تحذيرات من اختلال التوازن الديموغرافي في موريتانيا

1
تحذيرات من اختلال التوازن الديموغرافي في موريتانيا
تحذيرات من اختلال التوازن الديموغرافي في موريتانيا

أفريقيا برس – موريتانيا. في وقتٍ تشهد فيه موريتانيا تحولات متسارعة على المستويين الاجتماعي والديموغرافي، تتعالى أصوات ساسة ومفكرين بارزين محذرةً مما يصفونه بـ»الاختلال الخطير في التوازن السكاني»، وسط مخاوف متنامية من أن تتحول البلاد، تحت ضغط الهجرة غير النظامية وتدفقات اللاجئين، إلى ساحة عبور دائمة أو حتى مستقر نهائي لموجات بشرية تهدد بانزياح ديموغرافي يطال جوهر الهوية الوطنية واستقرار الكيان السياسي للدولة.

وقد تنوعت أشكال التعبير عن هذا القلق، بين رسالة صريحة موجهة إلى الوزير الأول حملت نبرة تحذير واستنفار وطني، بالإضافة إلى كتاب فكري وسياسي غير مسبوق للشاعر والروائي المختار السالم، حمل عنوانًا لافتًا: «هذا بيان لسكان هذه الصحراء»؛ كما وُجِّهت رسالة مفتوحة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نبهت إلى نشاط منظمات أوروبية تُتهم بمحاولة زعزعة استقرار موريتانيا عبر ملفات الهجرة والحقوق.

ولم تتوقف التحذيرات عند النخب المحلية، فقد وجه الخبير الاقتصادي البارز الدكتور محمد ولد محمد الحسن، رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية، رسالة مفتوحة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حذر فيها من نشاط منظمات «معادية لموريتانيا» تنشط داخل الأراضي الفرنسية والأوروبية، متهمًا إياها بتأجيج الفتن والطعن في استقرار البلاد عبر خطاب تحريضي يشكك في شرعية مؤسساتها ويهاجم مكوناتها المجتمعية والدينية.

وأكد الحسن أن موريتانيا، رغم هشاشتها، لا تزال «الاستثناء المستقر» في منطقة الساحل، محذرًا من مغبة التغاضي عن التحركات العدائية التي تهدد هذا الاستقرار.

وفي رسالة وجهها لرئيس الوزراء، وصف الوزير السابق والمفكر المعروف اشبيه الشيخ ماء العينين رئيس حزب الجبهة الشعبية ملف الهجرة الذي يشغل موريتانيا حاليًا، بأنه «مركز قلق وطني متنامٍ»، مشددًا على أن تخوفه لا ينبع من مواقف عنصرية أو انغلاقية، بل من «غيرة على الكيان الوطني والأمن القومي».

وأكد أن عدد المهاجرين واللاجئين من جنسيات إفريقية شتى قد تجاوز ما يمكن تحمّله، مستعرضًا أرقامًا صادمة: أكثر من 130 ألف لاجئ مالي (وفق الإحصاء الرسمي)، أو 270 ألفًا حسب مصادر أوروبية، و330 ألف سنغالي حسب القنصل السنغالي الشرفي، عدا عن عشرات الآلاف من جنسيات أخرى، في بلد لا يتجاوز سكانه خمسة ملايين نسمة.

ولم يقتصر القلق على الأرقام فقط، بل تعداه إلى ما اعتبره الوزير السابق «مخططًا يجري في الخفاء»، تقوده أطراف أوروبية ومنظمات غير حكومية وصفها بـ»أذرع الطابور الخامس»، تعمل على إعادة تشكيل التوازن السكاني في البلاد، وربما في عموم منطقة المغرب العربي، خدمة لأجندات جيواستراتيجية تكرّس التبعية وتُفرغ الدولة من مضمونها السيادي.

وتساءل ماء العينين بمرارة: «هل نحن أمام نكبة جديدة تُطبخ على نار باردة؟».

وأطلق الشاعر والروائي المختار السالم أحمد سالم صفارة إنذار مماثلة عبر أول إصدار سياسي له بعنوان «هذا بيان لسكان هذه الصحراء»، خاطب فيه الصحراويين الناطقين بالحسانية (المعروفين محلياً بالبيظان) في عموم المنطقة المغاربية، محذرًا من أن الدولة القُطرية بصيغتها الحالية «إرث استعماري هش»، وداعيًا إلى وحدة مغاربية ذات عمق ثقافي وهوياتي مشترك.

ويحمّل المختار السالم النخب الحاكمة مسؤولية ما يعتبره «ضياع البوصلة»، داعيًا إلى استلهام دروس التاريخ وتفادي مصير مأساوي مشابه لما حصل في فلسطين.

وفي سياق متصل، تصاعدت الانتقادات لنواب محسوبين على التيار اليساري وبعض الحركات المناهضة، اتُّهموا بتبنّي خطاب «لا وطني» يخدم مصالح خارجية، لا سيما في نقاشاتهم البرلمانية حول حقوق المهاجرين.

وعلى مدونة «لخبار تبقى في الدار»، المشهورة بتحليلاتها السياسية وتقاريرها الاستقصائية، هاجم المدون السياسي البارز علي نافع ما سماه «الاستلاب الثقافي والسياسي» لدى بعض النواب، متسائلًا بتهكّم: «هل يُعقل أن يُنتخب نائب ليدافع عن غير الموريتانيين في برلمان وطني؟».

ويشير المراقبون إلى أن هذه الموجة من التحذيرات تعبّر عن حالة قلق متعاظم لدى نخبة سياسية وفكرية موريتانية ترى أن مستقبل موريتانيا كدولة موحدة مهدد بتركيبة سكانية متبدلة وضغوطات خارجية لا تتوقف؛ فيما يعتبر آخرون أن هذه الأطروحات تنطوي على مخاطر تأجيج خطاب الكراهية ضد الأجانب، وتتناسى مسؤولية الدولة في بناء سياسات اندماج شاملة ومتكاملة.

وفي المحصلة، تضع هذه الأصوات المتصاعدة الحكومة الموريتانية أمام معادلة صعبة: بين مقتضيات السيادة الوطنية ومخاوف الهشاشة الاجتماعية، وبين مسؤولياتها الإنسانية والأمنية في مواجهة تحدٍ ديموغرافي يتجاوز الأبعاد التقليدية للهجرة، ليُطرح سؤال وجودي عما إذا كانت البلاد في طريقها إلى فقدان بوصلتها الجغرافية والسياسية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس