أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. في تقاليد الموريتانيين نماذج مختلفة من استقبال الشهر الكريم، وفي النظام الغذائي بالذات تميزت المائدة الموريتانية بالبساطة والتلقائية قبل غزو الموائد الشرقية والمغربية للثقافة الموريتانية.
في العادة كانت مائدة الإفطار تتكون من اللبن الحليب أو الرائب، وأحيانا مسحوق اللبن الذي يصنع محليا من خلال سكب اللبن الرائب على الأرض وتركه لمدة زمنية حتى ييبس ثم يجعل في أكياس ليستخدم في إعداد “الزريق” وهو مزيج من الماء واللبن، وتمثل عملية السكب هذه أولى مراحل الادخار الغذائي في الصحراء، التي تسهم في إطالة مدة استخدام اللبن والاستفادة منه قبل انفتاح موريتانيا على مسحوق اللبن المستورد.
“تَجْمخْت” وهي مادة مسحوقة مستخلصة من شجر “التيدوم” أو التبلدي و تسمى ب: Adansonia digitata، تنتمي إلى عائلة Malvaceae، وتنتشر بكثرة في بلاد الصحراء، كما أنها متوفرة في السودان خاصة المناطق الغربية منه، كشمال كردفان، وجنوبها، وجزء من ولايات دارفور، ويُطلق عليها إلى جانب (التبلدي)، اسم (القنقليز). وشجرة “التيدوم” هذه فيها منافع كثيرة في الثقافة الموريتانية الناطقة باللغة العربية، فهي بحر موسيقي، وأحد “الأشوار” الغنائية الشعبية، ورمز للثبات والبقاء والاصلة في الثقافة الموريتانية.
وتحافظ المائدة الموريتانية بشكل لافت على مشروب “بِصابْ” الذي هو أوراق شجر “الكركدية” يتم تسخينها مع الماء وتترك مدة ثم يتم عزلها بعد لك، وتقديمها كعصير يُقبل عليه الموريتانيين بشغف، وتكاد لا تخلو منه السفرة في هذا الشهر، كما لا تخلو منه شوارع العاصمة طيلة السنة، إذ يتم تبريده ويباع في قنينات يشربه الماردة طردا للفح الصحراء وحرارتها المعتادة.
كما يمثل “أطاجين” كوجبة مغاربية جزء مهما من المائدة، إلى جانب الشاي، والتمر.
وفي الآونة الأخيرة وبعد الانفتاح على عالم الإعلام، سلكت المائدة الموريتانية مسالك كثيرة وتنوعت، بغرائب ما كان لها في الثقافة الموريتانية وجود، وأصبح التكلف في الوافد – حسب الخبيرة الغذائية أم كلثوم بنت الفاضل – السمة البارزة للحياة الغذائية للموريتانيين في هذا الشهر الكريم. فوردت أسماء جديدة من قبيل “لحريرة” و”البطبوط” والمقبلات، وأنواع المخبوزات المختلفة، وهو ما تعتبره أم كلثوم في تصريح لـ”أفريقيا برس”؛ دخيلا على الثقافة الموريتانية وليس عملية تطوير أو انفتاح إيجابي على العالم، لأنه قد يؤدي إلى نسيان أصالة المائدة الموريتانية والتنكر لها.
وحول فقر الموائد الموريتانية قالت أم كلثوم إن البساطة ترتبط دائما بالصحة، وأن الغذاء المميز هو الغذاء الصحي الغني، ولا يشترط فيه أن يكون متنوعا.
الطبيب والأخصائي بتار ولد المهدي يقول إن الصيام فرصة لتنقية الجسم وصحته، وهو صيانة للجسم الذي تعوَّد على نظام غذائي غير منظم، مما يجعل الصيام عملية تنظيم وضبط، وصيانة للأجهزة المختلفة النشطة في الجسم.
ويرى ابتار إن هذا الشهر يتيح فرصة لتخلص من الأغذية غير الصحية كالأغذية الغنية بالسكريات، وغيرها، كما يتيح التقليل من التدخين، أو التخلص منه نهائيا بالنسبة لأصحاب العزم الحريصين على صحتهم.
وقال ولد المهدي إن مراعاة النظام الصحي والإكثار من الرياضة، وشرب السوائل، والعصائر الطبيعية والنشويات، والسكريات من خلال التمور، مع مراعاة التوسط في ذلك وعدم الإسراف فيه كفيل ببناء جسم صحي، ونظام غذائي واعٍ.
ومما يلاحظ اليوم –يضيف الدكتور بتار- هو الإكثار من العصائر غير الطبيعية والإسراف في المأكولات والأخلاط التي لا تراعى فيها الأبعاد الصحية، مع تقارب الأغذية وعدم تباعدها، وكذلك عدم التركيز على وجبة السحور التي هي أهم شيء في عملية الصوم، وأشار إلى أن الشبع خطير على الإنسان وغير محبوب في خلق نظام صحي طبيعي.
وقال ولد المهدي إن النظام التقليدي البسيط المعتمد على التمر والماء والنشا يمثل وعيا سابقا لأوانه بحقيقة الصحة الغذائية لدى الموريتانيين قديما، لكن الدكتور بتار يشير إلى أننا تقليديا كنا نعتمد على “تجمخت” و”بصام” وهاتين المادتين حمضيتين نسبيا، تحتاج صناعة المشروبات بها إلى قدر كبير من السكر، مما يثقل الجسم بهذه المادة التي قد تضر الجسم وتؤثر عليه سلبا.
الزوينه بنت معلوم الناشطة في العمل الخيري ورئيسة جميعة جذور العطاء تقول لـ”أفريقيا برس”، إن النشاط الأبرز خلال الشهر الكريم يمثل العمل الخيري، سواء في المناطق الأكثر فقرا وهشاشة أو المناطق المتوسطة من أحياء العاصمة، ولا تخطأ العين – تقول الزوينه- مناظر الخيم التي تبنى على الطريق لإفطار الصائمين، وخاصة على مشارف الأسواق الكبيرة، والأسواق الشعبية داخل العاصمة والمدن الكبرى في البلاد، وأشارت الزوينه إلى جمعيتها (جذور العطاء)، تستقبل الشهر بالاستعداد الداخلي من خلال تهيئة أعضاء المكتب والمنتسبين ثم بتجهيز رسائل للخيرين، وفي الغالب توجه الرسائل لصالح مرضى الفشل الكلوي وأحيانا لغيرهم من المرضى، وتشير الزوينه إلى أن الجمعية الآن لديها تدخل في كثير من الولايات ونظرا للانتشار، وتوسع مجهودات الجمعية وتعدد أنشطتها وتنوعها، بدأنا نعطي الأولوية ونركز أكثر على مرضى الفشل الكلوي.
وتضيف الزوينه: خطتنا الرمضانية تتكون من جزئين بعضها يتعلق بالسلات الغذائية وكذلك السقاية ونستهدف دائما المرضى سواء في العاصمة أو الداخل وما يميزنا هذه السنة أننا خصصناها لولاية لبراكنة دون غيرها من الولايات الأخرى.
تقول الزوينة إن الأنشطة المرتبطة بالسللات الغذائية والتبرع، خاص بالمرحلة الأولى التي تنطلق مع بداية الشهر الكريم، أما المرحلة الثانية فتبدأ مع العشر الوسطى من شهر رمضان المبارك حيث نبدؤها- تقول الزوينة- بالتجهيز لكسوة الفطر، ونستهدف غالبا مرضى الفشل الكلوي.
ويقول محمد نوح ولد الراجل لـ”أفريقيا برس”، إن الرياضة الليلية أصبحت جزء من الأنشطة التي يمارسها الموريتانيون على نطاق واسع طيلة شهر رمضان الكريم، وهي إلى جانب دورها الصحي في حياة الفرد، فإنها تمثل أيضا ملتقى للأصدقاء والمعارف القديمة وبعث صلاة جديدة بين أبناء الحي الواحد أو الأحياء المختلفة، ويشير محمد نوح إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على العاصمة انواكشوط وإنما تطال أغلب المدن الكبرى في الداخل الموريتاني.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس