أفريقيا برس – موريتانيا. يتصاعد الجدل في موريتانيا حول كيفية تسيير ملف المهاجرين غير النظاميين، وسط انتقادات متزايدة من جبهة «أمل موريتانيا» الناشطة ضمن المعارضة المتشددة والتي أثارت شبهات حول غياب الشفافية في المعالجة الأمنية وفي المعاملة الإنسانية للملف.
وقد وصل هذا الجدل إلى قبة البرلمان، حيث خضع وزير الداخلية، محمد أحمد ولد محمد الأمين، لاستجواب مباشر ومثير من طرف البرلمانية المعارضة عن جبهة «أمل موريتانيا»، كادياتا مالك جالو، التي عبرت في استجوابها للوزير عن قلقها مما وصفته بـ«تنامي الانتهاكات» و«استغلال الملف لأغراض سياسية وأمنية».
وتحدثت النائبة كادياتا مالك جالو، في سؤالها الشفهي لوزير الداخلية حول ملف الهجرة غير النظامية، عما سمتها «الممارسات المأساوية داخل مفوضيات الشرطة، وخلال عمليات توقيف المهاجرين غير النظاميين».
وأعربت النائبة عن قلقها من «تكدس أعداد كبيرة من الأشخاص» داخل مفوضيات الأمن، مشيرة إلى «ممارسة التعذيب في بعض الأحيان»، وتساءلت: «هل وزارة الداخلية على اطلاع بتلك الممارسات المأساوية، وما هي التدابير التي يجب اتخاذها من أجل وضع حد لتلك المسلكيات؟».
وفي رده أمام النواب، دافع وزير الداخلية عن أداء السلطات، مؤكدًا أن الحكومة تتعامل مع قضية الهجرة غير النظامية في إطار من «السيادة والمسؤولية»، مع احترام الالتزامات الدولية للبلاد في مجال حقوق الإنسان.
وأشار الوزير «إلى أن موريتانيا تواجه ضغوطًا متزايدة بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها نقطة عبور رئيسية نحو أوروبا»، لافتًا «إلى وجود تعاون مع شركاء أوروبيين لمكافحة شبكات التهريب وحماية الحدود». ونفى وجود الممارسات التي تحدثت عنها النائبة في سؤالها، مؤكدًا أن «جهاز الشرطة يعتبر صمام أمان للمواطنين والمقيمين وممتلكاتهم»، ومشددًا على أن «الحديث عن هذه الممارسات ادعاء غير مؤسس وليس مبنيًا على أدلة أو قرائن أو تقارير منظمات محايدة». وأوضح الوزير «أن الحكومة قامت بتحسين ظروف الموقوفين داخل المفوضيات، من خلال تشييد قاعات حجز بمواصفات لائقة، وتوفير دورات مياه صحية، وإتاحة العلاج، واستحداث كاميرات مراقبة لضمان الشفافية».
وأشار «إلى أن أماكن الاحتجاز تخضع لرقابة مستمرة من وكيل الجمهورية، والآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والمرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة، بالإضافة إلى زيارات مفاجئة من منظمات وطنية ودولية».
وحول موضوع ترحيل المهاجرين غير النظاميين، قدّم وزير الداخلية الموريتاني محمد أحمد ولد محمد الأمين أمام البرلمان، مرافعة مطوّلة استعرض فيها خلفيات القرار، وأبعاده القانونية والإنسانية، منتقدًا ما اعتبرها «مصطلحات مشحونة» استخدمتها النائبة، من قبيل «الطرد» و«الانتهاكات»، مؤكدًا «أن ما جرى لا يخرج عن كونه إجراءات قانونية معتادة لضبط وضعية الأجانب على التراب الوطني، ويمثّل جزءًا من استراتيجية شاملة لمكافحة الهجرة غير النظامية تحترم السيادة الوطنية والمواثيق الدولية».
وأكد «أن موريتانيا تحتضن ثلاثة أصناف من الأجانب: لاجئون غالبيتهم من دول تعاني أوضاعًا أمنية حرجة، يتم استيعابهم في المخيمات، ومقيمون شرعيون يشاركون في الحياة الاقتصادية للبلد ويُعاملون بكل ترحيب، ومهاجرون غير شرعيين دخلوا البلاد بطرق غير قانونية».
ولفت «إلى أن الفئة الأخيرة هي المعنية بالإجراءات الأخيرة وأن الترحيلات تمت في ظروف إنسانية محترمة، داخل مراكز إيواء مجهزة توفر للمعنيين الإعاشة والرعاية الصحية والحماية الأمنية، وقد تم ذلك بالتعاون مع سفارات بلدانهم وروابط جالياتهم».
وأشار الوزير «إلى أن السلطات كانت قد أطلقت في الفترة ما بين يونيو 2022 وفبراير 2023 حملة لتسوية أوضاع الأجانب، شملت أكثر من 136 ألف شخص مُنحوا إقامات مجانية وقابلة للتجديد دون شروط مسبقة، إلا أن عددًا منهم لم يستفد من هذه المبادرة لأسباب مشبوهة أو لعدم التزامه بالإجراءات».
وأضاف «أن الإجراءات الحالية تأتي استكمالًا لتلك الجهود، وتهدف لحماية المجتمع ومكافحة شبكات تهريب المهاجرين التي باتت تنشط بشكل مقلق داخل البلاد».
وأوضح الوزير «أن التحريات الأمنية كشفت خلال الفترة الأخيرة عن تزايد عمليات التهريب عبر الشواطئ، حيث تم في عام 2024 إحباط 69 محاولة للهجرة السرية (34 من نواكشوط و35 من نواذيبو)، إضافة إلى تفكيك أكثر من 140 شبكة تهريب، بعضها يضم موريتانيين، وتم توقيف عشرات المتهمين من جنسيات إفريقية وآسيوية».
واعتبر «أن ما يجري لم يعد هجرة فردية بل نشاط منظم عابر للحدود يستوجب المعالجة الصارمة».
كما شدد ولد محمد الأمين التأكيد «على أن موريتانيا، رغم تشديدها في الإجراءات، ظلت حريصة على احترام الكرامة الإنسانية، إذ تم ضمان حقوق المرحّلين، والسماح لهم بالاحتفاظ بأغراضهم الشخصية، وترحيلهم في ظروف لائقة عبر وسائل نقل مريحة»، مؤكدًا «أن هذه المعايير تم التحقق منها من قبل هيئات وطنية كهيئة حقوق الإنسان، وآلية مناهضة التعذيب، ومرصد حقوق المرأة، إلى جانب سفراء دول المعنيين، الذين أبدوا ارتياحهم للإجراءات المتبعة».
وختم الوزير «مداخلته بالإشادة بالقوات الأمنية الوطنية التي تسهر، حسب قوله، على تأمين البلاد وضبط حدودها»، مؤكدًا «على مهنية عناصرها وتضحياتهم الكبيرة في سبيل مكافحة الهجرة غير النظامية».
كما نوه الوزير بدور الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة، التي طورت أنظمة حديثة كـ»الخاطر» و»ديّار» وتطبيق «هويتي»، ما عزز من فعالية المراقبة والتقييد، وسمح بتحقيق قدر كبير من الضبط والشفافية في التعاطي مع ملف الهجرة.
لكن المعارضة شددت في نقاشها لهذه القضية «على أن هذا التعاون لا ينبغي أن يتم على حساب الكرامة الإنسانية»، مطالبة «بكشف تفاصيل الاتفاقات الأمنية مع الاتحاد الأوروبي، وتوفير معاملة إنسانية للمهاجرين الموقوفين، وضمان رقابة مستقلة على مراكز الاحتجاز».
يأتي هذا الجدل في سياق تصاعد الضغوط على موريتانيا، التي أصبحت بلد عبور واستقرار للمهاجرين غير النظاميين، حيث أشار الوزير إلى أن عدد المهاجرين المبعدين في الأشهر الثمانية الماضية بلغ 10,753 مهاجرًا، بزيادة 14% عن السنة التي قبلها.
وفي ظل هذه التحديات، أكدت وزارة الداخلية في بيان سابق «أن موريتانيا لن تكون وطنًا بديلًا للمهاجرين غير الشرعيين»، نافية ما يتداول «حول التوجه لجعل البلاد مكانًا لتوطين أو استقبال أو إيواء المهاجرين الأجانب غير الشرعيين».
ويستمر النقاش داخل الأوساط السياسية والحقوقية حول كيفية تسيير ملف المهاجرين غير النظاميين، وسط دعوات لضمان احترام حقوق الإنسان، وتحقيق التوازن بين المتطلبات الأمنية والاعتبارات الإنسانية.
ويأتي هذا النقاش في سياق إقليمي ودولي مضطرب، حيث تشهد الهجرة غير النظامية من دول إفريقيا جنوب الصحراء نحو أوروبا وعبر موريتانيا موجات متزايدة، ما يضع البلدان الواقعة على طرق العبور تحت ضغوط أمنية وسياسية متصاعدة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس