أفريقيا برس – موريتانيا. في ظل سعيها لتنويع مصادر دخلها وتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية، أكدت الحكومة الموريتانية «أنها تتجه بخطى واثقة نحو إصلاح عميق وشامل لقطاع الصيد البحري، أحد أعمدة اقتصادها الحيوية.
وجاء اعتماد الحكومة أمس لمرسوم جديد يقضي بتوسيع صلاحيات الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك ليعكس تحوّلاً استراتيجياً في رؤية الدولة الموريتانية لهذا القطاع، إذ لم تعد الأولوية تُمنح فقط للكمية المصدّرة من الموارد البحرية، بل للقيمة المضافة وجودة المنتجات وتوافقها مع معايير الاستهلاك العالمية.
وفي وقت تتزايد فيه متطلبات السوق العالمية، وتشتد المنافسة على شهادات الاستدامة والشفافية، تسعى نواكشوط إلى خلق صناعة سمكية متطورة، لا تكتفي بالاستخراج والتسويق التقليدي، بل تُدخل التصنيع والمعالجة والتثمين في صلب العملية الإنتاجية.
ويقترح المرسوم الذي أقرته الحكومة من بين أمور أخرى، توسيع مجال تدخل الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك ليشمل كافة المنتجات البحرية ومشتقاتها، وترقية وتثمين منتجات الصيد الموريتانية من أجل الحصول على علامات متميزة معترف بها دولياً.كما يهدف المرسوم إلى دعم تنمية قطاع الصيد التقليدي من أجل دمج أفضل لهذا القطاع في الاقتصاد الوطني ووضع آليات وأدوات موثوقة تجمع المعلومات التجارية بشكل يمكن من متابعة فعالة للأسواق الوطنية والإقليمية والدولية لمنتجات الأسماك.
وتأسست الشركة الموريتانية للأسماك في عام 1984 كهيئة حكومية، وتشرف حالياً على تصدير الأسماك المجمدة، وتساهم بنحو 600 مليون دولار سنوياً من العائدات ويمتلكها الدولة بنسبة 70% تقريباً.
وقد شهد قطاع الصيد الموريتاني تحوّلات مهمة، أبرزها عقد ورش عمل لنقل الشركة الموريتانية للأسماك من مجرد مكتب لتصريف المنتجات الخام فقط، إلى مؤسسة تستثمر في عمليات الإنتاج ذات القيمة المضافة.
لكن التحديات بقيت حاضرة، خاصة على مستوى قطاع الصيد التقليدي، الذي يعاني من بعض الاحتقان ومن تظاهرات تشهدها من حين لآخر مدينة نواذيبو عاصمة الصيد الموريتانية، حيث عبر الصيادون التقليديون مرات عدة عن امتعاضهم من فرض بروتوكولات تنظيمية مثل أجهزة التتبع على قواربهم دون معالجة عادلة للأثر الاقتصادي. ويمثل قطاع الصيد البحري نحو 20% من الإيرادات الحكومية، ويُشغّل أكثر من 40,000 عامل، ما يؤكد أهميته الاقتصادية والاجتماعية.
لكن جزءاً كبيراً من الإنتاج يُرحّل خارج موريتانيا دون تصنيعه محلياً، ما يقلل الأرباح المحتملة ويُضعف خلق فرص عمل محلية.
من هذا المنطلق، يأتي المرسوم الذي أقرته الحكومة أمس، ليتماشى مع التوجهات الرامية إلى تنويع الصادرات الوطنية، وتعزيز التنافسية عبر تطوير منتجات سمكية قابلة للبيع بأسعار أعلى، وبمواصفات صحية عالمية.
ويرمي المرسوم إلى إطلاق دينامية جديدة في صناعة الصيد الموريتانية، عبر دعم التثمين المحلي واستقلالية الصيادين الحرفيين، وتوفير بيانات دقيقة عن السوق يُعتمد عليها للتخطيط الاستراتيجي. ومن المتوقع أن يسهم في تعزيز قدرة موريتانيا على حجز مكانة راقية ضمن الأسواق العالمية لمشتقات الأسماك، ضمن بيئة مستدامة ومحفزة للاستثمار المحلي والأجنبي. ويؤكد مراقبو هذا الشأن «أن المرسوم الجديد يعتبر خطوة مهمة نحو منهجية التحول من اقتصاد التصدير التقليدي إلى اقتصاد منتج للخدمة والقيمة؛ لكن يبقى التنفيذ والتفاعل مع قطاع الصيد التقليدي مفتاح النجاح الفعلي لهذه السياسة، وضمان انخراط الجميع في الاستفادة وتجنب الاحتجاجات المستمرة».
ويندرج هذا المرسوم ضمن برنامج الحكومة لسنة 2025، الذي عرضه الوزير الأول المختار ولد أجاي، على البرلمان أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، وأكد فيه «أن الحكومة تولي عناية خاصة لثروات البلاد البحرية، إدراكًا منها لمساهمتها الحيوية في الأمن الغذائي، وخلق القيمة المضافة، وتوفير فرص العمل، وتحسين المؤشرات الاقتصادية الكبرى».
وأوضح الوزير الأول «أن جهود الحكومة منصبة على تعزيز الإطار الاستراتيجي الناظم لقطاع الصيد وتحسين الحوكمة، حيث تم إطلاق برنامج لتقييم الاستراتيجيات القطاعية، إلى جانب مراجعة مدونة الصيد البحري والمدونة البحرية التجارية، والشروع في مسح شامل للعمالة في القطاع بهدف تحديد فرص التشغيل».
كما شملت التدابير، وفقاً للوزير الأول، مراجعة اتفاقيات الصيد البحري القائمة، وإعداد دراسات حول الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي لخطط تسيير بعض المصايد، بما في ذلك مصايد الأسماك السطحية والأخطبوط. وتمت مراجعة النصوص المؤطرة لنظام الامتيازات وتحسين آليات منح الحصص.
وأشار الوزير الأول إلى جهود بذلتها حكومته في مجال الرقابة البحرية، حيث تم تعزيز القدرات بمعدات متطورة، من زوارق سريعة وطائرات دون طيار ورادارات، مع بناء رصيف خاص لسفن المراقبة، وإنشاء قطاع جنوبي جديد للرقابة.
وفي إطار دعم المؤسسات العمومية العاملة في مجال الصيد، تحدث الوزير الأول عن خطة لإعادة هيكلة الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك والشركة الموريتانية لصناعة السفن، فضلًا عن تعزيز قدرات الشركة الوطنية لتوزيع الأسماك، ما مكّن من رفع الكميات اليومية الموزعة وزيادة أيام التوزيع، بالإضافة إلى دعم تموين السوق المحلي بالسمك الطازج وتشكيل مخزون استراتيجي.
ولم تنشغل الحكومة، بحسب ما أكده الوزير الأول، عن قطاع الصيد القاري واستزراع الأسماك، إذ تم تفعيل الوكالة المعنية به، وإنجاز مزارع تجريبية جنوب موريتانيا، وبالتحديد في كيهيدي وبوكي، مع إعادة تأهيل مزرعة باخاو، إلى جانب دعم إنشاء مزارع سمكية في مناطق تقليدية؛ كما أُطلقت دراسات لبناء نقاط تفريغ ومحطات استزراع في عدة مناطق، تأكيدًا على التوجه نحو شمولية التنمية السمكية في البلاد.
ولفت ولد أجاي إلى أن هذه الجهود تتعزز بتطوير البنية التحتية البحرية، وتفعيل الوكالة الموريتانية للشؤون البحرية، واعتماد اتفاقيات جديدة تحسّن أوضاع البحارة، سواء من حيث الأجور أو شروط العمل، في أفق ترقية المهن البحرية وتحديث إدارة هذا المورد الوطني الاستراتيجي.
هذا وبلغ حجم المصطادات الموريتانية بجميع أنواعها في سنة 2024، أكثر من 338 ألف طن، مسجّلةً زيادة بنسبة 9% مقارنة بالعام 2023، بينما تجاوزت المبيعات 703 ملايين دولار، بزيادة بلغت 20% عن السنة التي سبقتها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس