إجماع غير مسبوق حول قضايا الحوار

3
إجماع غير مسبوق حول قضايا الحوار
إجماع غير مسبوق حول قضايا الحوار

أفريقيا برس – موريتانيا. «القدس العربي» في تطور سياسي لافت على الساحة الموريتانية، أعلنت منسقية الحوار الوطني الشامل عن توافق غير مسبوق بين القوى السياسية الموريتانية حول القضايا الجوهرية التي ينبغي أن يتناولها التشاور المنتظر، في خطوة اعتبرها مراقبو هذا الملف «مؤشراً نادراً على نضج الخطاب السياسي واستعداد مختلف الأطراف لتقديم التنازلات خدمةً للمصلحة الوطنية العليا».

ويأتي هذا الإعلان بعد أسابيع من اللقاءات والمشاورات المكثفة بين الأحزاب والتيارات السياسية الموريتانية، التي يبدو أنها وجدت أرضية مشتركة لفتح صفحة جديدة من التفاهم حول ملفات الإصلاح السياسي، والحوكمة، والعدالة الاجتماعية، وتعزيز الوحدة الوطنية.

ويفتح هذا الإجماع الذي وصفته المنسقية بأنه «ثمرة حوار صادق ومسؤول»، الباب واسعاً أمام مرحلة جديدة قد تشهد إعادة ترتيب المشهد السياسي في البلاد، وسط ترقب شعبي واسع لما ستسفر عنه جلسات التشاور المرتقبة.

وجاءت هذه التوضيحات المتفائلة ضمن تصريحات لمنسق الحوار الوطني في موريتانيا موسى فال، أكد فيها «أن نتائج المرحلة التحضيرية للحوار السياسي الوطني جاءت مشجعة وتبعث على التفاؤل»، معتبراً «أنها تشكّل أساساً متيناً لانطلاقة مرحلة جديدة من التفاهم الوطني بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية».

وأكد موسى فال «أنه سلّم إلى رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني التقرير النهائي وورقة الطريق الخاصة بالحوار، بعد سبعة أشهر من العمل شملت لقاءات موسعة واستشارات مع جميع الأطراف السياسية والمدنية في البلاد».

وأشار إلى «أنه أنجز المهمة التي كُلّف بها، والمتمثلة في جمع مقترحات الفاعلين السياسيين والمجتمعيين، وتحليلها، وتقديم تصور توافقي حول منهجية تنظيم حوار وطني شامل يهدف إلى «إعادة التفكير في النموذج الديمقراطي وبناء عقد اجتماعي جديد يعزز المؤسسات الوطنية ويضمن مستقبل البلاد في جو من السلم والاستقرار»، على حدّ تعبيره.

وقال «إن فريقه أجرى خلال هذه الفترة حوالي 1500 مقابلة واستشارة فردية وجماعية مع شخصيات من خلفيات مختلفة، من سياسيين ومرشحين سابقين للرئاسة، وقيادات منظمات المجتمع المدني، ونقابات، وشخصيات مستقلة، وشباب ونساء، وممثلين عن الجاليات في الخارج».

وأضاف: «قد تم تحليل الردود والمعطيات بطريقة محايدة وموضوعية لضمان تمثيل آراء الجميع دون تمييز».

وقال «إن خريطة الطريق النهائية جاءت بعد إعداد مسودة أولى تم تعميمها على الأطراف المعنية لتقديم الملاحظات، قبل أن تُعتمد النسخة النهائية التي تضمنت تشخيصاً دقيقاً للتحديات المطروحة واقتراحاً عملياً للخطوات المقبلة».

وأكد موسى فال «أن أهم ما ميّز المرحلة التحضيرية هو وجود إجماع غير مسبوق حول القضايا الجوهرية التي ينبغي أن يتناولها الحوار، حيث أظهرت نتائج الاستبيانات أن 75% من المستطلعين وضعوا الوحدة الوطنية على رأس الأولويات، بينما ركز 69% منهم على تحسين الحوكمة ومحاربة الفساد، في حين طالب 66.8% بإصلاح النظام الانتخابي لضمان شفافية العملية الديمقراطية».

واعتبر فال «أن هذا التوافق الواسع يعكس نضجاً سياسياً جديداً وتطوراً إيجابياً في الثقافة الديمقراطية الموريتانية، حيث غابت نزعات الإقصاء والتشنج التي كانت تميز مراحل سابقة».

وعن مضامين خارطة الطريق، أوضح منسق الحوار الوطني الموريتاني «أن الورقة المقترحة تتألف من خمسة محاور رئيسية أولها أهداف الحوار ويشمل تعزيز الوحدة الوطنية، وتحسين الحكامة، وتطوير النظام الديمقراطي، والثاني المواضيع الأساسية للنقاش، وتشمل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات الأولوية؛ والمحور الثالث يتعلق بالمشاركين من أحزاب سياسية، ومرشحين سابقين، ومنظمات مجتمع مدني، ونقابات، وشخصيات مستقلة، وأفراد من الجالية الموريتانية بالخارج؛ أما المحور الرابع فيخص المنهجية وآليات التنظيم بما يضمن الشفافية والمشاركة الواسعة والتدرج المنطقي في النقاشات.

ويتعلق المحور الخامس والأخير في آلية متابعة تنفيذ مخرجات الحوار، وهي، حسب قوله، هيئة مقترحة تضمن تطبيق التوصيات ومراقبة مدى تنفيذ الإصلاحات المقترحة على أرض الواقع».

وعن التحديات والمقاطعة، أقر موسى فال بأن بعض الأحزاب ما تزال خارج ديناميكية الحوار، مثل النائب بيرام الداه اعبيد رئيس حزب «الرك»، وحزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية، مبيناً «أنه يبذل جهوداً مستمرة لإقناعهم بالمشاركة وإزالة العقبات التي تحول دون انخراطهم في العملية».

وقال: «لقد حاولت خلق مناخ من الثقة بين أبرز قادة المعارضة والسلطة، وسأواصل هذا المسعى في الفترة المقبلة».

وحول الضمانات والتجارب السابقة، والمخاوف من أن تلاقي نتائج الحوار نفس مصير الحوارات السابقة التي لم تُنفذ توصياتها، قال موسى فال «إن النهج الجديد مختلف، لأن الرئيس الغزواني التزم صراحة بتطبيق مخرجات الحوار، كما أن الورقة تضمنت آلية وطنية مشتركة لمتابعة تنفيذ التوصيات، مما يشكل ضمانة حقيقية لجدية العملية».

ومهما تكن مآلات هذا التوافق الجديد، فإن الموريتانيين يدركون أن تاريخ الحوارات الوطنية في البلاد حافل بالمحطات المتباينة، من لقاءات التهدئة السياسية إلى مشاورات الإصلاح والدساتير والانتخابات، التي كانت في كل مرة تعكس بحث الطبقة السياسية الدائم عن معادلة توازن بين الاستقرار والتغيير.

غير أن التفاؤل هذه المرة يبدو أكبر، في ظلّ ما تصفه منسقية الحوار بأنه إجماع حقيقي ونابع من إرادة وطنية جامعة، ما قد يمنح التجربة القادمة فرصة لتجاوز إرث الحوارات السابقة وفتح أفق جديد لبناء توافق وطني دائم يعيد الثقة بين الدولة ومواطنيها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس