أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. قال الأمين التنفيذي لحزب التحالف الشعبي التقدمي، سمت ولد بلال، في تصريح لـ”أفريقيا برس”، إن الحملة التي ينظمها الحزب في نواكشوط ومدن الداخل تستهدف، إلى جانب التعبئة والتحسيس، إعادة تموقع الحزب بعد تراجع أدائه خلال الحملات الانتخابية الماضية.
وحول مغادرة الحزب للمعارضة والتحاقه بصفوف الموالاة الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ومدى تأثير ذلك، خصوصًا أن الحزب يُعد من أركان المعارضة التقليدية في البلاد، أوضح ولد بلال أن الحزب لم يغادر المعارضة، بل احتفظ بموقفه المعارض لبعض السياسات، وظل يُعبّر عن رأيه بجرأة، “ناقدًا أو مُساندًا”.
من جهة أخرى، شدد الأمين التنفيذي على أن الحوار السياسي المرتقب يجب أن يكون شفافًا وشاملًا، مؤكدًا ضرورة إعادة النظر في الأسس التي قامت عليها الجمهورية، بما يضمن التمثيل المتوازن لجميع الموريتانيين، مع مراعاة مقتضيات “الحكامة الاجتماعية والاقتصادية والتوزيع العادل للثروة”.
وكان حزب التحالف الشعبي التقدمي قد غادر صفوف المعارضة الموريتانية مع بداية حكم الرئيس ولد الغزواني، كأحد أبرز الداعمين لبرنامجه. ويُعد الحزب من التشكيلات السياسية التقليدية في البلاد، إلى جانب حزب التكتل برئاسة أحمد ولد داداه، وحزب اتحاد قوى التقدم بقيادة محمد ولد مولود.
يطلق الحزب حملة سياسية، حدثنا عن أهداف هذه الحملة والإطار الذي تندرج تحته، وهل ستفضي إلى عقد مؤتمر وطني مثلًا؟
هذه الحملة تندرج ضمن إطار حملة ثلاثية للعام 2024-2025 أعدها المجلس التنفيذي وصادق عليها المجلس الوطني. وتهدف إلى تفعيل الهياكل القاعدية المحلية والجهوية، وتتألف من خمس مكونات رئيسية:
1. التعبئة والتحسيس،
2. الانتساب والتنصيب،
3. التكوين والتأطير،
4. التهيئة للانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية،
5. تعزيز الخطاب السياسي للحزب في الخارطة الوطنية، بما ينسجم مع مقاربة الرئيس مسعود “موريتانيا أولًا”.
تهدف الخطة إلى إعادة تموقع الحزب، خصوصًا بعد تراجعه في الاستحقاقات الأخيرة، وهو تراجع ناتج عن عوامل داخلية وأخرى خارجية. نسعى من خلال هذه الحملة إلى تفعيل حضور الحزب كقوة سياسية رائدة ناضلت تاريخيًا من أجل الحقوق السياسية والاجتماعية والعدالة.
تشمل الحملة جميع أنحاء التراب الوطني، وقد انطلقت البعثات في 15 من الشهر الجاري، وهي الآن تعمل ميدانيًا في الداخل الموريتاني، وتشير الأخبار الواردة إلينا إلى وجود تجاوب إيجابي مع برنامج الحزب وخطته السياسية.
ما هي رؤية الحزب للحوار الوطني المرتقب؟ وهل التقى الحزب بمنسق الحوار؟
الحوار الوطني يمثل أهمية بالغة بالنسبة لنا، بل إنه كان أحد الشروط الأساسية التي اشترطها حزبنا لدعم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فقد اشترطنا تنظيم حوار صريح وشامل يضم جميع الفاعلين السياسيين، ويُركّز على كافة الإشكالات الوطنية دون استثناء.
رؤية الحزب للحوار تتمحور حول أربعة محاور رئيسية:
1. الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية والتعايش السلمي: نرى أن أول محاولة لتأسيس الدولة سنة 1958 عبر الجمعية التأسيسية في ألاك، رغم أهميتها في قيام الدولة الوطنية، أسست لنظام فيه اختلالات كبيرة، أبرزها إقصاء مكون “لحراطين”، الذي غاب عن التأسيس وظل يعاني من العبودية والتهميش. لذلك نؤمن بضرورة إعادة تأسيس الجمهورية، عبر مواطنة شاملة، وعدالة اجتماعية ترفض المحاصصة القبلية، وتُعزز التوزيع العادل للثروة والتمييز الإيجابي لصالح الفئات المهمشة.
2. الحكامة الاجتماعية والاقتصادية والتوزيع العادل للثروة: ندعو إلى تبني سياسات اجتماعية عادلة، وتقريب الخدمات من المواطن، وتحسين نوعيتها، وفتح فرص الإدماج في القطاع العام، ودعم الأنشطة المدرة للدخل والقطاعات غير المصنفة، بما يخدم الفئات الهشة.
3. الحكامة السياسية والمسار الديمقراطي: نشدد على ضرورة وجود مؤسسات دستورية مستقلة، قادرة على تمثيل جميع المكونات، وتجسيد تنوع المجتمع الموريتاني، وضمان الأمن والعيش الكريم، ومواجهة التحديات اليومية للمواطن. لا يمكن تحصين الدولة إلا عبر مؤسسات وطنية قوية وشاملة.
4. الولوج إلى الخدمات، ومكافحة الفساد وسوء التسيير: نعتبر أن تحسين الخدمات ومحاربة الفساد من أولويات الحوار، لضمان تحقيق إصلاح فعلي ومستدام. وقد قمنا بإعداد وثيقة مفصلة حول هذه الرؤية، وتم تسليمها رسميًا إلى موسى فال، منسق الحوار الوطني.
هل تتضمن استراتيجيات الحزب العودة إلى صفوف المعارضة؟ وهل ترون أن الالتحاق بالموالاة أضعف الحزب وأفقده قاعدته الشعبية كما يرى بعض المتابعين؟
لا نرى أننا خرجنا من المعارضة. صحيح أننا دعمنا الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في مناسبتين متتاليتين، لكن ذلك كان نتيجة تقييم موضوعي يأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة، ويستجيب كذلك للمصالح الداخلية والإقليمية للبلاد. فالنظام الحالي، رغم ما يعتريه من عيوب، بدا لنا حينها الأكثر أهلية، ولذلك اخترنا دعمه.
ويُذكر أن الحزب حاول، قبل اتخاذ هذا القرار، توحيد قوى المعارضة وتقديم مرشح موحد يمثلها في الاستحقاقات الرئاسية، غير أن تلك المحاولة لم تُكلَّل بالنجاح، نتيجة تشتت المعارضة. وعليه، لم يكن أمامنا سوى خيارين: إما المقاطعة أو دعم النظام، وقد اخترنا دعم النظام.
أما موقعنا في الخريطة السياسية، فهو موقع حزب معارض لم يدخل الحكومة، ويُعبّر عن مواقفه بوضوح، سواء عبر النقد أو الدعم، بحسب ما تقتضيه المصلحة الوطنية.
وقد تميز موقف الرئيس مسعود ولد بلخير بالتجرد والوضوح، وهو ما سيحفظه له التاريخ، إذ عبّر خلال المأموريتين السابقتين، وكذا في المأمورية الحالية، عن رأيه بصراحة وراحة بال، قائلاً ما يراه صوابًا دون تردد.
في ظل توجه عدد من الأحزاب الشبابية الجديدة نحو الترخيص، هل ترون أن هذا يشير إلى بروز فاعلين سياسيين جدد قد يشكلون بديلاً عن الأحزاب التقليدية، بما في ذلك حزبكم؟
نحن ندعم حرية التعبير، ونؤيد إتاحة الفرص لترخيص الأحزاب السياسية. وفي الوقت نفسه، نسجّل – من هذا المنبر – موقفنا الرافض للقانون الجديد المتعلق بالأحزاب، ونعتبره مخالفًا للدستور، ويقوّض الحريات الوطنية.
لقد طالبنا بإلغائه في أعلى المستويات، وقد التقى الرئيس، في هذا الخصوص، بوزير الداخلية، وطلب منه مراجعة هذا القانون لما يمنحه من تحكم مفرط للوزارة في الشأن الحزبي.
ونحن نرى أن حزب التحالف الشعبي التقدمي يمتلك مشروعًا مجتمعيًا متكاملًا. والمكتسبات السياسية والاجتماعية التي تحققت في البلاد ليست بعيدة عن تأثير هذا الحزب، سواء تعلق الأمر بالقوانين المجرّمة للرق في 2007 والتي تم دسترتها وجُعلت غير قابلة للتقادم، أو فيما يخص إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، ومشاركة المعارضة في المجلس الدستوري، وتأسيس وكالة “تآزر”، والسلطة العليا للصحافة، وحتى القانون الأول المنظم للأحزاب والذي يمنع التحالفات السياسية.
كل هذه الإنجازات كان لحزب التحالف الشعبي التقدمي دور محوري فيها، إما من خلال الحوارات السياسية التي شارك فيها أو عبر حكومة الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وكذلك في ظل نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
ما تقييم الحزب للمأمورية الثانية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟ وما قراءتكم لمسار ملف العشرية بعد الحكم على الرئيس السابق؟
تقييمنا للمأمورية الثانية يُظهر أننا لسنا في حالة رضا، فنحن لا نزال بعيدين عن تحقيق التعهدات التي قطعها الرئيس ولد الغزواني على نفسه.
لكن من المؤكد أن هناك إرادة حقيقية، وهذا ما عبر عنه الرئيس مسعود في لقاءاته مع رئيس الجمهورية ومع الوزير الأول.
نأمل أن تُكلل هذه المأمورية بالتوفيق، وأن تنجح في تحقيق الإنجازات التي تُنسي الموريتانيين إخفاقات المأموريات السابقة.
أخيرًا، هناك بعض الملفات التي رافقت مأمورية الرئيس ولد الغزواني، مثل قانون الأحزاب الجديد وقانون الرموز. هل للحزب موقف من هذا الجدل؟ وبالنسبة للساحة السياسية، هل ترون أن النظام الحالي عمل على تمييعها كما يرى بعض المراقبين؟
ليس لدينا تعليق على حكم العدالة، ونرجو أن يكون قرارها صائبًا ووفق المسطرة القانونية، ونتوسم أن يكون الحكم الصادر بحق الرئيس السابق مبنيًّا على أدلة وبراهين، وهذا هو المبدأ الذي نحتكم إليه حتى يثبت العكس.
عبّرنا سابقًا عن معارضتنا لقانون الأحزاب، وخلال الاجتماع الذي عقده وزير الداخلية مع الأحزاب السياسية، وحضره نائب الرئيس أحمد ولد عبد الله، كان موقفنا الرافض واضحًا. كما عبّر الرئيس مسعود خلال لقاءاته المتكررة مع الرئيس ولد الغزواني عن رفضه لهذا القانون.
من المؤكد أن القانون الجديد يتيح مزيدًا من تحكم وزارة الداخلية في شؤون الأحزاب السياسية، وهذا أمر غير مقبول، كما عبر عنه الرئيس مسعود.
ونحن، كما هو معروف، ضد الخطابات الشعبوية والمتطرفة، وضد العنصرية والقبلية والجهوية. ونرى أن الممارسة السياسية يجب أن تضبطها النصوص القانونية المعمول بها في البلاد، ونحن حريصون على أن يكون كل من يتحدث في هذا المجال ملتزمًا بهذه الأطر القانونية.
وفي الوقت ذاته، فإن حرصنا على تطبيق القانون يوازيه حرصنا على ضمان حرية التعبير للأفراد والجماعات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس