أفريقيا برس – موريتانيا. في وقت تزداد فيه المواجهة بين قوى المقاومة والاحتلال الإسرائيلي اشتعالًا، يواصل الشارع الموريتاني تأكيد ارتباطه العميق بالقضية الفلسطينية، متجاوزًا البعد العاطفي نحو فعل شعبي وسياسي متراكم.
وتجددت منذ الساعات الأولى لتصعيد المواجهة الإيرانية الإسرائيلية الحالية في العاصمة نواكشوط ومدن الداخل، مشاهد التضامن، من وقفات جماهيرية وبيانات حزبية إلى فعاليات رمزية تربط مصير الأمة بمصير غزة، وتعدّ سقوط الصواريخ الإيرانية على رؤوس المحتلين برهانًا على أن منطق القوة لم يعد حكرًا على جانب واحد.
وفي ظل استمرار العدوان الهمجي الذي يشنّه الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، وتواصل المجازر البشعة بحق المدنيين العزّل، خرجت الجماهير الموريتانية في وقفة الجمعة الاحتجاجية الأسبوعية تنديدًا بالجرائم المرتكبة، وتأكيدًا على رفض كل أشكال التطبيع والدعم غير المشروط للمقاومة الفلسطينية.
ونظمت الوقفة الاحتجاجية مباشرة بعد صلاة الجمعة أمام الجامع الكبير بنواكشوط، وشارك فيها عدد كبير من الفاعلين السياسيين والدينيين، ونشطاء من مختلف الفئات، تعبيرًا عن الغضب الشعبي المتصاعد ورفضًا للجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
وتأتي هذه الوقفة في سياق حراك شعبي متواصل تشهده موريتانيا منذ بدء العدوان على غزة، حيث رفعت خلالها شعارات تدين الاحتلال وتستنكر الصمت الدولي، خاصة في ظل التصعيد الإسرائيلي الأخير الذي يستهدف إلى جانب غزة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في خطوة عدوانية مدعومة بشكل سافر من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى الغربية. وقد شهدت الوقفة مشاركة لافتة لعدد من رؤساء الأحزاب والشخصيات الدينية، إلى جانب جمهور غفير من المواطنين والطلاب.
وفي هذا السياق، ألقى عدد من الأئمة كلمات عبّرت عن موقف الشارع الإسلامي الرافض للظلم والمؤازر للمظلوم، مؤكدين “أن نصرة غزة واجب ديني وأخلاقي، وأنّ الأمة لا يجوز لها أن تصمت أمام هذا الإجرام المتواصل”.
كما عبّر بعض القيادات السياسية المشاركة عن رفضهم القاطع لكل أشكال التطبيع، مؤكدين “أن القضية الفلسطينية ستبقى في صدارة أولويات الضمير الحي، وأن موريتانيا الرسمية والشعبية مطالبة بالتمسك بمواقفها التاريخية الداعمة لنضال الشعب الفلسطيني”.
كما شهدت نواكشوط، مساء أمس، وقفة احتجاجية أمام السفارة الأمريكية، نظمتها فعاليات شبابية وسياسية، نددت بالدعم الأمريكي غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي، واستمرار الصمت الدولي إزاء الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في غزة. ورفع المشاركون في الوقفة لافتات تطالب بوقف العدوان، ومحاسبة الاحتلال، ورددوا شعارات تؤكد مركزية فلسطين في الوعي الموريتاني، ورفض كل أشكال التطبيع أو الانحياز للمعتدي.
وفي سياق متصل، نظّمت فعاليات شبابية ومدنية استقبالًا رمزيًا حاشدًا لأعضاء الوفد الموريتاني العائد من مشاركته في “قافلة الصمود البرية” لكسر الحصار عن غزة، حيث عبّر المستقبلون عن فخرهم بمشاركة موريتانيا إلى جانب شعوب عربية وإسلامية في هذا المسعى التضامني العابر للحدود. وقد ألقى أعضاء الوفد كلمات مؤثرة أكدوا فيها أن حضورهم في تلك القافلة كان بمثابة رسالة شعبية واضحة بأن الحصار على غزة لا يعني فقط الفلسطينيين، بل يمثل جرحًا مفتوحًا في ضمير الأمة.
وبالتوازي مع كل ذلك، نظمت المبادرة الطلابية ثاني لقاء حواري مميز بفندق موري سانتر وسط العاصمة، تحت عنوان “الطالبات وأسئلة الأدوار والواجبات في نصرة القدس وفلسطين”، استضافت خلاله الدكتورة تغريد صيداوي والأسيرة المحررة سمر صبيح، وشاركت فيه جمع من الطالبات والمهتمات.
وقد تخللت اللقاء مداخلات من الشيخات والداعيات، أبرزهن الشيخة جميلة بنت الشيخ أحمد الماشطة ذائعة الصيت، التي شددت على محورية دور الفتاة المسلمة في دعم قضايا الأمة، معتبرة أن نصرة فلسطين تبدأ من الوعي، وتنتهي بالفعل الصادق، فيما أشادت الضيفات الفلسطينيات الكريمات بصمود الشعب الفلسطيني، واستعرضن جانبًا من معاناة الأسرى والنازحين، منوهات بأهمية التفاعل الطلابي العربي والموريتاني خاصة مع القضية، وبدور الفتيات في تشكيل وعي مناصر ومستمر.
وتتزامن هذه الأنشطة مع جهود إغاثية نوعية انطلقت منذ أسابيع في إطار الحملة الطلابية الكبرى لإسناد غزة، حيث تم تمويل وتوزيع وجبات غذائية جاهزة للنازحين، بدعم من نساء أهل هودية، إلى جانب توزيع صهاريج مياه الشرب الممولة من نساء قبيلة اسماليل، كما أعلنت نقابة الأطباء الأخصائيين الموريتانيين تكفلها بخمسين يتيمًا من أبناء الأطباء الشهداء الفلسطينيين في غزة، في بادرة تعكس عمق التضامن المهني والإنساني.
وفي إطار الجهود نفسها، شرع المنتدى الإسلامي الموريتاني في حفر وترميم مجموعة من الآبار الارتوازية في عدد من مناطق القطاع، بتمويل كريم من أحد المحسنين الموريتانيين؛ ومن شأن هذه البئر أن توفّر مياه الشرب لعشرات الآلاف من الأسر على المدى البعيد، وتعد هذه المبادرة واحدة من أبرز مشاريع المنتدى في دعم الصمود الفلسطيني، إلى جانب فتح باب التبرع عبر منصاته المالية.
وتبرهن هذه التحركات المتكاملة، من وقفات ولقاءات ومشاريع إغاثية، على أن القضية الفلسطينية لا تزال تحتل مكانتها في الضمير الجمعي الموريتاني، وأن الوعي الشعبي، وخصوصًا في أوساط الطلاب والشباب، يشكل جدار صدّ في وجه حملات التطبيع ومحاولات الالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني.
وفي وقت يسعى فيه الاحتلال لتوسيع دائرة عدوانه واستهداف حلفاء المقاومة، يواصل الموريتانيون بثبات تجديد العهد مع فلسطين، والتأكيد أن غزة ليست وحدها، وأن كل اعتداء على أرضها هو طعنة في قلب الأمة بأسرها.
ويثبت هذا الحراك المتواصل أن القضية الفلسطينية ما زالت حية في وجدان الشعب الموريتاني، وأن المواقف الشعبية تتقدم بثبات رغم خفوت بعض المواقف الرسمية العربية؛ كما يُظهر هذا الحراك الحازم المتواصل منذ أشهر، أن الوعي الطلابي والشبابي يلعب اليوم دورًا رياديًا في كسر الحصار الإعلامي والوجداني المضروب حول غزة.
ومع استمرار المجازر والعدوان، تبقى الكلمة الصادقة والموقف الشعبي الصلب السلاحين الأهم في معركة الصمود حتى يتحقق النصر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس