موريتانيا تحتفل باليوم العالمي لمكافحة الفساد

1
موريتانيا تحتفل باليوم العالمي لمكافحة الفساد
موريتانيا تحتفل باليوم العالمي لمكافحة الفساد

أفريقيا برس – موريتانيا. في اليوم العالمي لمكافحة الفساد، عاشت موريتانيا مشهداً مركّباً تتقاطع فيه ثلاثة خطوط متوازية: خطاب رسمي يَعِد بتسريع وتيرة الإصلاح، ومعارضة غاضبة تشكّك في جدية الإجراءات، وتشخيص صادم يضع البلاد أمام حقيقة الفساد، تلك «الآفة المزمنة» التي ما تزال تنخر مؤسساتها.

وبين التفاؤل المعلن والانتقادات المتصاعدة، يعود سؤال الثقة ليحتل صدارة النقاش الوطني: هل تكفي التعهدات والخطط للحد من الفساد، أم أن حجم التحديات أكبر من الوعود؟

في هذه الأجواء أحيت موريتانيا اليوم العالمي لمكافحة الفساد تحت شعار: «الاتحاد مع الشباب ضد الفساد: بناء نزاهة الغد»، في فعاليات رسمية وشعبية.

ونظّمت جمعية الشفافية الشاملة في موريتانيا حفلاً بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، خُصّص لتكريم الشخصيات الوطنية التي ساهمت في تعزيز النزاهة ومحاربة الممارسات غير القانونية. وقد منحت المنظمة في ختام الحفل «وسام النزاهة» في نسخته الأولى لمفوض الشرطة المراقب المتقاعد محمد الدن اسيساح.

وفي كلمة بالمناسبة، قال الأمين العام للمنظمة المصطفى سيداتي، إن تخليد اليوم العالمي لمحاربة الفساد لعام 2025 يأتي تأكيداً لحرص المنظمة على ترسيخ قيم الشفافية، وتشجيع الجهود المبذولة في التقصي وكشف ممارسات الفساد، بما يسهم في حماية المال العام وخدمة الصالح العام.

وأضاف أن مكتب المنظمة اختار هذا العام تكريم شخصية «خدمت البلاد بصدق وإخلاص ونزاهة طوال مسارها الوظيفي»، معتبراً أن منح الوسام لولد أسيساح يشكّل اعترافاً بجهوده ونموذجاً يحتذى في الوظيفة العمومية.

وفي فعالية أخرى، أكد رئيس السلطة الوطنية الموريتانية لمكافحة الفساد، جمال ولد اليدالي، «أن إشراك الأجيال الصاعدة يمثل حجر الزاوية في أي تحول حقيقي نحو ترسيخ قيم الشفافية والحوكمة الرشيدة».

وقال ولد اليدالي «إن مكافحة الفساد «تبدأ من الوعي»، وإن الشباب هم الأكثر قدرة على قيادة موجة التغيير»، مشيرًا إلى أن «الدولة جعلت إصلاح منظومة العدالة محورًا أساسيًا في مسار تعزيز النزاهة».

واستعرض اليدالي في هذا السياق مخرجات المنتديات الوطنية لإصلاح القضاء، والتحسينات التي طالت ظروف القضاة وكتّاب الضبط، وإنشاء معهد للتكوين القضائي، إضافة إلى تبسيط الإجراءات وتسريعها عبر تعديلات تشريعية جديدة.

وعلى مستوى الرقابة، أكد رئيس السلطة أن الحكومة «دعّمت أجهزة التفتيش» بوسائل تقنية وقانونية، وألزمتها بالنشر العلني للتقارير لضمان الشفافية، بما في ذلك التقرير السنوي لمحكمة الحسابات وتقارير المفتشية العامة للدولة.

وأشار إلى أن هذا الانفتاح عزز ثقة المواطنين وشكل «نقلة نوعية في ترسيخ ثقافة المساءلة».

كما استعرض ولد اليدالي ملامح الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمحاربة الفساد، والقانون الجديد للتصريح بالممتلكات والمصالح، وصولاً إلى إنشاء السلطة الوطنية لمكافحة الفساد التي تتولى وفق القانون، مهام الوقاية والنزاهة ومراقبة الإثراء غير المشروع وحماية المبلغين.

وأكد أن الأشهر المقبلة ستشهد استكمال البنية التشغيلية للسلطة بما يمكّنها من أداء دورها بالكامل.

وفي سياق إصلاح المالية العمومية، تحدث المسؤول عن تحديث قواعد إعداد الميزانية، وتطوير منصة الإنفاق العمومي، ورقمنة منظومة الصفقات للحد من الهدر وتعزيز الشفافية.

واختتم ولد اليدالي بالتأكيد على أن «التقاء الإرادة السياسية وتمكين الشباب وتحديث القوانين وتعزيز الرقابة» يمثل اليوم ديناميكية وطنية جديدة، متعهّدًا».

وفي مقابل الخطاب الرسمي المتفائل، شنّ زعيم المعارضة الديمقراطية ورئيس حزب «تواصل» حمادي ولد سيدي المختار، هجومًا لاذعًا على الحكومة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، مؤكدًا أن «الشعب الموريتاني ملَّ المغالطات وسئم من الوعود العرقوبية».

وقال المختار إن صبر المواطنين «نفد»، وإنهم ينتظرون إجراءات جادة توقف التلاعب بمقدرات الدولة وتنهي «تحكم وتسيد المفسدين».

وأضاف أن الفساد «أصبح الحاضر اليومي في حياة الموريتانيين»، وأن آثاره باتت تطال كل المجالات رغم الترسانة القانونية الضخمة التي «لا تحظى من التطبيق إلا باليسير، إن لم يكن المعدوم».

ودعا زعيم المعارضة إلى وقف تدوير المتهمين في ملفات الفساد، وتمكين القضاء من عمله دون تدخل، وإبعاد كل من تورط في ملفات سابقة أو حالية.

كما طالب بإخضاع كبار المسيرين للتصريح بالممتلكات، وتعزيز دور الهيئات الرقابية بما فيها محكمة الحسابات والمفتشيات العامة القطاعية.

وأكد «أن المواطنين مدعوون للمشاركة في فضح الاختلالات وخوض معركة الدفاع عن أموال الشعب».

وفي قراءة أكثر جرأة، وصف الإعلامي الموريتاني الشيخ سيداتي الفساد بأنه «الآفة الأكثر تجذرًا في الإدارة الموريتانية، والأكثر قبولًا اجتماعيًا». وقال «إن شيوع الفساد والجسارة التي يتحلى بها مرتكبوه، إضافة إلى «الأمان من العقاب»، جعلت الظاهرة تكاد تكون بلا نظير.

ورأى أن سياسة «العفو المتجدد» عن المفسدين رسخت انعدام الثقة في الأجهزة القائمة، ودفعت البعض إلى التعميم السلبي ضد المؤسسات، محذرًا من أن هذا التعميم «مضر وغير مفيد»، رغم إقراره بأن الفساد يكرس منذ حقبة ولد الطايع، وأن معظم حملات مكافحته لم تخل من فساد بدورها.

وأشار الإعلامي إلى أن أي درجة من المحاسبة إن كانت محدودة، تبقى أفضل من غيابها تمامًا، معتبرًا أن تطور المؤسسات لا يكون إلا بالتدرج والتراكم.

وسجل في هذا السياق عدة نقاط تُحسب للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، من أبرزها مثول رئيس سابق ووزيرين أولين وعدد من الوزراء أمام محكمة مكافحة الفساد، وإقالة وزراء من حملة الرئيس الانتخابية بسبب شبهات فساد، ثم إحالة ملفاتهم للقضاء، ونشر تقارير محكمة الحسابات بانتظام، وإحالة 30 موظفًا ساميًا للقضاء على أساس تقارير التفتيش، ومصادرة 40 مليار أوقية لصالح الدولة بأحكام قضائية.

غير أن الإعلامي سيداتي انتقد في المقابل «غض الطرف عن مظاهر عديدة من الفساد»، والتردد في اتخاذ إجراءات عملية على أساس تقارير الهيئات الرقابية، وعدم الصرامة في العزل السياسي للمفسدين، إضافة إلى «عدم تمكين أجهزة الرقابة من الوسائل الكافية».

هذا، وتتباين الصورة بين خطاب رسمي يبشر بمرحلة جديدة من النزاهة والشفافية، ورؤية معارضة ترى أن الفساد بات عائقًا هيكليًا وخطرًا محدقًا بالدولة، وتشخيص إعلامي يصف الظاهرة بأنها «مرض مجتمعي» تغذيه عقود من التجاهل وغياب الردع.

وفي اليوم العالمي لمكافحة الفساد، يظل السؤال الأهم: هل تتحول هذه الوعود والتوصيات إلى إرادة تنفيذية حقيقية… أم تبقى حبراً على ورق في بلد يحلم فيه أبناؤه بيوم تكون فيه النزاهة هي القاعدة لا الاستثناء؟