أطباق حفلات الزفاف المغربية… وصفات موثقة منذ العصر الموحدي

1
أطباق حفلات الزفاف المغربية... وصفات موثقة منذ العصر الموحدي
أطباق حفلات الزفاف المغربية... وصفات موثقة منذ العصر الموحدي

أفريقيا برس – موريتانيا. الصيف في المغرب ليس مجرد موسم حار، بل هو أيضًا موسم الأعراس بامتياز، حيث تتجلى التقاليد العريقة في أبهى صورها. فالأعراس المغربية ليست مجرد مناسبات اجتماعية، بل هي أيضًا احتفالات بالتراث الثقافي الغني. الرجال والنساء يزينون أنفسهم بالأزياء التقليدية مثل القفطان والجلباب، بينما تُعد هذه المناسبات فرصة لإبراز التراث الغذائي المغربي الزاخر.

تعود أصول العديد من الأطباق التي تُقدّم في حفلات الزفاف إلى قرون مضت، حيث نجد وصفات مثل الدجاج المشوي واللحم المشوي والبسطيلة والحلويات التقليدية موثقة في كتب الطبخ من عهد الدولة الموحدية التي حكمت المغرب وأجزاء من شمال أفريقيا والأندلس في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.

الدجاج المشوي

لا تكتمل أي حفلة زفاف مغربية دون “دجاج العرس” المشوي، الذي يُعتبر الطبق الرئيسي الأول بعد المقبلات. أصول هذا الطبق تعود إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر، حيث ذكرت وصفاته في أقدم كتب الطبخ المعروفة في الأندلس: كتاب الطبيخ في المغرب والأندلس في عصر الموحدين لابن رزين التجيبي الأندلسي.

تبدأ الوصفة بأخذ دجاجة كاملة ونظيفة، تُشق من صدرها قليلاً وتُفرك بالزيت وبهار “المري الناقي” والخل والبهارات مثل الكمون والزعفران والفلفل والقرنفل وورق الغار والقرفة والزنجبيل والملح. يُغطى الدجاج بالزيت والتتبيلة، ويُوضع في الفرن حتى ينضج تمامًا.

اللحم المشوي

يأتي في المرتبة الثانية على مائدة الزفاف المغربي التقليدية طبق اللحم، ويفضّل أن يكون لحم خروف مشوي. من أقدم الوصفات المسجلة لهذا الطبق نجد وصفة في كتاب فضالة الجوان في طيبات الطعام والألوان، وهو كتاب طهي من القرن الثالث عشر ألّفه العالم الأندلسي ابن رزين التجيبي، يوثق فيه فنون الطهي في عهد الموحدين بكل من المغرب والأندلس.

تحت عنوان بسيط “تحضير آخر”، تقول الوصفة: يُؤخذ لحم خروف مختار، يُنظف جيدًا ويوضع في طاجين من حديد. يُضاف إليه ماء، وملح، وزيت، وفلفل، وكزبرة يابسة، وقطعة بصل مفرومة، إلى جانب كمية من مرق المري حسب الرغبة.

يُوضع الطاجين على النار، وعندما يشارف اللحم على النضج، تنصح الوصفة بتعزيزه بالقليل من الزعفران المُذاب، وهو مكوّن أساسي لا يزال يُستخدم بكثرة في المطبخ المغربي حتى اليوم. بعد ذلك يُدخل إلى الفرن حتى ينضج تمامًا ويتحول لونه إلى البني. وتختم الوصفة بعبارة: “فإذا نضج، أُخرج ودُع حتى يسكن حرّه. جعله الله هنيئًا مريئًا إن شاء الله”.

لكن بالنسبة للكثير من عشّاق الطعام، لا تكفي قطع اللحم وحدها. إذ يفضّل البعض تكريم ضيوفهم بخروف مشوي كامل، ويتضمن فضالة الجوان وصفة لذلك أيضًا. تبدأ الوصفة بـ: “يُؤخذ خروف مسلوخ، دون فتح جوفه. تُنظف الأحشاء جيدًا، وتُلَفّ بالشحم وتُغلف بالأمعاء الدقيقة”.

ثم تُحشى أحشاء الخروف داخل بطنه، ويُغطّى ويوضع في طاجين كبير مع مرقه، ويُسكب عليه مزيج من الماء والزيت. يُطهى في الفرن حتى ينضج تمامًا. وعند الانتهاء، يُقدم الخروف كاملًا على المائدة، حسب ما تذكره الوصفة.

كعب الغزال

بعد هذه الوليمـة الدسمة، يحين وقت الحلوى. وفي حفلات الزفاف المغربية، يُعتبر كعب الغزال من الحلويات الأساسية. وغالبًا ما يُلقب بملك الحلويات المغربية، ويُقدّم عادة مع الشاي بالنعناع. لكن هذا الحلو لم يكن دائمًا يحمل شكل القرن الذي نعرفه اليوم.

في فضالة الجوان، تبدأ وصفة كعب الغزال بترطيب الدقيق بقليل من الزيت، ثم يُعجن بماء ساخن مذاب فيه الملح، حتى تتكوّن عجينة متماسكة وناعمة. يُخلط بالعجين اليانسون المطحون، والأفسنتين، والفلفل، والزنجبيل.

وفي وعاء آخر، يدق اللوز الحلو والسكر حتى يتحولا إلى عجينة ناعمة، ثم تُخلط بماء الورد لتشكيل الحشوة. وتقول الوصفة: “تُعجن هذه الحشوة حتى تمتزج جيدًا مع الزيت، وتُشكّل منها لفائف رقيقة قدر الإمكان”. يُفرد العجين، وتوضع فيه الحشوة، وتُغلق الأطراف وتُلفّ يدويًا على شكل خيوط تشبه كعك، لكنها تبقى ممدودة وليست مستديرة، كما يُشدد الكاتب.

تُوضع هذه الخيوط في صينية وتُقسم إلى أجزاء متساوية، ثم تُخبز كما هي. “بعد الخَبز، تُفصل وتُقدّم عند التقديم. وهذه الوصفة تُعتبر من الأنواع الرفيعة والأنيقة”، يضيف الكتاب، مشيرًا إلى أن بعض الذواقة يضيفون مسحوق الصنوبر إلى الحشوة، بل ويضعون حبة صنوبر مقشرة داخل كل قطعة.

البسطيلة

طبق آخر من أساسيات حفلات الزفاف المغربية هو البسطيلة. ورغم أن وصفة هذا الطبق لا تُذكر بالاسم في كتب الطبخ من عصر الموحدين، فإن كتاب ابن رزين من القرن الثالث عشر يتضمن وصفة لحشوة تشبه إلى حد كبير الوصفة الحديثة للبسطيلة.

تتكون هذه الحشوة من الحمام، والقرفة، واللوز، والزعفران، والبصل، والبيض، ويتم طهيها على مرحلتين: أولًا في قدر، ثم تُخبز في الفرن حتى تكتمل. عندما تتم دعوتك إلى زفاف مغربي، تذكّر أن الأطباق التي تُقدَّم لك، مثلها مثل الأزياء والعادات، تأخذك في رحلة عميقة عبر التاريخ.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس