة حتمية لهذه العوامل التي ذكرنا آنفا”.

و سنحاول بسطها تواليا حتى نقف على الأسباب الجوهرية التي لخصها التصريح الأخير من قبل الرئيس مسعود ولد بلخير.

فلا شك أن حزب التحالف الشعبي التقدمي ورئيسه مسعود ولد بلخير كغيره من الاحزاب السياسية النشطة في الساحة، وتبحث بطريقة أو بأخرى عن المساهمة في ترجمة فلسفتها الايديولوجية من خلال العمل والتنسيق والجلوس على طاولة اتخاذ القرار حيث النظام ممثلا في رأسه الرئيس الغزواني، وليست فترة التنسيق والمشاركة إبان إعلام الرئيس الحالي وترشحه للرئاسيات وكذلك الأدوار الكبيرة والخرجات الإعلامية لحزب التحالف الشعبي التقدمي ممثلا في رئيسه مسعود ولد بلخير إلا دليلا جليا لسياسة حزب التحالف الشعبي التقدمي كغيره من الاحزاب الداعمة، وعلى تطلعاته في أن يكون جزءً وفاعلا رئيسيا في المشهد السياسي، وأحد الأعمدة الرئيسية التي يعتمد عليها رئيس الجمهورية في تسيير وإدارة الدولة.

ومن الطبيعي أن تتغير المواقف والرؤى حينما يحدث خلل في أحد جوانب المعادلة السياسية التي كانت بمثابة خطة العمل السياسي والعنوان البارز لمشوار المأمورية الحالية.

لكن خيبة آمال حزب التحالف الشعبي التقدمي من خلال رئيسه في النظام الحالي أو بالأحرى الفلسفة التي على أساسها تُسٓيٌر الأمور كانت مغايرة لما كان يتطلع اليه الرئيس مسعود وغيره من الاحزاب الموالية والداعمة للنظام، وسلسلة من المآخذ التي سنحاول إدراجها باختصار حتى نستطيع فهم هذا التغيير المفاجئ حسب البعض في تصريح الرجل، وهي كالتالي :

1- التباين الصارخ بين العنوان الذي اعتمده رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني كشعار رئيسي لبرنامجه الانتخابي (تعهداتي) وبعده كل البعد عن الواقع، حيث الوعود وردية والآمال تعانق سقف السماء، والواقع مزري، والمواطن البسيط يفتقد أبسط مقومات الحياة (الأمن، الغذاء، الصحة، التعليم..)

2- الاستاتيكية الواضحة أو بعبارة أخرى الجمود على مستوى عناصر النظام حيث يرى الرئيس مسعود بأن النظام الحالي ليس إلا اسماً على مسمى لسلفه، حيث لا زالت الأطقم نفسها، و الأوجه السياسية التي تعتلي المشهد السياسي هي ذاتها التي كانت تتولى تسيير الدولة في النظام الفارط، وهذه بالنسبة له إجراء مخالف لسلسلة الوعود والآمال العريضة التي كانت قد ملأت الدنيا وشغلت الناس بداية المشوار السياسي للرئيس الحالي محمد ولد الغزواني.

3- الركود والجمود السياسي المتمثل في غياب الفاعلية وضبابية الرؤية لدى النظام الحالي وكذلك العشوائية الملتمسة من خلال الخيارات والوسائل لدى النظام…

4- التغاضي عن القضايا الشائكة والملفات المفصلية والتي يعتبر أن علاجها وحلحلتها تستحيل إلا من خلال حوار وطني شامل يجمع كل الطيف السياسي على حد السواء في جو من المصارحة والجدية في البحث عن حلول جذرية من شأنها القضاء على كل الاختلالات التي هي حجر العثر أمام تحقيق أي تنمية اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، والعزوف عن سياسة الترقيع والمحاباة المنتهجة.

5- غياب أي جهد يذكر في القضاء على الفوارق الاجتماعية، والغبن الذي يعتبر أبرز المشاكل المطروحة على الطاولة، وبالمقابل يتم التغاضي عنها.

6- حالة التذمر التي بدأت تنتشر على نطاق واسع من لدن جميع مكونات المجتمع الموريتاني ممثلا في جهاته وأعراقه المتعددة، وهي مسألة إن لم تتخذ لها إجراءات جدية من قبل النظام قد تنتج عنها نتائج سلبية لا تحمد عقباها ويستحيل التنبؤ بمآلاتها، ولا تخدم الوحدة الوطنية ولا الاستقرار الاجتماعي.

7- موجة الاحتقان وسياسة تكميم الأفواه التي بدأ النظام في إحاكة خطوطها العريضة عبر تجميل عناوينها من خلال حماية الرموز والمقدسات وغيرها.

8- أخيراً من المآخذ الملاحظة على النظام، هي غياب قبطان واضح للمشهد السياسي وللنظام حسب المعارضين لفلسفة التسيير المعتمدة.

عموماً من خلال هذه النقاط الموجزة نستطيع أن نفهم الموقف الجديد للرئيس مسعود ولد بلخير وخطابه الذي يخلو من المساحيق والرتوش الملمعة، بل والهجومي حسب آخرين.