أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. شكلت موريتانيا بموقعها في الساحل الافريقي الملتهب، وإطلالتها على المحيط الأطلسي، منفذا رئيسيا للهاربين عبر زوارق الموت نحو الحلم الأوروبي، الحالة الأمنية للشواطئ الموريتانية، والموقع الاستيراتيجي لها كدولة ناجية في فضائها الملتهب، جعلا منها مركزا حساسا، وموقعا استراتيجيا بالنسبة للأوروبيين، كما أنها ظلت دائما مصدر قلق خاصة لإسبانيا التي يعبرإليها المهاجرون مباشرة عبر أرخبيل الكناري.
حول هذه الوضع تتنزل الزيارت المتسارعة لعدد من المسؤولين العسكريين رفيعي المستوى، والتي كانت آخرها زيارة وزيرة الدفاع الاسبانية مارغريتا روبلس فرنانديز إلى العاصمة نواكشوط، وقد سبقتها زيارة الجنرال باسكال ياني مدير قيادة القوات الفرنسية في أفريقيا في 23 من أكتوبر المنصرم، وسبق ذلك زيارة رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحه، في 16 من نفس الشهر.
اللافت للنظر هو ما أدلى به وزير الدفاع وشؤون المتقاعدين وأولاد الشهداء حننا ولد سيدي على هامش زيارة الوزيرة الاسبانية فقد دق الوزير الموريتاني ناقوس من خلال تصريحه بأن (تدفق اللاجئين إلى الأراضي الموريتانية وصل عتبة حرجة) وهو ما يعبر عن حالة متقدمة من الخطر تلفت إليه نواكشوط أنظار شركائها الأوروبيين، و قد عزى وزير الدفاع الموريتاني كثافة تدفق المهاجرين غير الشرعيين على السواحل الاسبانية إلى تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، مضيفا أن (الوضع الأمني في الساحل مستمر في التدهور وانعدام الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي والتأزم الاقتصادي) وأن موجات المهاجرين الوافدين على موريتانيا تشكل بالنسبة للبلد ضغطا اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا كبيرا.

وفي تصريح لـ”أفريقيا برس”، قال الصحفي الموريتاني المقيم في إسبانيا، ورئيس مركز المرصد الأطلسي الساحلي للهجرة والمجتمعات محمد الأمين ولد خطاري أن الزيارات التي توالت تباعا من مدير قيادة الجيوش الفرنسية إلى قائد الجيوش الجزائرية إلى وزيرة الدفاع الاسبانية تتنزل في إطار الشراكة الأمنية والعسكرية نظرا لما تمثلة موريتانيا كحالة استثنائية للاستقرار في منطقة مشتعلة – حسب ولد خطاري-، ويضيف: إن الأوربيين ينظرون إلى موريتانيا – وحتى الجيران المغاربة – باعتبارها الناجي الوحيد من سلسلة الاضطرابات تلك، كما أنه وبحكم الجوار الذي يربط موريتانيا بمحيطها المغاربي وحتى استيراتيجيا عبر الحدود البحرية مع جزر الكناري يظل البلد بوابة لهذه الدول ونقطة التقاء يرى فيها المهتمون بعوامل الاستقرار حجر الزاوية، تخوفا من إشكالات بدأ شبحها يظهر في العديد من دول المنطقة، ويشير ولد خطاري إلى أن الإشكال الكبير الذي تنظر إليه اسبانيا على وجه الخصوص والاتحاد الأوروبي على وجه العموم وهو تدفق موجات الهجرة من دول الساحل نحو دول أوروبية، وحتى بالنسبة لهجرات قادمة من بعض الدول الآسيوية، مما يجعل من موريتانيا همزة وصل بين إفريقيا والعالم العربي والأوروبي و محط انظار ومتابعة واهتمام كبيرين وعلى أكثر من صعيد.
وحول المرتكزات التي تعكسها زيارة مارغريتا روبلس يقول ولد خطاري: إنها تركز بطبيعة الحال على إشكاليات الهجرة وما تقدمه موريتانيا في هذا السياق، وضرورة أن يفعل الاتحاد الأوروبي ما تعهد به لموريتانيا في مواجهة هذه الهجرة التي تتجاوز أخطارها مرويتانيا إلى أوروبا بحكم الجوار الجغرافي بين جزر الكناري والمياه الموريتانية، ويضيف ولد خطاري: إذن هي زيارة سبقتها زيارات تهدف أو تؤكد على مسألة أصبحت ربما شبه اجماع وهو أن موريتانيا هذا البلد الناجي الوحيد من الاضطرابات هو حلقة وصل يجب أن تبقى بأمان في ظل كل الظروف، وأن يتم ووقف نزيف التغيرات الملتهبة التي تجتاح المنطقة من لآخر.
الاهتمام الأوروبي بالبوابة الافريقية يأتي في ظل مخاطر حقيقة يشكلها النزوح المتنامي لأعداد كثيرة من المهاجرين نحو أوروبا، وتبعا لذلك فإن الشراكة الاوروبية مع موريتانيا وصلت إلى مستويات متقدمة حيث تسعى الدول الأوروبية وإسبانيا على وجه الخصوص إلى شراكة بهذا الصدد مع السلطات الموريتانية من خلال تعزيز الأمن، وضبط الحدود، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، و كانت الحكومة الإيطالية قد أعلنت عن إنشاء صندوق بقيمة 200 مليون يورو، كما ورد في تصريح أدلى به وزير الخارجية الإيطالي آنجيلينو آلفانو لوكالة الأنباء الفرنسية. وذلك قبيل انعقاد قمة رؤساء وحكومات أوروبا في 3 من فبراير بمدينة فاليتا عاصمة مالطا.
وخلال السنوات الأخيرة، ظلت الهجرة غير النظامية المتحرك الرئيسي في المنطقة، ففي مطلع العام 2017 أوقفت سلطات خفر السواحل زورقا يحمل 50 شخصا كانوا يخططون للعبور إلى إسبانيا، كما أوقف الدرك أيضا من نفس العام 40 مهاجرا غير شرعي، وألقت الشرطة الموريتانية بُعيد ذلك القبض على 30 شخصا يخططون لنفس الهدف وفي الـ 27 ديسمبر 2019 أوقفت السلطات الأمنية في انواذيبو بالشمال الموريتاني 120 مهاجرا كانوا يخططون للوصول إلى اسبانيا، من بينهم 100 موريتاني و20 أجنبيا، السنوات الأخيرة إذن كانت مسرحا لكثير من حالات العبور إلى أوروبا عبر موريتانيا، وقد راح ضحية ذلك عدد غير قليل من الضحايا انقلبت بهم الزوارق في عرض البحر، آخر ذلك ما أورده مركز الصحراء للدراسات والاستشارات نقلا عن الصحف الفرنسية من أن 65 شخصا قادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، انقلب بهم زورق في عرض المياه الموريتانية مما أدى إلى وفاة 28 شخصا، وأشار المصدر إلى أن البقية في عداد المفقودين، وتشير المعلومات نفسها إلى أن 3 من بين الضحايا تعود جنسياتهم إلى السنغال (منطقة فاتيك)، فيما سجل أرخبيل جزر الكناري الإسبانية منتصف أكتوبر أكثر من 33 ألف وافد عن طريق البحر، مقارنة بـ 23 ألفا خلال نفس الفترة من العام الماضي، وتشير التقديرات الأمنية إلى أنَّ قرابة نصف مليون مهاجر وصلوا إلى موريتانيا مؤخرا وهو ما يمثل نسبة 10% من السكان المحليين، وكما أن أرقام المهاجرين الأفارقة في تزايد، فإن عددا من المهاجرين غير الأفارقة على راسهم الآسيويين وفدوا إلى موريتانيا في الآونة الأخيرة وبأعداد كبيرة..
ولا تعاني موريتانيا من الهجرة فحسب وإنما تعاني أيضا من موجة النزوح من الحرب المستعرة في مالي، ووفق تقرير سابق للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن عدد اللاجئين في مخيم “امبره” في الشرق الموريتاني يصل إلى 51,828 لا جيء، وهويشكل ضغطا حقيقيا لا يقل خطرا عن ضغط الهجرة غير النظامية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس