أفريقيا برس – موريتانيا. قال رئيس ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، يربه ولد نافع، إن “التعاطي مع قضايا الحراطين ما زال دون المستوى المطلوب”، رغم الخطابات السياسية وما يظهر من تبني للقضية.
وقال يربه في تصريح لموقع “أفريقيا برس”، إن قراءة الساحة السياسية على مستوى الحزب الحاكم والمعارضة تُبيّن بوضوح مدى التمثيل والمشاركة التي يحظى بها مكون لحراطين داخل الكيانات السياسية الوطنية. وأشار إلى أن الهيئات المعنية بمحاربة التهميش والفقر داخل الأوساط الهشة “أسماء تتكرر مع الأنظمة وتتغير بتبدلها من وقت لآخر”.
وكان “ميثاق الحراطين” قد أعلن في وقت سابق إعادة انتخاب يربه ولد نافع رئيسًا لمأمورية ثانية على هامش الجمعية العمومية للميثاق، كما تم اختيار لجنة دائمة تتكون من 23 عضوًا.
ما هو تشخيصكم للحالة الاجتماعية والسياسية في البلد وواقع الحراطين اليوم؟
تشخيص واقع لحراطين في بعديه السياسي والاجتماعي يحتاج إلى بُعد نظر وتأمل. ويبدو لي أن الحالة السياسية للحراطين تتميز بوجود انقسامات حقيقية، حيث سيلاحظها من سبر الأعماق وقرأ ما بين السطور، رغم أن الظاهر قد لا يعكس ذلك. عندما نتحدث عن حالة الحزب الحاكم ووجود الحراطين داخله، ومدى تمثيلهم للواقع السياسي، نجد أن عدد نواب الحزب الحاكم يقارب المائة وأكثر، والواقع يقول إن نسبة الحراطين فيها لا تتجاوز 1%، أي عشرة لحراطين من أصل مئة نائب.
أتساءل عن التوصيف الحقيقي لهذه الحالة: هل تعني أنهم مغيبون عن مواقع القرار عمدًا؟ وهل يمثلون قضية أصبحت جزءًا من برامج الحكومات كما أعلنت الأخيرة؟ كما أن واقع الإقصاء الذي يوجد على مستوى الحزب الحاكم نلمسه بوضوح في أحزاب المعارضة مثل “حزب تواصل” أو غيره من الأحزاب السياسية. المعلن عنه أن هذه التيارات كلها تدافع عن قضايا الحراطين، لكن الواقع خلاف ذلك.
الجانب الآخر يتعلق بما يقوم به النظام من خلال خطابات شنقيط ووادان وحملات التثمين، في الوقت الذي نجد فيه واقعًا يعاني من التهميش والتفقير والحرمان وتردي الخدمات الضرورية.
في كلا الحالتين، سيكون لدينا تمثيل ضئيل لا يتناسب مع المعلن عنه. والسؤال المطروح: هل وجود الحراطين داخل الحزب الحاكم يعكس مكانتهم في الوطن؟ بالعكس، أظن أن الكتل السياسية للحراطين في عهد ولد الطائع كان حضورها أقوى بكثير مما هو موجود الآن، وتمثيلهم كان أكثر وأبرز.
من جهة أخرى، نلاحظ أن الهيئات المعنية بقضايا التهميش هي هيئات وأسماء تتكرر مع الأنظمة وتتغير بتبدلها من وقت لآخر، بدءًا من “المندوبة الوطنية لمكافحة الفقر والدمج” في عهد ولد الطائع، و”تضامن” مع ولد عبد العزيز، و”تآزر” في ظل النظام الحالي؛ الاسم يتغير ولكن المضمون واحد.
في الجانب الاجتماعي، من خلال تتبع واقع الخدمات العمومية، وغلاء الأسعار، وأحوال العمال (الحمالة)، والمضايقة في الأرزاق، نلاحظ أن هناك حالة من العوز والمشاكل الكثيرة والتحديات الحقيقية التي تواجهنا كموريتانيين، ولم تُوضع استراتيجيات قادرة على التغلب على هذه الإشكالات.
كيف تقيمون مهمتكم الأولى؟
نحن في ميثاق الحراطين شكلنا مجموعة من اللجان الدائمة للمطالبة بتمثيل حقيقي للحراطين داخل الأحزاب السياسية في البلاد. وقد سلمت هذه اللجان الوثيقة لجميع الأحزاب السياسية في المعارضة والمولاة، كما اعتمدنا أعضاء داخل هذه الأحزاب للتذكير بأهمية الوثيقة وضرورة تطبيقها. نحن نرى أن التعاطي مع قضايا لحراطين ما زال دون المطلوب، رغم محاولتنا إنجاز العديد من المهام والتغلب على الكثير من التحديات التي من أبرزها: غياب بعض الأعضاء لظروف قاهرة. نرى أن المهمة الأولى أُنجزت بشكل جيد، وكان ينبغي أن تُنجز أكثر مما تم إنجازه.
ما هي أبرز البرامج للمأمورية الثانية؟
الحديث عن برنامج المأمورية الثانية الآن سابق لأوانه، نظرًا لأننا وضعنا خارطة للعمل وشكلنا لجانًا لوضع برامج مستقبلية ستتم دراستها ومراجعتها ثم عرضها للنقاش في الأيام المقبلة. ومن خلال تلك الخطة ستتبلور البرامج المستقبلية للمأمورية الثانية إن شاء الله.
وقد عملنا خلال الأيام الماضية على تجديد الهيئات، ورؤيتنا لها تنطلق من كونها جامعة لكل الأطياف والتوجهات السياسية وغيرها، لأن المرجعية فيها هي الوثيقة التشخيصية لقضايا الحراطين. ونرى أن هذه الوثيقة سيكون مناسبًا النظر فيها بعد ثلاثة عشر عامًا، ولن يكون ذلك إلا من خلال تهيئة هيئات الميثاق: هيئة اللجنة الدائمة، هيئة الحكماء، وهيئة المجلس الوطني.
هل ترون أن الحراك السياسي للحراطين أبقى على مطالب حقيقية ومقنعة للميثاق؟
أرى أن مطالب الحراك السياسي للحراطين مطالب حقيقية وستظل كذلك لصيقة بالواقع الاجتماعي ما لم تنظر الجهات المعنية في هذه المطالب.
ورغم اختلاف التيارات المحسوبة على الحراطين في الطرح ونمط التشخيص حول هذه القضية وأبعادها المختلفة، فإن المطالب مثل التمييز الإيجابي في مجالات مختلفة، وإجبارية التعليم، ومواجهة الفقر والتهميش بتشكيلاته المختلفة، تعتبر ذات أولوية بالنسبة للجميع.
ما ينبغي فعله اليوم هو البحث عن علاج لمطالب وطنية، نتائجها عامة وشاملة، تعود على المجتمعات المتضررة، بعيدًا عن الاستهلاك الخارجي، ومحاولات حصر المكاسب في الأشخاص أو التيارات والتنظيمات.
ما هي أهم المكاسب التي حققها الميثاق طيلة مسيرته النضالية برأيكم؟
دور الميثاق هو الضغط والدفع بالحقوق إلى الواجهة، وأرى أن الكثير من التعيينات والاستجابة لبعض المطالب لتحسين أوضاع لحراطين أو إشراكهم هي مكاسب لكل تيار أو تنظيم مطالب منها نصيب معلوم، قلّ أو كثر.
التعيينات كلها جاءت نتيجة ضغط، لكننا نرى أن النتائج المتحصل عليها اليوم لا تُناسب الكم الديموغرافي للحراطين، ولا المواقع التي يشغلها هؤلاء في التعيين تعكس حقيقة هذا المجتمع. إذ في الغالب يتم تعيينهم كمستشارين أو مكلفين بمهام وغيرها من الوظائف الدونية والصغيرة. كما أن هذه التعيينات لا تحقق جوهر المطالب المرفوعة. وأقول إن عوامل الافتراق والتشرذم وعدم التماسك ساهمت في تحجيم هذه النتائج، وأنها لا تُؤتي ثمارها بالقدر المطلوب، وهذا شيء نأسف له.
ومنذ بدء نضال للحراطين حتى اليوم، لم توجد وثيقة حظيت بوفاق وطني ومطلب جامع لكل التيارات والأحزاب كما حظيت به وثيقة الميثاق.
حسب تجربتكم النضالية، ما هي المطالب الملحة اليوم التي لو نجحت فيها الحكومات الموريتانية، ستعتبر تقدما في قضية الحراطين؟
أرى أن هناك عددًا من المطالب الملحة اليوم بالنسبة لمجتمع لحراطين ككحيان هش، ويمكن إبراز ذلك في النقاط التالية:
– إرادة سياسية تعترف بوجود العبودية في موريتانيا.
– إيجاد حلول موجهة للداخل الموريتاني والواقع الاجتماعي المترهل وليس للاستهلاك الخارجي.
– أن تعكس التعيينات – على الأقل – ضمن من شاركوا في نضالات الحراطين وليس فقط لحاجة في نفس النظام أو لأجل التلوين.
– أن يشرك الحراطين في الهيئات المعنية بعلاج الهشاشة والفقر كـ “تآزر” مثلًا لأنهم على معرفة واطلاع بالمشاكل الحقيقية التي تتهدد الوطن.
– تحسين الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء وغير ذلك من الخدمات التي تمس المواطن البسيط وتقريبها منه، لأن المتضرر الأول من ذلك هم الحراطين باعتبارهم الأكثر فقرًا وهشاشة داخل موريتانيا نتيجة العبودية وآثارها والإقصاء.
– إعطاء الأراضي الزراعية للمزارعين الممارسين الذين ملكوا الأرض بالإحياء والاستغلال الفعلي، والحراطين سيستفيدون من ذلك لأنهم من يمارس هذه المهن اليدوية في البلاد، وخلق تمييز إيجابي في التعيين والخدمات إلى غير ذلك حتى نوجد شراكة حقيقية. هذه الأمور متى وجدت، وهذه النقاط متى عملت الحكومات عليها، فإنها تسهم عمليًا وبشكل جدي في حل هذه القضية.
وحسب تجربتي وتقييمي ومعايشتي للأنظمة الموريتانية باختلافها، فإن نظامين ساهما في حلحلة هذه القضية وفرضها على الرأي العام وبدأ نقاشها بجدية في أوساط لم تعهدها وعلى نطاق أوسع من ذي قبل: الأول هو نظام ولد هيدالة الذي طرح قضية تحرير العبيد مما أحرج العلماء والجادين في الأمر الواقع رغم المآخذ على ذلك وطبيعة ما حدث يومئذ.
النظام الثاني هو نظام الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي في عهده تم تجريم العبودية وتم الإقرار بوجود العبودية رغم مسيرة طويلة من التنكر لها ونفيها. ما سوى ذلك، فإن الأنظمة المتتابعة لم تمتلك إرادة حقيقية لمواجهة هذه الظاهرة وملحقاتها، بل ظلت مجالًا للاستهلاك الخارجي ودغدغة المشاعر العامة بالخطابات المفصولة عن الواقع.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس