أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. أكد النائب في البرلمان الموريتاني محمد الأمين ولد سيدي مولود أن تقييم المأمورية الثانية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يجب أن يعتمد على ما تحقق من تعهدات خلال المأمورية الأولى، مشيراً في حوار خاص مع “أفريقيا برس”، إلى أن اختبارات مثل انتشار الملاريا والفيضانات ومشروع المدرسة الجمهورية تعكس إخفاقات واضحة.
وأضاف إن حكومة الرئيس محمد ولد الغزواني لم تصنع معجزة في استمالة الأحزاب السياسية التقليدية، وأن الهدنة السياسية التي يتغنى بها النظام ليست نتيجة لجهود ذاتية بل لضعف المعارضة التقليدية وعدم نضج المعارضة الجديدة.
وشدد ولد سيدي مولود على أن الإنجازات في البنية التحتية ضعيفة مقارنة بتضاعف الميزانية، مشيراً إلى غياب تأثير حقيقي لهذه المشاريع. كما قال إن ارتفاع الأسعار وتردي الخدمات يعكس فشل الحكومة في الرقابة ومعالجة الأزمات.
نبذة عن محمد الأمين ولد سيدي مولود:
يعد محمد الأمين ولد سيدي مولود أحد أبرز الوجوه السياسية الشابة في موريتانيا. وُلد عام 1979، وبدأ مسيرته السياسية كناشط ملتزم بقضايا المجتمع، ليصبح لاحقاً صوتاً بارزاً داخل البرلمان الموريتاني.
انتُخب نائباً برلمانياً لأول مرة عام 2018، ثم أُعيد انتخابه في العام 2023 ممثلاً لدائرة نواكشوط الشمالية.
يمتاز ولد سيدي مولود بحضور قوي في الساحة السياسية، حيث يُعرف بمواقفه الواضحة وآرائه الصريحة تجاه القضايا الوطنية. يتمتع بنشاط واسع في تبني قضايا البلد والدفاع عن حقوق المواطن الموريتاني، خاصة الفئات الأقل حظاً.
يعتبر من الشخصيات السياسية التي تسلط الضوء على مشاكل المواطن العادي، بدءاً من القضايا الاقتصادية والاجتماعية إلى التحديات المرتبطة بالخدمات العامة والبنية التحتية. يجمع بين رؤية نقدية للسياسات الحكومية الحالية، ودعوة مستمرة لإصلاحات حقيقية تعزز الديمقراطية وتحسن حياة المواطن.
بفضل نشاطه السياسي ومواقفه الجريئة، أصبح ولد سيدي مولود من الوجوه المؤثرة في المشهد السياسي الموريتاني، وصوتاً يعبر عن هموم المواطن في مواجهة التحديات اليومية.
يتحدث الرأي العام الموريتاني هذه الأيام عن تقييم المأمورية الثانية للرئيس محمد الشيخ الغزواني. هل تعتقدون أن هذا التقييم وجيه في ظل مرور فترة وجيزة من بداية المأمورية؟
تقييم المأمورية الثانية للرئيس بناءً على فترة قصيرة ليس منصفاً، إذ إن التقييم العادل يعتمد على معيارين رئيسيين. الأول: مقارنة المأمورية الحالية بالمأمورية الأولى، وما تحقق من برنامج “تعهداتي”، الذي لم يُنفذ فيه العديد من التعهدات المهمة رغم توفر إمكانيات مادية كبيرة وهدنة سياسية. والثاني: محاكمة الأداء الحكومي بناءً على اختبارات محددة خلال فترة الـ100 يوم الأولى، التي تعد معياراً سياسياً معترفاً به لاختبار أداء الحكومات.
في حالة الحكومة الحالية، يمكن قياس أدائها عبر ثلاثة تحديات أساسية واجهتها في هذه الفترة القصيرة: انتشار الملاريا في المناطق الداخلية، الفيضانات التي اجتاحت الجنوب الموريتاني، ومشروع المدرسة الجمهورية. هذه التحديات ترتبط بثلاثة قطاعات حيوية هي: الصحة، الزراعة، والتعليم، وتعد مؤشراً أولياً لتقييم مدى نجاح أو إخفاق الحكومة في التعامل مع القضايا الوطنية الملحة.
يقال إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني نجح في خلق أجواء تهدئة سياسية واحتواء عدد من القادة السياسيين التقليديين وبعض الأحزاب. كيف تفسرون ذلك؟
الهدنة السياسية التي حصل عليها النظام الحالي لا يمكن نسبها إلى جهود ذاتية بذلها، بل هي نتاج للظرف الزمني الذي تزامن مع وصوله إلى السلطة. ولو كان الرئيس معاوية أو محمد ولد عبد العزيز في ذات الظرف، لحصلوا على النتيجة نفسها.
أحزاب المعارضة التقليدية الثلاثة (التحالف، اتحاد القوى الديمقراطية، والتكتل) تحمل تاريخاً نضالياً طويلاً ومكانة اجتماعية وسياسية كبيرة، لكنها لم تُوفق في تجديد قياداتها أو تحديث خطابها في الوقت المناسب. نتيجة لذلك، شاخت هذه الأحزاب وتراجعت شعبيتها وأداؤها، مما جعل من السهل على أي رئيس استغلال هذا الوضع لتحقيق تهدئة سياسية.
أما المعارضات الجديدة، سواء كانت شبابية أو حقوقية، فهي لم تصل بعد إلى درجة النضج السياسي والتنظيم اللازم لتشكيل قوة فاعلة. وبالتالي، فإن التهدئة الحالية ليست دليلاً على عبقرية النظام الحالي، بل هي انعكاس لظروف مواتية ساعدته على حصد هذه النتيجة دون مجهود استثنائي.
خلال الانتخابات الأخيرة وبعدها، تحدث مسؤولون حكوميون عن مشاريع منجزة وأخرى قيد التنفيذ، كان آخرها مشروع عصرنة العاصمة. كيف تنظرون إلى هذه المشاريع وما تقييمكم لأداء الحكومة في مجال البنية التحتية؟
إن إنجازات الحكومة الحالية في مجال البنية التحتية تُعتبر ضعيفة للغاية إذا ما قورنت بتضاعف الميزانيات. آخر ميزانية في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز كانت 560 مليار أوقية قديمة (حوالي 1.56 مليار دولار)، أما ميزانية هذا العام فقد بلغت 1170 مليار أوقية قديمة (حوالي 3.25 مليار دولار)، والعام الذي سبقه 1080 مليار (حوالي 3 مليارات دولار)، ما يعني أن الميزانية العامة زادت بحوالي 500 مليار أوقية سنوياً (حوالي 1.39 مليار دولار) في عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. ومع ذلك، لم تنعكس هذه الزيادات على إنجازات حقيقية تُذكر أو تحسينات جوهرية في الرواتب أو الخدمات.
مثال على ذلك، مشروع ما يُعرف بـ”جسر باماكو” في مقاطعة الرياض يُقدَّم وكأنه إنجاز كبير، بينما الواقع يشير إلى أن الحديث عن عصرنة العاصمة هو في الحقيقة تحدٍّ لمشاعر المواطن الموريتاني. من يفهم معنى العصرنة ويدرك واقع العاصمة نواكشوط يعرف أن مبلغ 50 مليار أوقية قديمة (حوالي 139 مليون دولار) لا يكفي حتى لتغطية تكاليف الصرف الصحي، التي تُقدر بحوالي 300 مليار أوقية قديمة (حوالي 834 مليون دولار).
عاصمة تفتقر إلى نظام صرف صحي متكامل لا يمكن وصفها بالمدينة العصرية. فما بالك بالمشاريع الأخرى التي تشمل التجمعات السكنية، العمارات الشاهقة، الجسور، الدوارات الحديثة، الشواطئ الجميلة، أو الساحات العامة الخضراء؟ نواكشوط لا تزال بعيدة جداً عن تحقيق معايير العصرنة.
لو كان الحديث عن تحسينات بسيطة على الخدمات العامة والبنية التحتية في العاصمة بميزانية قدرها 50 مليار أوقية قديمة (حوالي 139 مليون دولار)، لكان ذلك أقرب إلى المنطق. أما الحديث عن إقلاع ورفاهية، فهو مجرد وصف شاعري لا يعكس واقع العاصمة نواكشوط.
يتحدث المواطنون عن ارتفاع الأسعار وتردي الخدمات الأساسية (الماء والكهرباء)، بينما تشير الحكومة إلى استراتيجيات لمعالجة هذه القضايا. هل تعتقدون أن هناك مبالغة في تقييم الخدمات العمومية؟
حديث المواطنين عن ارتفاع الأسعار مدعوم بالأرقام والواقع، ولا يمكن وصفه بالمبالغة. مقارنة بسيطة بين أسعار المواد الأساسية عند وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة وأسعارها الحالية تكشف الفارق الواضح. معظم هذه المواد حافظت على ارتفاع أسعارها أو زادت، بما في ذلك السلع الأساسية التي تمس حياة المواطن اليومية.
هذا الارتفاع في الأسعار يمكن فهمه في ظل عوامل عدة، منها التضخم وتراجع قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية. عند وصول الرئيس، كانت قيمة العملة قد تراجعت بنسبة 10%، واليوم وصلت نسبة التراجع إلى 19%، وهو ما انعكس بشكل مباشر على أسعار المواد.
إلى جانب ذلك، ضعف الرقابة الحكومية على الأسواق يزيد الوضع سوءاً. الكثير من البضائع تُعرض دون مراعاة للتاريخ أو الصلاحية أو الوزن، مما يشير إلى تقصير واضح من الجهات المعنية. في هذا السياق، تجمع الحكومة بين العجز عن مواجهة هذه المشكلات، وضعف الإرادة السياسية، وغياب رؤية واضحة لمعالجة الأزمات.
أضف إلى ذلك ارتهان الحكومة لرجال الأعمال، الذين يشترون مواقفها ويدعمون الحملات الانتخابية للحزب الحاكم بسخاء، مما يحد من قدرة الحكومة على فرض رقابة حقيقية أو اتخاذ قرارات تصب في مصلحة المواطن.
بالتالي، انتقادات المواطنين بشأن تردي الخدمات وارتفاع الأسعار ليست مبالغة، بل هي انعكاس لحالة من العجز الحكومي والإخفاق في تحسين واقع المعيشة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس