التعديلات على قانون الأحزاب في موريتانيا: أبرز الملاحظات والتحديات

22
التعديلات على قانون الأحزاب في موريتانيا: أبرز الملاحظات والتحديات
التعديلات على قانون الأحزاب في موريتانيا: أبرز الملاحظات والتحديات

أحمد إمبيريك

أفريقيا برس – موريتانيا. أثار مشروع القانون المتعلق بتعديل قانون الأحزاب، الذي صادقت عليه الحكومة الموريتانية، جدلًا واسعًا في الساحة السياسية الموريتانية. واعتبرته بعض الأحزاب محاولة للالتفاف على الشرعية الدستورية وتعطيل قانون ساري المفعول، بينما أبدى آخرون ملاحظات على بعض البنود التي تضمنها المشروع الجديد، مشيرين إلى ضرورة إدخال تعديلات على قانون الأحزاب الأصلي الذي تم تعطيله خلال المأمورية السابقة.

وحسب الحكومة الموريتانية، فإن هذه التعديلات تهدف إلى تفعيل الحياة الحزبية وتنظيم المشهد السياسي.

النائب البرلماني ورئيس تحالف قوى الإنقاذ، العيد محمدن إمبارك، قال في تصريح لـ”أفريقيا برس” إن مشروع القانون يقتضي إبداء ملاحظات، من بينها أن هناك قانونًا متعلقًا بالأحزاب السياسية، ساري المفعول منذ عام 1991، تم تعطيله منذ ما يقارب سبع سنوات دون مبرر، نتيجة تعسف السلطات التنفيذية. هذا التعطيل أدى إلى حرمان العديد من الشخصيات والتجمعات والنشطاء السياسيين من ممارسة حقهم الطبيعي ضمن حياة سياسية يعتبرها الدستور الموريتاني مساهمة في تشكيل الإرادة السياسية للأمة الموريتانية بشكل عام.

وأضاف العيد أن أحزابًا سياسية تم حلها بقرار من وزارة الداخلية، وعند اللجوء للقضاء، ألغت المحكمة العليا، في أعلى درجاتها، قرار الحل الذي اتخذته الوزارة. ومع ذلك، فإن السلطات التنفيذية ترفض تطبيق تلك القرارات.

ولخص العيد محمدن إمبارك الحديث عن مشروع القانون في ثلاث ملاحظات:

الأولى: أن مسطرة التشاور الطبيعية تقتضي إجراء نقاش مجتمعي عام يشارك فيه أهل الاختصاص في العلوم السياسية والقانون الدستوري، والنشطاء السياسيون، وحتى المجتمع المدني، ضمن إطار ورشة عامة أو ملتقى. لكن للأسف، غاب هذا النقاش الذي كان مرحلة ضرورية لإثراء النص وسماع وجهات النظر خارج المكاتب المغلقة.

الثانية: أن مشروع القانون تضمن جملة من الشروط التي ستتحول لا محالة إلى عراقيل أمام الكثير من النشطاء والتجمعات السياسية للحصول على الترخيص، وهو ما يظهر بجلاء من خلال بعض الاشتراطات المالية، وطلب الحصول على مقرات للأحزاب قيد التأسيس.

الثالثة (وهي الأهم): تتعلق بإبقاء حل الأحزاب في يد السلطة التنفيذية، حيث إن قرارات التعليق تعود لوزير الداخلية، وحل الحزب يمكن أن يُتخذ بقرار من مجلس الوزراء.

وأوضح العيد محمدن إمبارك أن هذه الملاحظات تجعل مشروع القانون بحاجة إلى المراجعة وإعادة النظر فيه. وحسب المسطرة التشريعية، فإن المشروع الآن في طريقه إلى الجمعية الوطنية، خاصة لجنة العدل والدفاع والداخلية التي قال إنه عضو فيها. وأضاف: “نطالب إما بسحب مشروع القانون هذا لتحقيق الملاحظات التي أشرنا إليها، أو الانفتاح على المقترحات التي سيقدمها النواب خلال عرض مشروع القانون على الجمعية الوطنية، خاصة اللجنة البرلمانية المذكورة”.

من جهة أخرى، قال الدكتور محمد ولد مولود، رئيس اتحاد قوى التقدم المعارض، في تصريح لـ”أفريقيا برس”، إن مأخذهم الأول يتعلق بعدم التزام الحكومة بما تعهدت به من تنظيم حوار شامل حول موضوع قانون الأحزاب، كواحد من بين ثلاثة مواضيع، حسب تصريح الوزير الأول في بيانه أمام البرلمان في سبتمبر الماضي.

وتساءل الدكتور ولد مولود عن الأسباب وراء التباطؤ في استدعاء الحوار والتسرع في حسم الملفات المعدة له وإفراغه من مضمونه. وأضاف: “ألا يشكل ذلك مؤشرًا سلبيًا على جدية الحكومة في التعامل مع المعارضة والتشاور بشأن القضايا الوطنية؟ إضافة إلى تناسيها التوقيع على الاتفاقيات السياسية السابقة، كالميثاق الجمهوري. وكأن تطبيع الساحة السياسية وتعزيز استقرار البلد يمكن تحقيقه بالوعود العرقوبية – حسب وصفه – التي تبدد الثقة مع الفرقاء السياسيين”.

وأشار ولد مولود إلى أن من بين مآخذهم على مشروع القانون إدراج شرطين اعتبرهما “مجحفين” في القانون الأصلي، وقال إنهما “يشكلان تضييقًا كبيرًا على حرية التنظيم الحزبي التي يضمنها الدستور”. وأوضح قائلاً: “يشترط المشروع على أي حزب في مرحلة التأسيس أن يحصل برنامجه على تزكية 5000 مواطن، وهو ما يعني أن يكون له شعبية وهو في طور النشأة”.

وأشار ولد مولود إلى أن التعديل الثاني، الذي يعتبره أكثر خطورة، يتعلق بالقانون الأصلي، حيث “كان الحاجز الذي يجنب الحزب الحل هو حصوله على نسبة %1 أو أكثر من الأصوات في انتخابين بلديين متتالين. ونتج عن تطبيق هذه المادة في السنوات الأخيرة حل أكثر من %80 من الأحزاب، ولم يبقَ في الساحة الشرعية سوى عشرين حزبًا. وكأن ذلك لا يكفي، فقد جاءت الحكومة بتعديل جديد يرفع السقف إلى %2، ما يفتح المجال لتصفية هائلة في الساحة السياسية، التي ستصبح حكرًا على أحزاب محدودة”.

وأضاف ولد مولود: “تضمن المشروع شروطًا أخرى تتعلق بعدد أعضاء الجمعية التأسيسية وعدد المقرات الحزبية المطلوبة، وهي شروط قابلة للنقاش رغم تشددها”.

وتابع رئيس حزب اتحاد قوى التقدم انتقاداته لمشروع القانون، قائلًا إن مأخذه الثالث يتمثل في أن القانون “خلو من أي تحسينات أو تسهيلات لتعزيز دور الأحزاب باعتبارها العمود الفقري للنظام الديمقراطي. فجميع مواد المشروع تضييق وعوائق أمام ممارسة الحرية الحزبية، وتجاهل لمطالب الأحزاب، سواء كانت معارضة أو موالية”.

وأشار إلى أن من بين تلك التحسينات التي ما فتئت الأحزاب تطالب بها، إلزام إدارة وزارة الداخلية بمنح وصل استلام فوري للحزب عن ملفه المقدم لها، حتى يتمكن الحزب من ممارسة نشاطه بعد استكمال الترتيبات القانونية المنصوص عليها. وأضاف: “احتجاز الوصل من طرف هذه الإدارة ظل دائمًا وسيلة غير قانونية لحظر بعض الأحزاب التي لا ترغب السلطة في وجودها”.

وقال ولد مولود إن الأحزاب، في إطار دعوتها إلى إدخال تحسينات على قانون الأحزاب، طالبت بعدم إدراج حل الأحزاب ضمن صلاحيات الحكومة، خاصة أنها تُعتبر خصمًا للمعارضة، ولا يجوز أن يكون الخصم حكمًا. لذلك، يجب إحالة هذا الدور إلى القضاء.

وفي السياق نفسه، لخص المحلل السياسي الموريتاني، الأستاذ سلطان ولد البان، تعليقه على مشروع القانون – في تصريح لـ”أفريقيا برس” – في عدد من النقاط، من بينها أن “القانون يُسوَّق على أنه وسيلة لتنظيم الساحة السياسية ومكافحة الفوضى الحزبية، إلا أن القراءة المتأنية لبنوده تكشف عن أبعاد أخرى، أبرزها تكريس السيطرة السياسية، وتقييد الحريات، وجعل القانون أداة بيد السلطة التنفيذية لخدمة أجندتها، والتهيئة من خلاله لعبور آمن للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني”.

ويضيف ولد البان أن المشروع الذي صادق عليه مجلس الوزراء “ظاهره رحمة وباطنه عذاب”، إذ يدعي القانون الجديد أنه يهدف إلى تحسين أداء الأحزاب السياسية من خلال:

– زيادة عدد المؤسسين والتزكيات: مما يعكس رغبة في تعزيز التمثيل الشعبي للأحزاب.

– إدراج الشباب والنساء في الهيئات القيادية: بما يتماشى مع السياسات الحكومية لتعزيز المشاركة السياسية لهذه الفئات.

– رفع معايير التمويل والحصول على التراخيص: وهو ما قد يُفسَّر على أنه محاولة لتصفية الأحزاب غير الفاعلة.

ولكن باطن القانون يحمل قيودًا صارمة قد تؤدي إلى:

– تحجيم المعارضة: اشتراط التزكيات من آلاف المواطنين يجعل تأسيس الأحزاب الجديدة شبه مستحيل، خاصة للأحزاب الناشئة التي تعبر عن أصوات المعارضة.

– سيطرة وزير الداخلية: يمنح القانون وزير الداخلية صلاحيات واسعة لتعليق أو حل الأحزاب، مما يجعل الأحزاب رهينة لرؤية السلطة التنفيذية.

– استهداف الأحزاب الصغيرة: رفع نسبة الأصوات المطلوبة للحصول على التمويل من 1% إلى 2% يهدد الأحزاب الصغيرة بالإقصاء، ويكرس هيمنة الأحزاب الكبرى الموالية للنظام.

ويضيف ولد البان أن “موريتانيا شهدت تقليصًا كبيرًا في عدد الأحزاب السياسية خلال السنوات الأخيرة، حيث تم حل نحو 80 حزبًا في عام 2019 بناءً على قانون سابق. ومع بقاء 25 حزبًا فقط، يبدو أن القانون الجديد يسعى لمزيد من تحجيم التعددية الحزبية، مما قد يؤدي إلى:

وأشار ولد البان إلى “وجود خطر يحدق بمستقبل البلاد السياسي في ظل استئثار السلطة بالمشهد السياسي من خلال التضييق على الأحزاب التي لا تنتمي للسلطة ودوائرها”.

وأضاف: “إذا لم يتم تعديل القانون وبشكل سريع، وقبل الشروع في التشاور السياسي لضمان توازن بين التنظيم واحترام الحريات السياسية، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الاحتقان السياسي، ويضعف ثقة المواطنين في العملية الديمقراطية”.

كما حذر من أن المعارضة، بقيادة شخصيات مثل السياسي بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، قد تلجأ إلى تصعيد احتجاجاتها، مما ينذر بمزيد من التوتر في المشهد السياسي الموريتاني.

نائب رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”، الحسن ولد محمد، عبّر خلال اللقاء الذي عقد مع وزير الداخلية عن موقف حزبه من التعديلات الأخيرة، قائلاً إن قانون الأحزاب الأصلي بحاجة إلى “المراجعة والتغيير بسبب التقادم وجملة من النواقص”.

وأكد إدانة حزب “تواصل” لتعطيل القانون منذ بداية المأمورية الماضية دون أي مبرر، مما حرم مجموعة من الملفات المكتملة الشروط من حقها في التنظيم والوجود القانوني. كما طالب بالتراجع عن هذا التعطيل قبل أي تعديل، بالإضافة إلى الدعوة لاعتماد نظام التصريح بدلًا من الترخيص، وفق الشروط التي يحددها القانون، بما يجمع بين تسهيل ممارسة العمل السياسي دون اللجوء إلى الشروط المجحفة، وتحقيق الحد الأدنى من الجدية وعدم التمييع.

وأشار إلى ضرورة إحالة موضوع حل الأحزاب إلى القضاء، لضمان عدم توظيف الحكومة لهذه الصلاحية في صراعها السياسي مع منافسيها، مما يسهم في تطبيق أكثر إنصافًا للقانون. كما شدد على أهمية إدراج حقوق الأحزاب في المشروع المقترح بدلًا من الاكتفاء بذكر واجباتها فقط.

وفي السياق نفسه، عبر عدد من الأحزاب السياسية قيد الإنشاء عن موقفها من مشروع القانون، معتبرةً أنه يمثل تضييقًا على الحياة السياسية في البلاد. ويبقى السؤال عن الآليات التي ستتخذها النخبة السياسية الموريتانية ونواب المعارضة في الجمعية الوطنية للوقوف أمام مشروع القانون والتخفيف من حدة نصوصه.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس