أفريقيا برس – موريتانيا. بينما تسعى الحكومة الموريتانية جاهدة للتغلب على أزمة انقطاع الماء والكهرباء عن بعض أحياء العاصمة نواكشوط، وفيما يوجد نصف أعضاء الحكومة في عطلتهم السنوية، تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة للنظام من قبل أحزاب المعارضة ومدونين غاضبين، في مشهد يختزل تناقضًا لافتًا بين ما ترى المعارضة أنه «واقع مرير يعيشه المواطن» وخطاب السلطة الذي يصور واقعًا آخر ويعرض نجاحات أخرى تحققت في تهيئة الخدمات الضرورية بشكل متقن ومستمر.
ورغم تصاعد الانتقادات من المعارضة والمدونين، يرى مراقبون أن أزمة الماء والكهرباء ليست وليدة اليوم، بل تمثل امتدادًا لأعطاب بنيوية تراكمت على مدى سنوات، ما جعل الحكومة الحالية تجد نفسها في مواجهة «تركة ثقيلة» من الإهمال والتخبط في التخطيط الخدمي.
فمنذ وصوله إلى الحكم، واجه نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تحديات كبيرة في قطاع الخدمات الأساسية، واضطر إلى الموازنة بين إصلاح الواقع الموروث، وتأمين الحد الأدنى من احتياجات المواطنين اليومية، وهو ما لا يبدو ممكنًا دومًا في ظل هشاشة البنى التحتية وارتفاع الضغط الديمغرافي في العاصمة. ومع ذلك، يحمّل خصوم النظام الحكومة مسؤولية ضعف الاستباق وغياب المعالجات الطارئة، خصوصًا في ظل علمها المسبق بتكرار ظاهرة الطمي وضعف الشبكات القائمة.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الدوائر الرسمية عن حصيلة مُرضية في ختام السنة الأولى من الولاية الثانية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يرى خصوم النظام أن الواقع الخدمي المأزوم يكشف عن فشل واضح في إدارة أبسط الملفات المرتبطة بحياة الناس اليومية.
وفي ذروة أزمة الماء والكهرباء التي تعيشها العاصمة نواكشوط منذ أسابيع، أطلق حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل»، أبرز تشكيلات المعارضة الموريتانية، وزعيم مؤسستها الديمقراطية، بيانًا ناريًا حمّل فيه النظام الحاكم مسؤولية ما وصفه بـ«الإهمال والتقصير الحكومي الخطير»، واصفًا الوضع الحالي بـ»الانحدار المهين في الحد الأدنى من الخدمات الأساسية التي تضمن كرامة المواطن».
وفي لهجة غير معتادة في الخطاب السياسي المعارض منذ بداية الولاية الثانية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، رسم بيان حزب «تواصل» صورة قاتمة عن واقع الحياة اليومية في العاصمة، قائلًا إن «واجهة نواكشوط السياسية تغرق في ظلام دامس، بينما يلهث الناس خلف سراب ماء لا يُدرك».
ووصف البيان التبريرات الرسمية لأزمة الماء التي تتحدث عن وجود الطمي الموسمي في النهر بأنها «تبريرات واهية ومكررة»، مشيرًا إلى أن الطمي ظاهرة متكررة ومعروفة، «ولا ينبغي أن تُستخدم كشماعة لتبرير الإخفاق في التحضير والاستجابة».
ولم يكتف حزب «تواصل» بإدانة ما وصفه بالتقصير الحكومي، بل طرح جملة من المطالب والإجراءات التي يعتبرها ضرورية لتجاوز الأزمة ووضع حد لمعاناة المواطنين.
ودعا الحزب إلى «فتح تحقيق جدي وشفاف للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة»، مطالبًا «بأن يشمل التحقيق محاسبة كل من يثبت تقصيره أو تهاونه في أداء مسؤولياته، سواء على المستوى الفني أو الإداري».
كما شدّد البيان على «ضرورة إيجاد حلول فورية وعملية لتزويد الأحياء المتضررة في العاصمة بالماء، لا سيما تلك الواقعة في أطراف المدينة والتي تقطنها فئات هشة تعاني الفقر والتهميش»، مشيرًا إلى «أن هذه المناطق تتحمل العبء الأكبر في أوقات الأزمات، وتظل دائمًا الحلقة الأضعف في معادلة الخدمات».
وفي جانب آخر، أكد حزب «تواصل» المحسوب على الإخوان، على «أهمية الانتقال من المعالجات المؤقتة إلى حلول جذرية ومستدامة، تكفل تأمين خدمات الماء والكهرباء بشكل دائم، وتحدّ من تكرار مثل هذه الأزمات الموسمية، التي أضحت تُثقل كاهل المواطن، وتنعكس بشكل مباشر على حياته اليومية وأمنه الصحي والاجتماعي».
وفي المحصلة، اعتبر «تواصل» في بيانه «أن التعامل مع هذه الأزمات ينبغي أن يتم ضمن رؤية شاملة لإصلاح قطاع الخدمات العمومية، تضمن الشفافية، والكفاءة، والمسؤولية، وتضع المواطن وكرامته في صلب أولويات السياسات الحكومية».
وأبرز ما أثار تفاعل المدونين والمراقبين في بيان الحزب المعارض هو ربطه بين الاحتفالات الرسمية بمرور عام على المأمورية الثانية، ومعاناة المواطنين اليومية، حيث جاء في البيان «في الوقت الذي تنشغل فيه السلطة بتنظيم مهرجانات كرنفالية للاحتفاء بإنجازات مأمورية لا يشعر بها المواطن، يجوب مئات النساء والأطفال شوارع العاصمة بحثًا عن شربة ماء أصبحت أغلى من الخبز نفسه.»
هذا المقطع، الذي تداوله مدونون معارضون بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبره خصوم النظام «ضربة رمزية قوية»، توظّف التناقض بين الخطاب الاحتفالي الرسمي وواقع الفقر المائي والكهربائي الذي يعيشه المواطن العادي.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق عدد من المدونين وسومًا تطالب بإقالة القائمين على شركتي الماء والكهرباء، وسط اتهامات بفشل التخطيط وغياب الرقابة الحكومية.
وبرزت منشورات ساخطة تنتقد ما اعتُبر تناقضًا بين الخطاب الرسمي الوردي والواقع المعيشي اليومي القاسي، في وقت يتحدث فيه الإعلام الحكومي عن «الإنجازات الكبرى» في مجال البنى التحتية والخدمات.
ويرى مراقبون لهذا الشأن «أن الأزمة الحالية قد تكون بداية تآكل حقيقي في رصيد الثقة بين الشارع والسلطة، خاصة إذا ما استمر تجاهل المطالب العاجلة، وتواصل غياب أي خطاب رسمي يلامس حجم الغضب المتصاعد.
ويخشى البعض أن تتحول هذه الأزمات المعيشية إلى أرضية صلبة لإعادة تعبئة المعارضة، وتوسيع هوة الانقسام السياسي في البلاد.
وفي نهاية المطاف، تبدو الرسالة التي تضمنها بيان زعيم المعارضة الموريتانية ورئيس حزب «تواصل» واضحة: فالخدمات الأساسية لم تعد رفاهية يمكن التهاون بشأنها، بل حق يومي ومؤشر مباشر على صدقية أي مشروع إصلاحي أو خطاب سياسي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس