تحذيرات من خطر الإرهاب في الساحل وتأثيره على موريتانيا

4
تحذيرات من خطر الإرهاب في الساحل وتأثيره على موريتانيا
تحذيرات من خطر الإرهاب في الساحل وتأثيره على موريتانيا

أفريقيا برس – موريتانيا. يشهد إقليم الساحل الإفريقي تصاعداً غير مسبوق في وتيرة التهديدات الإرهابية، وسط تحذيرات متزايدة من قادة سياسيين وباحثين موريتانيين من انعكاسات هذا التمدد على الاستقرار الإقليمي والأمن الوطني لموريتانيا.

ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه التحديات المرتبطة بانسحاب بعض القوات الدولية، وتنامي نشاط الجماعات المسلحة العابرة للحدود، ما يجعل موريتانيا أمام معادلة دقيقة تتطلب سياسات استباقية تعزز مناعة جبهتها الداخلية وتحافظ على موقعها كاستثناء نسبي في محيط ملتهب.

وأجمع ساسة وباحثون وأكاديميون موريتانيون خلال ندوة علمية، الجمعة، على أن الإرهاب في منطقة الساحل يشهد تصاعدًا خطيرًا قد يهدد استقرار الدول المجاورة، وفي مقدمتها موريتانيا، ما لم تُعتمد حلول جذرية تراعي البعد السياسي والاجتماعي والعرقي للأزمة.

وشارك في هذه الندوة التي نظمها المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية بعنوان «الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.. الأبعاد والانعكاسات»، نخبة من الباحثين من داخل موريتانيا وخارجها.

واستعرض الباحث والإعلامي الموريتاني البارز محمد محمود أبو المعالي، خريطة التنظيمات المسلحة في المنطقة الساحلية، مشيرًا إلى أن نيجيريا وحدها تحتضن ثلاث جماعات بارزة أبرزها بوكو حرام، التي نشأت في أواخر التسعينيات تحت اسم «طالبان نيجيريا» قبل أن تبايع تنظيم داعش؛ كما تحدث عن جماعة أنصار الإسلام في بلاد السودان ذات الارتباط الوثيق بقبائل الكانوري.

وبشأن مالي، أوضح أبو المعالي أن البلاد مقسمة إلى بؤر نفوذ متعددة، منها منطقة ماسينا حيث تنشط كتائب نصرة الإسلام والمسلمين، إضافة إلى كيدال شمالًا، وإمارة گاوا التي تضم عناصر رفضت مبايعة داعش، وإمارة الصحراء المتمركزة في الشمال الغربي. أما في بوركينا فاسو، فأكد أن معظم مقاتلي الجماعات المسلحة ينحدرون من قومية الفلان، الأمر الذي عمّق البعد العرقي للأزمة.

وركز الباحث الموريتاني الشهير المختار أوفى، على الوضع في بوركينا فاسو، مبرزًا «أن موريتانيا شهدت خلال الفترة الأخيرة مقتل نحو 1907 أشخاص بفعل هجمات متصاعدة تنفذها تنظيمات على رأسها داعش والقاعدة».

وأوضح أوفى «أن المدنيين أصبحوا الهدف الأول لهذه الهجمات بنسبة تقارب 70%، ما يعكس تحولًا في طبيعة عمل الجماعات المسلحة».

وأضاف «أن هشاشة الدولة، وتفشي الفقر، وضعف الجيوش المحلية، كلها عوامل ساهمت في تفاقم الوضع الأمني وسهّلت عمليات التجنيد؛ كما لفت إلى أن إقصاء بعض المكونات من حقوقها الثقافية واللغوية يغذي نزعات الانقسام والانفصال».

واعتبر الأكاديمي المالي علي عثمان سنكري، أن الحرب في بلاده اتخذت أبعادًا متباينة؛ فهي ذات خلفية سياسية إيديولوجية في الشمال، بينما تتحول في الوسط إلى نزاع عرقي، خاصة مع تصاعد هجمات ماسينا على منطقة خاي والطريق المؤدي إلى العاصمة باماكو.

وأشار إلى أن هذه الجماعات تلجأ إلى تدمير المحاصيل الزراعية ومحاصرة القرى وقطع أرزاق السكان، في حين تُتهم القوات الحكومية أحيانًا بممارسات نهب وسلب.

وانتقد سنكري غياب التعليم الديني عن النظام التربوي المالي رغم أن المسلمين يشكلون 94% من السكان، معتبراً أن ذلك أسهم في بروز فراغ تستغله الجماعات المتشددة.

وأكد أن 90% من عناصر هذه التنظيمات هم من أبناء مالي، ما يجعل الحل العسكري وحده غير كافٍ دون فتح قنوات للحوار مع القوى المحلية.

وفي مداخلة عن بُعد من بريطانيا، شدد الناشط الطارقي أكلي شكا، على أن أي تسوية للأزمة لن تكون ممكنة دون الاعتراف بحق الشعب الأزوادي في تقرير المصير، محمّلًا ما وصفها بـ «الطغمة الانقلابية» في باماكو مسؤولية الأوضاع الراهنة؛ كما حذر من أن تداعيات الأزمة قد تصل إلى موريتانيا إذا لم يتم التحرك في الوقت المناسب.

وتظهر التحذيرات التي أطلقها الساسة والباحثون الموريتانيون أن التهديد الإرهابي في الساحل لم يعد شأناً إقليمياً فحسب، بل أصبح قضية وطنية تستوجب حشد كل الأدوات الأمنية والفكرية والتنموية لمواجهته.

وبينما تملك موريتانيا رصيداً من التجارب الناجحة في تفكيك الفكر المتطرف وتعزيز التماسك الاجتماعي، فإن المرحلة المقبلة تتطلب وعياً أعمق بترابط الأمن الداخلي بالتحولات الإقليمية، ورؤية شمولية تجعل من التنمية والعدالة الاجتماعية سلاحاً موازياً للأدوات الأمنية. فالتحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على الاستقرار الوطني في وجه رياح مضطربة تهب من عمق الساحل.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس