أفريقيا برس – موريتانيا. تدخل موريتانيا مرحلة جديدة في تاريخها الطاقوي مع إطلاق مشروع محطة كهربائية هجينة تجمع بين الطاقة الشمسية والهوائية ونظام تخزين متطور بالبطاريات، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز استقلالية البلاد في الكهرباء وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وليس هذا المشروع مجرد استثمار تقني، بل هو إعلان عن طموح وطني موريتاني لقيادة التحول الطاقوي في غرب إفريقيا، يستفيد من ثروات البلاد الطبيعية من الشمس والرياح، ممهداً لعصر من الطاقة النظيفة والمستدامة التي توفر للمواطنين كهرباء أكثر استقراراً وكلفة أقل، مع مساهمة ملموسة في التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
وتخطو موريتانيا خطوة جريئة نحو المستقبل من خلال إطلاق مشروع هو الأول من نوعه في البلاد: محطة كهربائية هجينة تعمل بالطاقة الشمسية والهوائية مع نظام تخزين متطور بالبطاريات، بتمويل يناهز 300 مليون دولار.
ويرمز هذا المشروع إلى تحول استراتيجي في مقاربة الدولة لقطاع الطاقة، حيث تسعى إلى التحرر تدريجياً من الاعتماد على الوقود الأحفوري والاستفادة من ثرواتها الطبيعية الهائلة من الشمس والرياح. ومع اكتماله، سيكون بمقدور المحطة توفير طاقة أنظف وأكثر استقراراً، تمهد لعصر جديد من الكهرباء المستدامة في موريتانيا.
وأعلن في موريتانيا أمس عن البدء في بناء هذه المحطة الكهربائية الهجينة التي تعمل بالطاقة الشمسية والهوائية، بتمويل يناهز 300 مليون دولار، وذلك بناء على اتفاق بين الحكومة ممثلة بوزير الاقتصاد والمالية سيد أحمد ولد أبوه، ووزير الطاقة والنفط محمد ولد خالد، من جهة، وبين الشركة الموريتانية للكهرباء «صوملك» وشركة «إيوا غرين إنيرجي» المنفذة للمشروع من جهة أخرى.
وستشكل المحطة الجديدة، وفقاً لوزارة الطاقة الموريتانية، نقلة نوعية في البنية التحتية للطاقة، إذ ستجمع للمرة الأولى بين إنتاج الكهرباء من الشمس والرياح مع نظام تخزين ضخم بالبطاريات، بطاقة تصل إلى 370 ميغاوات/ساعة، وهو ما يضمن استمرارية الإمداد حتى في أوقات غياب الشمس أو ضعف الرياح. ووفق المعطيات المعلنة، فإن القدرة المركبة الإجمالية لهذه المحطة ستبلغ 220 ميغاوات، منها 160 من الطاقة الشمسية و60 من طاقة الرياح، مع قدرة مضمونة على توفير ما لا يقل عن 60 ميغاوات يومياً يمكن أن تصل إلى 100 حسب الظروف.
وما يميز هذه الصفقة ليس فقط الجانب الفني، بل أيضاً صيغتها القانونية والمالية.
فقد تم توقيع عقد شراكة بين القطاعين العام والخاص يتيح للشريك الخاص تمويل وبناء وتشغيل المشروع طيلة خمسة عشر عاماً، بينما تلتزم الشركة الموريتانية للكهرباء «صوملك»، بشراء الكهرباء المنتجة من خلال عقد شراء طويل الأجل.
ويفتح هذا النموذج الباب أمام استثمارات القطاع الخاص في البنية التحتية الوطنية دون أن تضطر الدولة للجوء للقروض أو تحمل أعباء مالية إضافية، في وقت تحتاج فيه البلاد بشدة إلى تعزيز خدماتها الأساسية.
ومن الناحية العملية، يُتوقع أن تنتهي أشغال البناء خلال اثني عشر شهراً، أي أن أولى الكيلوات المنتجة من هذه المحطة قد تُضخ في الشبكة الوطنية بحلول أيلول/سبتمبر 2026. وسيكون لهذا المشروع، حسب وزارة الطاقة الموريتانية، أثر مباشر على استقرار الشبكة الوطنية للكهرباء، التي تعاني منذ سنوات من الانقطاعات المتكررة والتقلبات المرتبطة بارتفاع الطلب أو ضعف الإنتاج.
وتتجاوز أهمية المشروع المسألة التقنية لتلامس الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. فإلى جانب توفير طاقة أنظف وأرخص نسبياً، سيقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، بما يعنيه ذلك من خفض فاتورة الطاقة الوطنية وتخفيف الضغط على الميزانية العامة؛ كما أنه سيخلق فرص عمل أثناء مرحلتي البناء والتشغيل، ويفتح المجال أمام تكوين جيل جديد من الفنيين والمهندسين الموريتانيين في مجالات الطاقات المتجددة وتخزين الكهرباء.
وفي السياق الأوسع، يأتي هذا المشروع ضمن سياسة حكومية ترمي إلى رفع حصة الطاقات المتجددة في المزيج الوطني لتصل إلى 70% بحلول عام 2030، مع ضمان وصول الكهرباء إلى كافة المواطنين.
وتبدو موريتانيا، التي تمتلك واحداً من أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في العالم، إلى جانب إمكانات معتبرة من طاقة الرياح، في موقع مثالي لقيادة التحول الطاقي في غرب إفريقيا. المشاريع الكبرى مثل «أمان» للهيدروجين الأخضر تعكس هذه الطموحات، والمحطة الجديدة تبدو كخطوة عملية في هذا الاتجاه.
غير أن الطريق لن يكون خالياً من التحديات: فإدارة محطة هجينة بهذا الحجم مع نظام تخزين متطور يتطلب خبرات تقنية عالية وصيانة دقيقة، إضافة إلى ضرورة تطوير البنية التحتية لنقل وتوزيع الكهرباء لاستيعاب الكميات الجديدة وضمان وصولها للمستهلكين، كما أن مسألة استدامة البطاريات وتكلفتها البيئية والمالية تبقى مطروحة على المدى البعيد، خاصة في بلد ما زال في بداية مساره مع مثل هذه التقنيات.
رغم ذلك، فإن المشروع يمثل رهاناً استراتيجياً على المستقبل، وفرصة لإعادة تشكيل ملامح قطاع الطاقة في موريتانيا؛ فإذا نجح هذا البرنامج في التنفيذ والتشغيل وفق ما هو مخطط له، فقد يكون بمثابة نقطة تحول حقيقية، لا في توفير الكهرباء فقط، بل في تعزيز استقلالية البلاد الاقتصادية، وتقوية موقعها كلاعب ناشئ في مجال الطاقات النظيفة بالمنطقة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس