تعديل حكومي في موريتانيا يعيد وجوها قديمة ويثير الجدل

7
تعديل حكومي في موريتانيا يعيد وجوها قديمة ويثير الجدل
تعديل حكومي في موريتانيا يعيد وجوها قديمة ويثير الجدل

أفريقيا برس – موريتانيا. أثار التعديل الجزئي الذي أجراه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أمس على حكومة رئيس الوزراء المختار ولد اجاي اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، إذ أعاد إلى الواجهة أسماء وزارية سابقة وأدخل وجوهاً جديدة إلى التشكيلة. ومع أن التغيير شمل قرابة ثلث الحقائب، فإن الجدل سرعان ما انصبّ على خلفيات التعيينات ومدى استمرار منطق المحاصصة القبلية والعرقية في توزيع المناصب.

وأعلنت الرئاسة الموريتانية عن تعديل جزئي في الحكومة شمل دخول خمسة وزراء جدد، بينهم رئيسا حزبين من أحزاب الأغلبية، وهو ما أعطى للتعديل بعداً سياسياً لافتاً إلى جانب طابعه الفني والإداري. ويُعتبر هذا التغيير هو الأول من نوعه على حكومة رئيس الوزراء المختار ولد اجاي منذ تشكيلها مستهل آب/ أغسطس 2024.

وتمثل أبرز ملامح التعديل في إعادة هيكلة وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية وفصلها عن المالية، حيث أسندت حقيبتها لعبد الله سليمان ولد الشيخ سيديا، وهو وزير سابق تولى مناصب وازنة في حكومات انتقالية وإدارات عمومية.

وتوحي هذه العودة ببحث السلطة عن الكفاءات ذات التجربة في الملفات الاقتصادية، في ظرفية دولية ضاغطة تتطلب حنكة في التسيير.

وشهد قطاع الصحة بدوره تغييراً جديداً بإسناده للدكتور محمد محمود ولد اعل محمود، المدير السابق للصحة العمومية، في وقت يواجه النظام الصحي تحديات مرتبطة بالبنية التحتية والموارد البشرية.

وعلى المستوى السياسي، حمل التعديل عودة وجوه حزبية بارزة مثل سيدي أحمد ولد محمد، رئيس حزب الإنصاف الحاكم، الذي تولى حقيبة التنمية الحيوانية، والناها بنت مكناس، رئيسة حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، التي أوكلت إليها حقيبة الإسكان والعمران؛ بدخولهما مضافين للدكتور يعقوب أمين رئيس حزب التحالف الوطني الديمقراطي، يرتفع عدد رؤساء الأحزاب المشاركين في الحكومة إلى ثلاثة، ما يعكس توجهاً لتعزيز التحالفات داخل الأغلبية عبر إشراك الفاعلين السياسيين في مواقع القرار التنفيذي.

كما صعدت وجوه جديدة إلى المشهد التنفيذي، من بينها مريم بيجل هميد، محاسبة سفارة موريتانيا في واشنطن سابقاً، التي أوكلت إليها حقيبة الوظيفة العمومية والعمل. هذه الخطوة قرأها بعض المراقبين على أنها محاولة لإدخال دماء جديدة ذات خلفية إدارية وفنية إلى الحكومة.

ولم يقتصر التعديل على إدخال وزراء جدد، بل شمل أيضاً سلسلة تبادلات بين أعضاء الحكومة، من أبرزها نقل وزير الوظيفة العمومية محمد ولد اسويدات إلى وزارة العدل خلفاً لمحمد محمود بيه الذي نقل وزيراً مستشاراً في الرئاسة، وسيدي أحمد ولد أبوه الذي نقل من وزارة الاقتصاد لوزارة الزراعة والسيادة الغذائية، إضافة إلى ترقية كوديورو موسى انكينور من منصب وزير منتدب مكلف بالميزانية إلى وزير للمالية.

وفي بعد آخر للتعديل، نقل الفضيل ولد سيداتي من حقيبة الصيد إلى وزارة الشؤون الإسلامية، فيما تبادل مامودو مندو انيانغ والمختار أحمد بوسيف حقائبهما بين الإسكان والعقارات.

وتعكس هذه التغييرات سعي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى إعادة توزيع المهام بما يتناسب مع التوازنات السياسية والاعتبارات الفنية.

في المحصلة، يبدو أن التعديل جاء ليجمع بين أهداف سياسية وأخرى اقتصادية وإدارية، عبر المزاوجة بين إعادة الاعتبار لوجوه قديمة وإدخال عناصر جديدة، مع إعادة توزيع الحقائب بشكل يحافظ على توازن التحالفات داخل الأغلبية، ويستجيب في الوقت نفسه لضغوط المرحلة.

وأكد في الإعلامي البارز أحمد محمد مصطفى في تحليل لتعديل الحكومة استمرار منطق المحاصصة القبلية والجهوية في التشكيلة الجديدة، حيث ربط خروج بعض الوزراء ودخول آخرين بالانتماءات الاجتماعية والقبلية، مثل تعويض ولد وديه بولد الشيخ سيديا، وولد بيباته بولد اعل محمود، وولد كاكيه ببنت بيجل ولد هميد، إضافة إلى إعادة توزيع المواقع بين شخصيات من نفس الأسر أو المحيط الاجتماعي. وخلص إلى أنه خارج هذه المعايير لا يمكن تفسير التغييرات بشكل موضوعي.

ولفت أحمد مصطفى إلى أن التعديل أبرز حضور ما يمكن وصفه بـ»الأسر الحاكمة» في موريتانيا، إذ نادراً ما تخلو الحكومات من أسماء منحدرة من عائلات وزارية.

وقدّم مصطفى قائمة طويلة لوزراء حاليين هم إما وزراء سابقون أو أبناء وزراء وإخوتهم وأقاربهم، مثل الناها بنت مكناس، عبد الله ولد الشيخ سيديا، مريم بيجل هميد، والمختار أحمد بوسيف؛ واعتبر أن هذه الظاهرة تؤكد أن التغييرات لا تخرج عن دائرة إعادة تدوير نفس النخب.

ومن أبرز النقاط التي توقف عندها التحليل دخول مريم بيجل هميد الحكومة، واعتبره تتويجاً لرسائل سياسية متتالية وجهتها عائلتها، بدأت بلقاء المعارض بيرام والثناء عليه، وتعمقت بتصريح لبيجل اعتُبر فيه ولد مرزوك الخليفة الأنسب للرئيس الحالي، وهذا ما فسّره أحمد مصطفى «ترضية سريعة» ضمنت للعائلة حضوراً وزارياً.

وأشار التحليل أيضاً إلى أن زيادة عدد الوزيرات في الحكومة قد يكون مقدمة لمزيد من التغييرات في الأفق القريب، سواء داخل الحكومة نفسها أو في الوظائف السامية ذات الرتبة الوزارية.

ولم تخلُ ردود الفعل من انتقادات لاذعة، إذ وصف النائب محمد بوي التعديل بأنه مجرد عملية «بيع البصل وشراء البصل»، في إشارة إلى بقاء وزراء أثاروا الكثير من الجدل وفشلوا في أداء مهامهم، مقابل خروج آخرين لا يُعدّون الأكثر فساداً أو فشلاً؛ وتمنى النائب أن يُطيح تعديل لاحق بمن وصفهم بـ»المتمددين» داخل الحكومة.

وفي المحصلة، فقد ركّزت تعليقات ساسة موريتانيا ومدونيها على أن تعديل الحكومة أكد استمرار أسلوب المحاصصة القبلية والجهوية، وبروز الأسر السياسية التقليدية، إلى جانب أبعاد سياسية مرتبطة بالتحالفات والترضيات.

وفي المقابل، عبّرت أصوات معارضة عن تشكيكها في جدوى هذه التغييرات، معتبرة إياها استمراراً لنفس النهج الذي لا يضع الكفاءة معياراً أساسياً في التعيين.

وبين من يرى في التعديل محاولة لضخ دماء جديدة في الجهاز التنفيذي، ومن يعتبره استمراراً لنهج إعادة تدوير النخب وترسيخ التوازنات القبلية والسياسية، يبقى السؤال الأبرز هو ما إذا كانت هذه الحكومة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، أم إن الجدل حول المحاصصة سيظل يطغى على مناقشة وتدارس الأداء والنتائج.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس