حوار موريتانيا السياسي يبدأ مطلع العام المقبل

1
حوار موريتانيا السياسي يبدأ مطلع العام المقبل
حوار موريتانيا السياسي يبدأ مطلع العام المقبل

أفريقيا برس – موريتانيا. في موريتانيا، حيث لا تزال السياسة تُدار على إيقاع الحذر والتوجس، عاد الحديث عن «الحوار الوطني» ليشعل النقاش من جديد، بين من يرى فيه بوابة لتصحيح المسار الديمقراطي، ومن يعتبره مجرد جولة جديدة من اللقاءات الشكلية التي لا تُفضي إلى نتائج ملموسة.

ومع إعلان انطلاقة هذا الحوار مطلع العام المقبل، حسبما ذكره منسقه الوطني، تبدو التحديات أكبر من مجرد تحديد موعد، إذ يشترط المنظمون الإجماع في المخرجات، بينما يلوّح نواب المعارضة بشكوكهم في جدّية المسار برمّته.

ليعلن انتهاء المرحلة الأولى، وليؤكد أن غالبية الطيف السياسي متحمسة للحوار، فاجأ أربعة نواب بارزون في صف المعارضة الرأي العام ببيان أكدوا فيه «أنهم تابعوا باهتمام مسار ما سمي بالحوار الوطني الشامل؛ لكن، يضيف النواب الأربعة «اتضح منذ بداية التحضير للحوار أنه يفتقر إلى شروط الشمول والجدية، وقد نبهنا إلى ذلك في حينه، لأن البدايات الفاسدة لا يمكن أن تفضي إلى نهايات سليمة».

والنواب الأربعة الشبان الذين وقعوا هذا البيان هم محمد بوي الشيخ محمد فاضل، وخالي جاللو، ويحي اللود، ومحمد الأمين سيدي مولود.

«واليوم، يضيف النواب، ومع إسدال الستار على ما اعتبره منسقه مرحلته الأولى وتسلمه مقترحات بعض القوى السياسية دون بعضها، نؤكد أن موقفنا من هذا المسار لم يتغير منذ بياننا الأول، إذ ما زلنا نرى أن النظام لم يبد الجدية المطلوبة، ولم يظهر الإرادة السياسية الكفيلة بإقناع جميع شركاء الوطن بالمشاركة في حوار حقيقي، خاصة في ظل تجارب سابقة أثبتت نكوصه المتكرر عن التزاماته».

الرافضون أكثر مما قيل وأضاف البيان: «لقد بدا جلياً أن ما زعمه النظام من تحضير الحوار بدأ بمغالطة الرأي العام ورئيس الجمهورية، حيث زعم أن حزبين فقط من كافة الطيف السياسي يقاطعان هذا الحوار؛ والواقع أن القائمة أطول كثيراً من ذلك غير أننا نلتمس العذر لمنسق الحوار الذي أعلن في يومه الأول، أنه لا يعرف الخارطة السياسية حتى يتواصل مع الجميع».

«إنما يهم الشعب الموريتاني اليوم، يضيف النواب، ليس حواراً شكلياً جديداً، بل معركة حقيقية لا هوادة فيها ضد الفساد الذي ينخر جسم الدولة ويقوض ثقة المواطنين في مؤسساتها ويقضي على كل أمل في التنمية».

وزاد النواب: «نؤكد رفضنا القاطع للتغطية على الفساد من خلال محاولة صرف انتباه الرأي العام عن الفضيحة الكبرى التي كشفتها تقارير محكمة الحسابات، عبر نقاشات شكلية أو تحركات سياسية سطحية؛ فالتقارير الصادمة للمحكمة لا يمكن طيها أو التستر عليها، لأن الشعب الموريتاني مصمم على مواصلة الضغط من أجل محاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة».

وشدد النواب الأربعة التأكيد على «أن الحوار الحقيقي هو حوار يعالج جذور الفساد، ويضع حداً لنزيف المال العام الذي ينعكس على التعليم والصحة والأمن والخدمات، لا حوار لتبادل المجاملات أو توزيع الغنائم السياسية؛ والشعب الموريتاني لن يقبل أن يستدرج مرة أخرى إلى مسارات شكلية تستخدم لذر الرماد في العيون، فالإصلاح يبدأ من الاعتراف بالفساد ومحاسبة المتورطين فيه، لا من تبييضهم أو مكافأتهم بمناصب جديدة».

وكان منسق الحوار الوطني الشامل في موريتانيا موسى فال، قد أكد في تصريحات صحافية «أن طلب الحوار قوي جداً لدى مختلف الأطراف السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات المستقلة التي التقاها خلال المرحلة التحضيرية الأولى». وأوضح «أن هذا الحوار يأتي كمبادرة شخصية من الرئيس، الذي كلفه قبل سبعة أشهر بقيادة التحضيرات»، مشيراً إلى «أن الرئيس التزم بتطبيق كافة التوصيات التوافقية التي ستُعتمد».

وعقد موسى فال خلال الأشهر السبعة الماضية، سلسلة لقاءات مع مئات الفاعلين السياسيين بمن فيهم مرشحون لرئاسيات سابقة، وشخصيات مستقلة، ومنظمات مجتمع مدني؛ و»كلهم عبّروا، حسب المنسق، عن رغبة واضحة في الانخراط بالحوار، وبعثوا إجابات مفصلة على استبيانات وُزعت عليهم».

وقال: «بعد إعداد خريطة طريق للحوار وبعد أن سلمتها للرئيس، فمهمّتي انتهت عند هذا الحد».

ورغم التفاؤل، أعلن موسى فال بأسف عن تحفظات من بعض الأطراف، وعلى رأسها حزب تحالف العدالة والديمقراطية ومحور النائب بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، اللذان لم ينضما رسمياً للحوار بعد، رغم اللقاءات المتعددة»؛ مضيفاً قوله: «رغم ذلك قنوات الاتصال لا تزال مفتوحة، وسأواصل السعي لإقناعهما بالانخراط والدفاع عن برامجهما داخل الحوار».

وأكد موسى فال «أن نتائج المشاورات أظهرت أن 75٪ من المجيبِين اعتبَروا أن معالجة قضية العبودية ومخلفاتها أولوية وطنية عاجلة، فيما رأى 72٪ أن تسوية الإرث الإنساني تمثّل ركيزة لتماسك واستقرار البلد».

وقال: «هذه النسب تُعبّر عن وعي وطني بأن الظروف باتت مهيأة لحوار مثمر وصادق».

وعبّر موسى فال عن أمله «بأن يكون هذا الحوار خطوة نحو اعتراف جماعي بجراح الماضي وفتح صفحة جديدة عنوانها «المصالحة والعدالة التاريخية».

وتعكس هذه الدعوة إلى الحوار الوطني في موريتانيا تحوّلاً يُحتمل أن يكون مفصلياً، لكنّه يأتي أيضاً محاطاً بتحديات جدّية.

وأكد المنسّق «أن خريطة الطريق التي سلمها للرئيس الغزواني تشمل عدداً من المحاور بينها معالجة آثار العبودية ومخلفاتها، ومكافحة التمييز المبني على الأصل، وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال إصلاح التعليم، الاعتراف باللغات الوطنية، وتوسيع المشاركة السياسية للمكونات المختلفة، وإصلاح منظومة الحوكمة بما في ذلك استقلال القضاء، ومكافحة الفساد، وضمان الشفافية وإعادة النظر في العملية الانتخابية لضمان نزاهة التمثيل والمشاركة، ومعالجة مطالب أحزاب المعارضة حول قانون الأحزاب وقانون الانتخابات.

ومن خلال تصريحات المنسق العام للحوار الوطني، موسى فال، يتضح أن السلطات الموريتانية تراهن على هذا المسار الجديد لتصحيح أخطاء الماضي واستعادة الثقة بين الدولة والمجتمع السياسي والمدني.

شروط النجاح

لكنّ المتابعين يرون أن نجاح الحوار لن يتحقق إلا إذا تحوّل من مجرد آلية تشاورية إلى عملية سياسية ملزمة بنتائجها، تُفضي إلى إصلاحات مؤسسية حقيقية في مجالات العدالة، وتكافؤ الفرص، والحكامة الرشيدة، ومكافحة الفساد، والتمثيل السياسي العادل.

كما أن إشراك كل الأطراف دون إقصاء، ولا سيما القوى المعارضة المتحفظة، يُعد شرطاً ضرورياً لضمان مصداقية الحوار وفاعليته.

وفي المقابل، يرى مراقبون أن التزام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بتطبيق جميع التوصيات التوافقية يمثل مؤشراً إيجابياً على جدية الدولة في السير نحو حوارٍ منتِج.

ويُجمع كثير من الفاعلين على أن هذا الالتزام، إن تُرجم إلى أفعال ملموسة، قد يشكّل منعطفاً تاريخياً نحو مصالحة وطنية شاملة تُعيد بناء الثقة وتُرسخ العدالة الاجتماعية، وتضع موريتانيا على مسار استقرار سياسي وتنموي دائم.

فهل يكون هذا الحوار الذي تنتظره موريتانيا، خطوة نحو توافق وطني شامل؟ أم تكراراً لدائرة النقاشات التي تبدأ بزخم إعلامي وتنتهي بلا أثر سياسي يُذكر؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس