حزب “تواصل” ورفض المشاركة في الحوار

79
التجمع الوطني للإصلاح والتنمية - تواصل

بقلم: محمد عبدالرحمن أحمد عالي

أفريقيا برسموريتانيا. الحوار المرتقب في موريتانيا بين النظام والمعارضة حدث سياسي بارز كشف عن الكثير من المفاجآت، ولعل آخرها موقف العمدة السابق لبلدية دار النعيم عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”  الذي عبر من خلاله عن رفضه لقرار الحزب الأخير القاضي بمقاطعة الحوار المرتقب رغم توجيه الدعوة له من طرف النظام السياسي الحاكم للمشاركة في الحوار باعتباره الحزب الذي يتزعم المعارضة ويدير مؤسسة المعارضة وموقف القيادي في حزب تواصل وأحد الرجال الأقوياء من قرار حزبه الأخير حول الحوار لم يأتي من فراغ ولم يكن وليد الصدفة.

ولفهم هذ الموقف وسياقه الذي اتخذ فيه، لابد في البداية الحديث ولو بشكل مختصر عن هذا الحزب الذي قفز إلى قمة الهرم السياسي المعارض في موريتانيا وبات أبرز الأحزاب المعارضة من حيث القوة الانتخابية وأصبح أكثر الأحزاب المعارضة تمثيلا في البرلمان.

فهذ الحزب الذي يصل عمره إلى ثلاثين عاماً، تحقق له مالم يتحقق لغيره من الأحزاب لكن وجود قادته ومؤسسيه ومناصريهم قديم جداً ويعود لبدايات دخول التيارات والأيديولوجيات إلى موريتانيا والتي تلقفها الشباب الموريتاني المثقف في المدارس حينها مثل التيار القومي العريي، والتيار اليساري، والتيار الشيوعي، والتيار الإسلامي، ومن هنا بدأ تشكل التيار الإسلامي في موريتانيا الذي تطور إلى كتلة سياسية لها قاعدتها الشعبية وحضورها في الساحة.

وكان أول دخول لهذه الكتلة في المعترك السياسي في أول انتخابات رئاسية نظمها العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع  الذي استمر حكمه إلى  مايزيد على عشرين سنة. وفي ظل العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع صغطت فرنسا على البلدان الأفريقية لتنتقل من الحكم العسكري إلى الديمقراطية  وهنا وجد العقيد ولد الطايع وزملائه في الجيش أنفسهم مجبرين على الانتقال إلى النظام الديمقراطي.

وأجريت أول انتخابات شاركت فيها المعارضة التي كانت أكثرية كتلها وقادتها منضوية تحت حزب تكتل القوى الديمقراطية بقيادة شقيق الرئيس السابق أحمد ولد داده وكانت جماعة الإخوان المسلمين الممثلة للتيار الإسلامي السياسي في موريتانيا آنذاك ضمن الكتل الداعمة للمعارضة.

واستمرت علاقتهم  بالتكتل حتى التجربة الانتخابية الثانية والتي تمكن فيها قادة تيار الإخوان في موريتانيا من إقناع زعيم المعارضة حينها ورئيس أكبر الأحزاب المعارضة في موريتانيا من حيث القاعدة الشعبية في الساحة، بترشيح أحدهم لمنصب عمدة إحدى بلديات العاصمة نواكشوط، ووقع الخيار على بلدية عرفات.

ورشحت جماعة الإخوان في موريتانيا يومها أبرز قياداتها الأستاذ محمد جميل منصور وفي هذه الانتخابات فاز حزب التكتل بمنصب عمدة عرفات الذي ترشح له القائد البارز في تيار الإخوان في موريتانيا الأستاذ  محمد جميل منصور وهنا كانت البداية الحقيقية لتجربة الإخوان في  المجال السياسي.

حيث كان أدائه ملفت للانتباه وتمكن من رسم صورة حسنة لتيار الإخوان المسلمين في موريتانيا . مقدما له كنموذجا يجب اختياره  في الانتخابات لكن العقيد ولد الطايع لاحظ قوة التيار وتأثيره فاختار ضربه وشن حملة قوية عليه وعلى قادته وزج بهم في السجون وكان جميل منصور وبعض القادة من الذين حالفهم الحظ وحصلوا على لجوء سياسي في بلجيكا. واختاروا المنفى إلى حين.

وبعد الإطاحة بالعقيد ولد الطايع  من طرف المجلس العسكري  بزعامة  الرئيس السابق العقيد إعلي محمد فال وانتخاب أول رئيس مدني وهو الخبير الدولي في الاقتصاد الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله، وجد  قادة التيار الإخواني في موريتانيا الفرصة مناسبة، وعادوا إلى موريتانيا وقدموا طلباً لترخيص حزبهم تحت اسم التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”.

وقبل الرئيس محمد الشيخ عبد الله الترخيص لهذا الحزب وهنا انتقل الإخوان في موريتاتيا من العمل السياسي في السر إلى العلن تحت يافطة حزبهم الجديد؛ التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”، والذي جاء بنظريات جديدة في العمل السياسي معتمدا على جناح إعلامي هو الأقوى في الساحة الإعلامية اليوم، فترخيص الحزب واكبه ظهور مؤسسات إعلامية قوية ورائدة على المستوى الوطني حيث كانت من أوئل المؤسسات الإعلامية الخاصة ظهوراً في موريتانيا.

وعندما حصلت الأزمة السياسية الخانقة بين نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وجبهة الدفاع عن الديمقراطية وقررت المعارضة مقاطعة تلك الانتخابات المعلن عنها من طرف النظام الحاكم، شق تواصل إجماع المعارضة وخرج عليه وترشحه في تلك الانتخابات خطوة مكنته من السيطرة على المعارضة بحصد أكثر مقاعد للمعارضة في البرلمان، وتولى زعامة المعارضة بحكم تصدره للمشهد الانتخابي المعارض واليوم بعد إعلان النظام قبول الحوار قرر الحزب رفض المشاركة  ليبادر ابرز قادته وأحد أعمدته السابقين شيخان ولد بيبه إلى رفض قرار الحزب وهو رفض يعبر عن صراع داخلي يعيشه الحزب.

عبر الصحفي ورئيس تحرير موقع الإخباري الموريتاني معتز الجيلاني عن قرائته لـ”أفريقيا برس” لتصريحات هذ القيادي التواصلي ودوافعه، قال: “حزب تواصل يشهد منذ فترة صراعا داخليا بين قياداته وهذا الصراع تطور مع وصول الرئيس محمد ولد الغزواني للحكم الذي أعلن فتح الباب وقبول الحوار مع المعارضة فالقائد التواصلي شيخان ولد بيبه يمثل التيار المعتدل في تواصل ويسعى إلى مهادنة النظام وتخفيف الضغط عليه، ولد بيبه يرى أن النظام الحالي خلق فرصة مناسبة للحوار ينبغي أن ينتهزها الحزب ولا يفوتها”.

بالسير في اتجاه آخر يخدم أجندة لاعلاقة لها بمصلحة الحزب والوطن وتسعى لتأزيم الوضع حماية لمصالح أطراف داخل النظام نفسه وتسبب الضرر لنتائج الحوار المرتقب، وأضاف الجيلاني: “نحن اليوم أمام تيارين في تواصل؛ الأول يدعو للحوار بقيادة ولد بيه ومعه كثيرون ساخطون من قرار الحزب وسياساته الأخيرة ويرون أن الحزب مختطف من طرف مجموعة معينة وتيار آخر تمثله قيادة الحزب ممثلة في الرئيس ولد سيدي وبعض القادة الذي يرون أن مصلحة الحزب وقوته في ذهنية الناخب الموريتاني ستتأثر إذا ما شارك في الحوار وأعلن مهادنة النظام والحقيقة الثابتة أن ولد بيبه كان مصيبا في رفضه لقرار الحزب القاضي بالعزوف عن المشاركة في الحوار ودعوته هذه التي طالب فيها الحزب بالمشاركة في الحوار”.

واعتبر الجيلاني أن انعكاسات هذه الدعوة والرد بالرفض ستكون كارثية على الحزب، وقد تؤدي إلى تحرك التيار الغاضب في الحزب ودفعه لاستقالة جماعية أوالدخول في صراع قانوني مع التيار الآخر على زعامة الحزب وجميعها أمور لن تكون في مصلحة تواصل كحزب ولا لقيادته.