أفريقيا برس – موريتانيا. هزّة كبرى أصابت وتصيب حاليا، المشهد السياسي الموريتاني منذ الإعلان عن غالبية نتائج الانتخابات النيابية والجهوية والبلدية التي جرت السبت الماضي.
ومع أن مجلس الوزراء هنّأ الأربعاء، الفاعلين السياسيين واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات “على الدور الذي قاموا به من أجل ضمان وحسن سير ونجاح الانتخابات، فقد صدرت ردود فعل من المعارضة وحتى من الموالاة المقربة، تؤكد وجود تزوير واسع وتطالب بإعادة الانتخابات.
فقد دعت مجموعة من تسعة أحزاب من الموالاة المؤيدة للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني “للتوقف عن فرز نتائج الانتخابات النيابية والمحلية التي جرت السبت الماضي، وإعادتها في عموم البلاد”.
جاء ذلك في بيان وقّعه رؤساء أحزاب الفضيلة، والرفاه، والاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، والاتحاد والتغيير الموريتاني، الجمهوري للديمقراطية والتجديد، والبناء والتقدم، والوسط والعمل من أجل التقدم، والكتل الموريتانية، والوحدة والتنمية، وهي كلها أحزاب شكلت منذ الانتخابات الرئاسية الماضية أغلبية داعمة للغزواني.
وأكدت الأحزاب التسعة “أنه لا علاج لمشكلة تزوير الانتخابات ولما شهدته من تزوير واسع وخروقات أفقدتها المصداقية، سوى إعادتها بالكامل”.
لكن السلطات الموريتانية لا تقر بأن ما حدث لا يصل لحد إلغاء الانتخابات وإعادتها، فهي تفضل طي الصفحة وعدم السماح بالتشكيك في العملية الانتخابية، وتفضل أن يبتلعها الجميع بأشواكها.
وأكد حزب الرباط الوطني الذي يضم مساندي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والذي كانت حظوظه ضئيلة جدا في النتائج المعلنة حتى الآن “أنه لن يعترف بنتائج الانتخابات ما لم تسلم له محاضرها الموقعة”.
واستعرضت قوى المعارضة في بيان صادر عنها، مجموعة من الخروقات التي حصلت في الانتخابات الأخيرة، منها تأخير فتح العديد من المكاتب الانتخابية حتى منتصف النهار، وعدم حصول مكاتب أخرى على أوراق التصويت لساعات، ومنها فتح مكاتب التصويت بعد نهاية الوقت القانوني الساعة (الساعة 19:00 مساء) بتوجيهات عبر الواتساب من بعض السياسيين القياديين في حملة حزب الإنصاف الحاكم، وبإشراف وأوامر مباشرة من الولاة الذين لا يُتصور قيامهم بذلك دون توجيه من وزارة الداخلية؛ ومن هذه الخروقات قيام السلطات الإدارية ورؤساء المكاتب بطرد ممثلي أحزاب المعارضة الذين اعترضوا على التمديد غير القانوني وعلى التصويت تحت جنح الظلام في العديد من المكاتب.
وتحدثت المعارضة عن جملة من مظاهر تبرز عجز اللجنة الانتخابية المستقلة وتواطؤها مع الحزب الحاكم منها عدم تنفيذ وزارة الداخلية للاتفاق المبرم مع الأحزاب وتملص اللجنة المستقلة للانتخابات من تنفيذه، حيث طالبت المعارضة بالتوافق على موعد دعوة الناخبين، ولكن تم تحديد الموعد بشكل أحادي؛ ومنها تحجج لجنة الانتخابات بعدم امتلاك الأموال الكافية رغم ميزانيتها الضخمة، لاعتماد جهاز تحديد الهوية بالبصمة داخل مكاتب التصويت الذي اتفق عليه من قبل، ومنها رفض اللجنة التشاور مع أحزاب المعارضة في تشكيل رؤساء وأعضاء مكاتب التصويت رغم الاتفاق على ذلك سابقا؛ ومن هذه المظاهر، حسب المعارضة، رفض اللجنة المستقلة للانتخابات التحقيق في القائمة الانتخابية الوطنية رغم إلحاح أحزاب المعارضة عليه وإمكانية إجرائه وأهميته صوناً لمصداقية الانتخابات؛ ومن ذلك تحويل مكاتب للتصويت إلى مناطق لم تعلن على موقع اللجنة الانتخابية من أجل إعلام الأحزاب وإطلاع الناخبين المسجلين فيها.
هذا وتحدث عدد من كبار الساسة وقادة الرأي الموريتانيين عن تأثيرات كبيرة متوقعة لانتخابات مايو على المشهد السياسي الموريتاني منتقدين استمرار حضور القبيلة في الشأن الانتخابي.
وأكد المحلل السياسي الأبرز الدكتور أبو العباس أبرهام “أن انتخابات مايو تميزت بثلاثة أشياء أولها ثورة بلاط قامت بها أحزاب الأغلبية والمغاضبون، واستطاعوا بها انتزاع بلديات ومقاعد نيابية معتبرة في الأرياف والمدن من النظام؛ والثاني اضمحلال المعارضة التاريخية، والثالث توسيع الطيف السياسي بظهور معارضة شابة عابرة للأيديولوجيا وللتحزّب أساسها الكفاءات الفردية والتحالفات الانتخابية اللامتجانسة، والتي سمحت للدماء السياسيّة الجديدة أن تنسّق وتشكّل مفاجأة الانتخابات”.
وقال: “إذاً، نحن بصدد حرب وراثة: وراثة الحزب الحاكم ووراثة المعارضة، وهذه عملية طويلة ستأخذ سنين إن لم يكن عقوداً؛ والآن علينا أن نفكّر في المستقبل، ولتفعيل الدّيمقراطية علينا تمكين العمد والجهات والمجالس البلدية، بإتاحة لامركزية قائمة على استقلال واكتفاء وتمويل البلديات تمويلاً يسمَح للمنتَخبين بتقاسم سلطة تسيير المجال الحضري”.
وأضاف: “وعلى من أسميناهم بالدماء الجديدة، متابعة عملية ميلادها بأن تعزّز وحدتها السياسيّة، وبأن تأخذ مقعدها في المجتمع السياسي، وأن تبدأ في تقديم برنامج مشترك لها كعائلة سياسية؛ فهذه هي الصورة: وليس الأمر فقط أنّنا أصبَحنا في عالم جديد، بل إنّنا قد بلغنا سنّ الرشد، ويجب أن تبدأ اللعبة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس