أفريقيا برس – موريتانيا. تخطو موريتانيا بثبات، وفقاً لما تؤكده استقراءات المتخصصين، نحو مستقبل واعد في قطاع الطاقة، مع اقترابها من دخول عصر إنتاج الغاز الطبيعي، الذي يُتوقع أن يعزز اقتصادها، وأن يوفر لها فرصًا استثمارية غير مسبوقة.
وفي ظل اكتشافات الغاز الكبيرة في الساحل الأطلسي على الحدود البحرية الموريتانية السنغالية، واهتمام الشركات العالمية بالاستثمار في هذا القطاع، تضع نواكشوط خططًا طموحة لتحويل البلاد إلى مركز إقليمي للطاقة في غرب إفريقيا.
لكن هذا التحول لا يخلو من تحديات، أبرزها البنية التحتية، والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى ضرورة تحقيق التوازن بين الاستفادة الاقتصادية والاستدامة البيئية.
ورغم ذلك، فإن التوقعات الإيجابية والتوجه الحكومي الداعم للإصلاحات الاقتصادية تعزز الآمال في أن تصبح موريتانيا لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة الإفريقية خلال السنوات المقبلة.
وفي هذا السياق، أعلنت شركة كوسموس إنيرجي، أمس، عن بدء إنتاج أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال ضمن المرحلة الأولى من مشروع «السلحفاة/ أحميم»، الذي يقع قبالة سواحل موريتانيا والسنغال والذي تديره شركة «بي بي» البريطانية.
ووفقًا لبيان الشركة، فقد بدأ الغاز المستخرج من المشروع، في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2024، بالتدفق من الآبار إلى وحدة الإنتاج والتخزين والتفريغ العائمة، حيث سيخضع لعمليات المعالجة والتنقية قبل ضخه إلى سفينة التسييل العائمة، ليتوجه بعد ذلك إلى التصدير. وأكدت كوسموس إنيرجي أنها ستبدأ في إدراج إنتاج الغاز ضمن نتائجها المالية الفصلية، بينما أعلنت شركة «بي بي»، عن وصول سفينة الشحن التي ستنقل أول دفعة من الغاز الطبيعي المسال خلال الأسابيع المقبلة، مما يمثل انطلاقة فعلية لعمليات التصدير وبدء تحقيق الإيرادات المالية للمشروع.
وفي هذا الصدد، أشاد أندرو إنغليس، الرئيس التنفيذي لشركة كوسموس إنيرجي، بهذا التطور، واصفًا هذا الحدث بأنه «خطوة مفصلية» للشركة ولشركائها في مشروع السلحفاة، وللحكومتين الموريتانية والسنغالية. وشدد رئيس كوسموس على أهمية تسريع وتيرة الإنتاج لضمان تسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال في أقرب وقت ممكن.
ومن خلال هذه التطورات، ومع بدء تدفق الغاز من مشروع «السلحفاة الكبير آحميم»، وهو حقل ضخم للغاز الطبيعي المسال يقع قبالة سواحل موريتانيا والسنغال، تتعزز طموحات موريتانيا في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة في إفريقيا.
وستحقق موريتانيا التي هي إحدى أفقر بلدان العالم، قفزة نوعية، عبر تحول اقتصادها الذي ظل معتمدًا بشكل كبير على الزراعة، نحو استغلال احتياطيات الغاز الوفيرة في تسريع نموها الاقتصادي. ومن المتوقع أن تبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية لمشروع «آحميم» للغاز، 2.3 مليون طن، ويُعد مشروع «آحميم» مشروعًا استراتيجيًا لكل من موريتانيا والسنغال، حيث يُتوقع أن يستمر إنتاجه لثلاثة عقود على الأقل.
ويُدار المشروع بالشراكة بين «بي بي» البريطانية، وشركة كوسموس الأمريكية، وشركات الطاقة الوطنية في موريتانيا والسنغال، مما يجعله مشروعًا محوريًا في إعادة تشكيل سوق الطاقة العالمي وتنويع مصادر تصدير الغاز، إلى جانب دعم قطاع الطاقة محليًا.
وتعوّل الحكومة الموريتانية على مشروع «آحميم» للغاز، في تحقيق نمو اقتصادي متميز في 2025، وسط تراجع في أنشطة استخراجية أخرى. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تسجل موريتانيا معدل نمو بنسبة 4.2% نهاية العام الجاري، وهو معدل قريب من المعدل المسجل العام الماضي والبالغ 4.6%، وذلك بالرغم من الانخفاض الحاد في إنتاج الذهب بنسبة 23.5% مع اقتراب بعض المناجم من نهاية دورة إنتاجها، إضافةً إلى التراجع المتوقع في إنتاج خام الحديد، الذي ظل لفترة طويلة ركيزة الاقتصاد الموريتاني.
ولتجاوز هذه التحديات، تكثف الحكومة جهودها لجذب المستثمرين إلى قطاعي النفط والغاز، حيث تسعى لاستغلال حقول غاز أصغر حجمًا بينها حقل «باندا»، الذي تم اكتشافه قبل أكثر من عقدين لكن عقد تطويره وإنتاجه لم يوقع إلا منتصف العام الماضي، مع تخصيص هذا الحقل لتوليد الكهرباء للاستهلاك المحلي.
ورغم هذه التحديات، يبدو أن المستثمرين مرتاحون بشكل عام للنهج الذي تتبعه الحكومة الموريتانية في استقطاب رؤوس الأموال.
فقد كثّف المسؤولون، وعلى رأسهم وزير النفط الموريتاني محمد ولد خالد، مشاركاتهم في مؤتمرات الطاقة العالمية، مؤكدين أن موريتانيا قامت بإصلاحات قانونية لتعزيز جاذبية الاستثمار، بما في ذلك تقديم إعفاءات ضريبية وتحسين الضمانات القانونية للمستثمرين الأجانب.
وأكد وزير الطاقة الموريتاني، محمد ولد خالد، أن «الإصلاحات التي استحثتها الحكومة الموريتانية، تهدف إلى تحويل موريتانيا إلى مركز إقليمي للطاقة في إفريقيا، لا سيما في مجالات الطاقات المتجددة والغاز الطبيعي، من خلال توفير بيئة أكثر أمانًا وجاذبية للاستثمارات الأجنبية».
والآن، تتطلع موريتانيا إلى تفادي الأخطاء السابقة التي حرمتها من الاستفادة من فرص طاقوية هامة، في ضمان نجاحها في استغلال احتياطاتها من الغاز لتصبح لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة الإفريقية والدولية.
ورغم الإمكانيات الواعدة في مجال الغاز، فإن المراقبين يتحدثون عن تحديات كبيرة تواجهها حكومتا موريتانيا والسنغال المشتركتان في مشروع الغاز، بينها إخضاع تكاليف تطوير المشروع لمراجعات وتدقيقات مالية بالغة الصعوبة، بهدف تحسين شروط التعاقد مع شركتي «بي بي» و»كوسموس»، كما أن من بينها ما يتهدد العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والسنغال من توترات خفية، بسبب أحداث وصدامات سابقة.
وبالإضافة إلى ذلك، أبدى المراقبون مخاوف بشأن تأثير السياسات الأمريكية على الاستثمارات المحتملة في مجال الطاقة، إذ إن فوز دونالد ترامب في الانتخابات قد يُعيد تركيز الاستثمارات الأمريكية على مشاريع الطاقة المحلية بدلاً من المشاريع الخارجية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس