أفريقيا برس – موريتانيا. في لحظة سياسية تتكثّف فيها التوقعات بخصوص الحوار الوطني المرتقب في موريتانيا، احتضن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل»، بصفته قائد زعامة المعارضة الديمقراطية، ندوة سياسية موسعة شارك فيها رؤساء أبرز أحزاب المعارضة وقادتها ونواب برلمانيون، بهدف استكشاف آفاق الحوار المقبل عبر مراجعة تجارب الماضي وقراءة معطيات الحاضر.
وقد شكّلت الندوة منصة نقاش مفتوحة حول شروط نجاح أي مسار حواري، والمخاوف التي قد تتهدده، ومستقبل العلاقة بين الطبقة السياسية والنظام.
وفي كلمة افتتاحية وُصفت بأنها الأكثر صراحة منذ أشهر، أكد رئيس حزب «تواصل»، حمادي ولد سيدي المختار، «أن المشاركة في الحوار ليست غاية في حد ذاتها، وإنما وسيلة للوصول إلى حلول جذرية للإشكالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تراكمت خلال سنوات، مشدداً على أن البلد يمر بمرحلة دقيقة تتطلب رؤية جامعة وإرادة سياسية صادقة».
وقال ولد سيدي المختار «إن نجاح أي مسار حواري يقتضي استحضار التجارب السابقة بكل ما فيها من مكاسب وإخفاقات، مع الوعي بحجم استحقاقات المرحلة الحالية، والحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف و»تنقية الأجواء» بإجراءات ملموسة يقدمها النظام لطمأنة الفاعلين السياسيين».
ولم يُخف رئيس الحزب مخاوفه من أن يواجه هذا الحوار، إن أُطلق، عوائق قد تُفقده المصداقية أو تُفرغه من محتواه، معتبراً «أن غياب الظروف الضامنة لمشاركة جميع مكونات الطيف السياسي سيكون عاملاً أساسياً في فشله، إضافة إلى وضع سقف ضيق لمواضيعه، والاكتفاء بإصلاحات جزئية لا تمس جوهر الاختلالات التي يعاني منها البلد».
وتوقف ولد سيدي المختار عند ما وصفه بـ»التحكم في نتائج الحوار» عبر ما أسماها «الإدارة الموازية»، وهي إشارة واضحة إلى مخاوف المعارضة من تدخل دوائر غير رسمية في توجيه المسار السياسي.
كما حذّر من تمييع الحوار وتحويله إلى منبر شعبوي مفتوح لا يعكس حقيقة التوازنات داخل الساحة السياسية، معتبراً أن تقزيم دور القوى السياسية الوازنة سيحوّل الحوار إلى مجرد نشاط شكلي لا أثر له على الواقع.
وتوزّعت أعمال الندوة على أربعة محاور رئيسية، شكّلت بمجموعها خريطة معرفية وسياسية للنقاش حول مستقبل الحوار، ففي المحور الأول، قدم رئيس حزب اتحاد قوى التقدم، محمد ولد مولود، قراءة تحليلية في تجارب الحوارات السابقة، مستعرضاً محطاتها الأساسية، وكيف أثّرت على مسار التحول السياسي في البلاد.
وأكد ولد مولود أن معظم تلك الحوارات فشل في تحقيق أهدافه بسبب غياب الإرادة السياسية أو ضعف آليات المتابعة والتنفيذ، معتبراً أن الحوار المقبل يجب أن يتجنب تلك الأخطاء البنيوية.
أما المحور الثاني، الذي قدمته النائبة البرلمانية كاجياتا مالك جالو، فقد خُصص للدواعي والاستحقاقات التي تجعل الحوار ضرورة وطنية ملحة. وأوضحت جالو أن المناخ السياسي الحالي، بما يشهده من تجاذبات واحتقان، يستدعي من الجميع الجلوس إلى طاولة الحوار، خصوصاً في ظل تفاقم ملفات البطالة، وتراجع الثقة بين الشارع والمؤسسات، وتزايد الضغوط الاقتصادية.
وقالت إن أي تأخير في إطلاق الحوار من شأنه أن يزيد هشاشة الوضع الداخلي ويُضعف قدرة الدولة على مواجهة التحديات المتسارعة.
وفي المحور الثالث، الذي قدمه المفتش محمد ولد البو تم التركيز على الضمانات التي يجب أن ترافق أي مسار حواري لضمان نجاحه.
وتحدث ولد البو عن الحاجة إلى إطار قانوني وسياسي يضمن تكافؤ الفرص بين المشاركين، ويمنع التدخلات الداخلية أو الخارجية في توجيه مخرجات الحوار. كما دعا إلى إشراك الطيف المدني والنقابي في العملية، حتى لا يظل الحوار حبيساً بين النُخب السياسية فقط.
وجاء المحور الرابع والأخير ليضيء الجوانب القانونية والآليات التنظيمية لتنفيذ مخرجات الحوار، وقدمه النائب البرلماني العيد ولد محمد الذي أكد أن التجارب السابقة أثبتت أن أي اتفاق سياسي يحتاج إلى منظومة تشريعية وبنيوية تضمن تنفيذه على الأرض، وإلا سيظل حبيس الأوراق.
وشدد ولد محمد على ضرورة وجود ضمانات زمنية ومؤسسية تراقب التنفيذ، وتُلزم الجهات المعنية بالوفاء بالتعهدات.
وقد جاءت هذه الندوة في سياق يتسم بتصاعد الحديث عن قرب إطلاق حوار وطني جديد، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي أكد أكثر من مرة حرصه على «حوار شامل لا يستثني أحداً»، وتعهد بأن تكون مخرجاته قابلة للتطبيق، وأن يُفتح الباب واسعاً أمام المعارضة للمشاركة دون قيود. وتأتي هذه التصريحات في وقت يشهد المشهد السياسي حالة من الترقب، وسط توقعات بأن يكون الحوار القادم مفصلياً في علاقة النظام بالمعارضة، ومحورياً في صياغة المرحلة السياسية المقبلة التي تستعد فيها البلاد لسلسلة استحقاقات وطنية.
ومع أن الندوة لم تُعلن موقفاً نهائياً من المشاركة في الحوار، إلا أنها أظهرت بوضوح رؤية المعارضة وشروطها ومخاوفها، في مؤشر على أن الأيام القادمة ستشهد حراكاً سياسياً متسارعاً قد يُحدد مسار الحوار المرتقب، وقد يفرض على النظام تقديم مبادرات تهدئة أوسع لاستعادة الثقة التي طال غيابها بين الطرفين.
هذا وأعلن محمد يحيى ولد محمد حرمه، نائب رئيس حزب الإنصاف الحاكم، «أن المرحلة التحضيرية للحوار الوطني التي أشرف عليها المنسق الوطني موسى فال، انتهت بشكل منظم وناجح بعد تقديم تقرير شامل إلى رئيس الجمهورية قبل أسابيع، مؤكداً أن العمل المنجز في هذه المرحلة «تمّ بكفاءة عالية وبروح منفتحة».
وأكد أن الرئيس وفّى بتعهده، ووجّه دعوة صريحة للطبقة السياسية للمشاركة «من دون شروط أو حدود»، بحثاً عن حلول توافقية للقضايا الوطنية الكبرى التي تؤثر على التماسك الاجتماعي ووحدة البلاد.
وأشار نائب رئيس حزب الإنصاف إلى أن المنسق الوطني للحوار، موسى فال، وهو شخصية «ذات خبرة ومعرفة دقيقة بالمشهد السياسي»، قام بتنظيم أكثر من 1700 لقاء تشاوري مع الأحزاب والجمعيات والشخصيات الاجتماعية، قبل أن يرفع تقريره إلى الرئيس.
وأضاف أن عدداً من الأحزاب والشخصيات المعارضة ما تزال «تمنح نفسها وقتاً للتفكير»، خاصة فيما يتعلق بالشروط المسبقة، قبل إعلان موقفها النهائي، معتبراً أن ذلك «تكرار لمشاهد سابقة عاشتها البلاد في محطات مشابهة».
ومع ذلك، أكد أن الأغلبية ومعظم أحزاب المعارضة الأساسية تبدو جاهزة للدخول في حوار وطني واسع، متمنياً أن يلتحق المترددون بالركب «حتى تجتمع كل القوى الحية حول طاولة واحدة لمناقشة التحديات الوطنية بروح إيجابية»، مؤكداً أن مشاركتهم «ستزيدهم احتراماً ووزنا».





