أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. قال النائب في البرلمان الموريتاني عن دائرة الولايات المتحدة الأمريكية، يحيى ولد اللود، في تصريح لـ”أفريقيا برس”، إن الحوار السياسي المرتقب يجب أن ينطلق من محددات أساسية، مع ضمان مشاركة حقيقية لكافة القوى السياسية في البلاد، إضافة إلى النقابات وهيئات المجتمع المدني.
وأضاف ولد اللود أن الأطراف التي أعلنت مقاطعتها للحوار إنما رفضت المشاركة في “حوار صوري” يتم التحضير له عبر استدعاء أطياف سياسية تجاوزها الشارع الموريتاني وأصبحت تمثل الماضي، على حد تعبيره.
وكان النائب يحيى ولد اللود قد أعلن، إلى جانب عدد من القوى السياسية الموريتانية، مقاطعته للحوار المرتقب. ووقع على البيان كلٌّ من رئيس حركة كفانا يعقوب ولد لمرابط، والنائب البرلماني محمد الأمين ولد سيدي مولود، ورئيس حزب موريتانيا إلى الأمام (قيد الترخيص) نور الدين محمدو، والنائب البرلماني خالي جاللو، عضو حركة كفانا المعارضة.
ما هي المحددات الرئيسية بالنسبة لكم كمعارضة لحوار ناجح في البلد؟
هناك عدة محددات رئيسية لضمان نجاح أيّ حوار سياسي جاد في البلد، وأهمها:
– الجدية والالتزام فيجب أن يكون الحوار جادًا وليس مجرد وسيلة لكسب الوقت أو تحسين الصورة السياسية للسلطة القائمة، وينبغي أن يكون هناك التزام واضح بتنفيذ مخرجاته.
– إشراك جميع القوى السياسية والمجتمعية، خصوصا القوى الشبابية، فلا يمكن أن يكون الحوار ناجحًا إذا كان انتقائيًا، أو يقتصر على أطراف معينة. يجب أن يشمل كافة القوى السياسية، بما في ذلك المعارضة بمختلف أطيافها، ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات، والفاعلين الشبابيين.
– أي اتفاق يخرج عن الحوار يجب أن يكون ملزمًا، مع آليات واضحة للتنفيذ ومتابعة البنود المتفق عليها، حتى لا يصبح مجرد وعود غير قابلة للتحقق.
– أيضا احترام الدستور والمؤسسات الديمقراطية فلا يمكن للحوار أن يكون غطاءً للتلاعب بالدستور أو التمديد غير الشرعي للسلطة. ينبغي أن يكون الهدف منه تعزيز الديمقراطية وليس تقويضها.
– يجب أن يكون شفافا و ذا مصداقية، وأن يكون حوارا مفتوحًا أمام الرأي العام، مع نشر مخرجاته بشكل شفاف لتجنب أي تلاعب أو تحريف للنتائج.
– يجب أن يشمل الحوار قضايا حقيقية تهم المواطن، مثل الاصلاحات السياسية، ومحاربة الفساد، وضمان نزاهة الانتخابات، والحريات العامة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
– يجب أيضا عدم استخدامه كتكتيك مرحلي، وألا يكون مجرد وسيلة لامتصاص الغضب، أو تجاوز أزمة سياسية آنية، بل يجب أن يكون خطوة حقيقية نحو إصلاحات جادة ومستدامة.
إذا توفرت هذه المحددات، يمكن أن يكون الحوار السياسي في موريتانيا ناجحًا ويحقق تطلعات المواطنين في التغيير الديمقراطي والإصلاح، وإذا لم يتحقق هذا فما يتم الحديث عنه، هو حديث معاد لحوارات صورية، لا تدخل في عمق الأزمة السياسية، و الاقتصادية، و المجتمعية العميقة التي يعيشها الشعب الموريتاني.
ما هي الأسباب التي دفعتكم للمقاطعة؟ أهو إحساس بعدم المشاركة في دعوات الرئيس الاخيرة الموجهة لبعض الساسة إلى القصر الرئاسي؟
الدعوات إلى القصر الرئاسي لم تعنِ لنا شيئا في الماضي و لا تعني لنا شيئا الآن، نحن نتخذ مواقفنا بناء على ما تمليه المصلحة الوطنية و الضمير، نعتقد بأن الحوار لأجل الحوار هو نوع من العبث و حصلت في هذا البلد حوارات سابقة كانت نتائجها هزيلة و لم ترق لطموحات الشعب الموريتاني، لذا لم نر في تلك المشاورات التي سبقت الدعوة سوى نوع من تكرار نفس التجارب، خصوصا أنها تمت مع جزء من الطيف السياسي يمثل الماضي، ولا نرى أنه يستطيع أن يوفكر نيابة عن أجيال شعبنا الشابة التي بدأت تفقد الأمل، وتتبرم من العملية السياسية عموما، ولا ترى في ما يحصل سوى نوع من المنارات و صرف الجهود عن الأمور الملحة التي تواجه شعبنا و بلدنا.
ضمت الوثيقة التي نشرت مؤخرا ستة كتل سياسية شبابية، هل ترى أننا أمام إعادة بناء للطبقة السياسية الموريتانية؟
الأطراف التي وقعت على البيان تجمعها في الوقت الحاضر الرؤية المشتركة لمستقبل البلد، وظروف الحكامة السيئة التي تطبع مسارانا السياسي، وتجمعها معارضة النظام الحالي و سياساته الحكومية الفاشلة، ولا مانع في المستقبل من أن تجمعها تجارب سياسية مشتركة، ما هو مهم في الوقت الحالي هو أننا ندرك كمشرعين وفاعلين سياسيين بأن مسيرة البلد ليست بخير، و أن ما يتم الحديث عنه من حوار ليس جديا، إنما المراد منه ذر الرماد في العيون، ومحاولة شراء تهدئة سياسية متوهمة، لا يعكسها التغول الحكومي والدوس على قوانين البلد من خلال التضييق علي حرية التعبير، ومنع الفاعلين السياسيين الجادين من الانتظام، وفرض قرارات وقوانين لا تحظى بالقبول من قبل طيف واسع من طبقتنا السياسية.
ألا ترى ان المقاطعة في ظرف تواجه فيه الدولة الموريتانية تحديات الهجرة والانقسام، تخل عن الدور السياسي الايجابي للمعارضة؟ وخصوصا أن السلطات هي من بادر؟
نحن لسنا ضد الحوار بالمطلق، لكننا ضد الحوارات و التشاورات الصورية مع قوى أصبحت جزء من الماضي، لا تمثل نبض الشارع الموريتاني التواق للتغيير، صحيح أن بلدنا يمر بوضعية صعبة، وانقسام مجتمعي سببه الأساسي هو الأحادية في التفكير، وطريقة إدارة الأمور. نحن في إقليم تعصف به الأزمات من كل جانب، ونواجه مشاكل وجودية، لا يمكن حلها إلا برص الصفوف، وهذا يبدأ بالتعاطي الإيجابي مع الشركاء، والتطبيق الصارم لقوانين الجمهورية.
الناس بدأت تفقد الثقة في مؤسساتنا الديمقراطية، والمؤسسات ذاتها يتم إفراغها من معناها؛ من خلال القرارات الفوقية. ديمقراطيتنا تتراجع بسبب ممارسات ضارة يمعن فيها هذا النظام، بتكميم الأفواه، ولقانون الجائر و المتخلف؛ قانون الرموز، وتعطيل قانون الأحزاب لما يزيد على ست سنوات، لايمكن الحديث عن حوار ولا رص للصفوف، و لا ترميم للثقة، ما لم يتم إلغاء هذه القوانين الجائرة، و المبادرة إلى تفعيل قوانين محاربة الفساد، و الإشراك الفعلي للمعارضة في بناء مؤسسات الجمهورية، و فتح المجال أمام المعارضة للتعبير من خلال الإعلام العمومي، ساعتها يمكن الحديث حوار و نقاش جاد لقضايا البلد بدون سقف ولا حدود.
ما رأيكم كنائب في المهجر حول موضوع الهجرة الذي تم تداوله في الآونة الأخيرة؟
بصفتي نائبًا يمثل موريتانيين في المهجر، أرى أن قضية الهجرة تتطلب مقاربة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مع احترام حقوق الإنسان والتزامات موريتانيا الدولية.
موريتانيا نفسها بلد للهجرة والاغتراب، والكثير من مواطنينا يعيشون في دول أخرى، حيث يسهمون في اقتصادات تلك الدول كما يساهم المهاجرون في اقتصادنا. لذا، ينبغي أن يكون النقاش حول الهجرة مبنيًا على الحقائق، وليس على المخاوف غير المبررة، مع العمل على سياسات تضمن الاستفادة من الهجرة المنظمة وتحمي في الوقت ذاته الأمن القومي والحقوق السيادية للدولة، نحن في منطقة شديدة الاضطراب وموجة الهجرة الحالية ظاهرة تتأثر منها كل دول المعمورة، صحيح ان نظامنا الأمني هش، والضغط على الخدمات الصحية والتعليمية كبير، لكن بالمقابل لدينا التزامات مع جيراننا تفرض علينا حماية من يدخل من مواطنيهم و يقيم بشكل شرعي.
وضبط الحدود والأمن يتطلب إمكانيات، وجهود كبيرة يجب على الدولة توفيرها وإعطاء الأولوية لهذا الموضوع المصيري بالنسبة لأمن واستقرار بلدنا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس