ردود فعل متباينة حول حكم الرئيس السابق لموريتانيا

2
ردود فعل متباينة حول حكم الرئيس السابق لموريتانيا
ردود فعل متباينة حول حكم الرئيس السابق لموريتانيا

أفريقيا برس – موريتانيا. أثار الحكم القضائي الصادر بحق الرئيس الموريتاني السابق، محمد ولد عبد العزيز، في نهاية محاكمته الموصوفة بـ «محاكمة القرن»، ردود فعل واسعة ومتباينة في الأوساط السياسية والشعبية والقانونية؛ بين من يرى فيه محطة فاصلة في مسار مكافحة الفساد وترسيخ دولة القانون، ومن يعتبره انتقائياً وذا طابع سياسي يضرب في العمق مبدأ المحاكمة العادلة.

وفيما شددت هيئة الدفاع على الطعن في الحكم واتهامها للسلطات بتسييس الملف، خرج أنصار وأقرباء الرئيس السابق في احتجاجات رافضة لما وصفوه بـ «الاستهداف الممنهج لرمز من رموز الدولة ولأحد أبرز أبنائها المخلصين».

وأسدلت الغرفة الجزائية الجنائية بمحكمة الاستئناف في نواكشوط الستار على واحدة من أبرز القضايا السياسية والقضائية في تاريخ البلاد، بإصدارها حكماً نهائياً فيما يُعرف بملف العشرية، الذي يتصدره الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعدد من كبار معاونيه ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين، وذلك بعد نحو ستة أشهر من الجلسات والمداولات التي تخللتها طعون دستورية وتوقفات متكررة.

وشكل الحكم الصادر نقلة نوعية في تعاطي القضاء الموريتاني مع قضايا الفساد على مستوى هرم السلطة، حيث رفضت المحكمة في منطوق قرارها، طلبات استئناف للنيابة في حق عدد من المشمولين بالملف، وشددت العقوبات في حالات متهمين آخرين.

وأصدرت محكمة الاستئناف المختصة في قضايا الفساد حكمًا نهائيًا بإدانة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بارتكاب جرائم استغلال النفوذ، وإساءة استعمال الوظيفة، وإخفاء العائدات الإجرامية، وذلك بموجب القوانين الموريتانية المتعلقة بمكافحة الفساد وغسل الأموال.

وحكمت عليه بالسجن النافذ لمدة خمس عشرة سنة، بالإضافة إلى إلزامه بدفع تعويض قدره 100 مليون أوقية للدولة الموريتانية، عن الأضرار المترتبة على أفعاله.

كما قررت المحكمة تأكيد الأحكام الصادرة بحق متهمين آخرين في الملف، من ضمنهم محمد سالم أحمد إبراهيم فال وهو من أعوان الرئيس السابق، ومحمد سيد امبارك امصبوع (صهر الرئيس السابق)، مع تحميلهم جميعًا الرسوم والمصاريف القضائية، والتي قُدرت بمليوني أوقية لكل واحد منهم لصالح الخزينة العامة.

وكانت المحكمة الابتدائية قد أدانت الرئيس السابق، من قبل، بالسجن خمس سنوات، مع مصادرة ممتلكاته وفرض غرامة مالية كبيرة وحرمانه من حقوقه المدنية.

وقررت المحكمة إلغاء الحكم الابتدائي القاضي بإبطال إجراءات المتابعة بحق «هيئة الرحمة» وهي منظمة غير حكومية تابعة لأسرة الرئيس السابق، وأصدرت حكمًا جديدًا يُدين الهيئة بارتكاب جريمتي غسل الأموال والإخلال بالواجبات القانونية، وذلك استنادًا لأحكام القانون رقم 2019/017، خاصة المواد 2 و40 و45.

وقضت المحكمة بحل الهيئة بشكل نهائي، ومعاقبتها بالغرامة المقررة قانونًا، ومصادرة جميع ممتلكاتها، مهما كانت طبيعتها، لصالح الخزينة العامة للدولة، باعتبارها متحصلات ناتجة عن أنشطة غير مشروعة.

وفي المقابل، ثبتت المحكمة حكم الإدانة السابق في حق رجل الأعمال محمد الأمين ولد بوبات، والمقاول يعقوب ولد العتيق، حيث قضت بسجن الأول سنتين مع وقف التنفيذ، والثاني سنتين بينها ستة أشهر نافذة، بتهمة إخفاء عائدات جرمية.

أما في جانب البراءات، فقد رفعت الغرفة عدد المبرئين إلى ستة متهمين، بعد أن ألغت حكم الإدانة بحق الرئيس السابق للمنطقة الحرة محمد ولد الداف، وبرأت الوزيرين الأولين السابقين يحيى ولد حدمين ومحمد سالم ولد البشير، إلى جانب وزراء ومديرين آخرين.

وجاءت ردود الفعل على الحكم متباينة بشدة، حيث وصف رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس السابق المحامي محمدن ولد اشدو، الحكم بأنه مشوب بعدم الاختصاص وينتهك المادة 93 من الدستور وقرار المجلس الدستوري الأخير، مشدداً على أن فريق الدفاع متمسك بجميع الوسائل القانونية للنقض، وأن الحكم لا يستند إلى أساس واقعي أو قانوني، بل جاء منبتًّا عن النقاشات التي دارت داخل قاعة المحكمة.

ومن جهة أخرى، أعرب منسق هيئة الدفاع عن الدولة، المحامي إبراهيم ولد ابتي، عن رضاه المبدئي عن الحكم، مشيراً إلى أن فريقه اعتمد على الوقائع والحسابات والأموال المصادرة، وتجنب التسييس الذي اتهم به دفاع الرئيس السابق.

وأكد المنسق «أنهم سيقررون لاحقاً، بالتشاور مع موكلهم، ما إذا كانوا سيتجهون للطعن في الحكم أم لا».

وفي تصعيد لافت، اتهم المحامي فضيلي ولد الرايس الرئيس السابق وأسرته المباشرة وأبناء عمومته بنهب المال العام والاستفادة الحصرية منه، مستدلًا بأدلة وقرائن تخص عقارات وأرصدة، ومشدداً على أن الوزراء الذين تمت تبرئتهم لم يستفيدوا من الأموال العامة، بل إن دفاعهم طالب ببراءتهم منذ البداية. وانتقد ولد الرايس اختيار الرئيس السابق لمحاميه محمدن ولد اشدو، وذهب إلى حد اتهامه بالمشاركة في الدفاع سابقًا عن مسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، في إشارة أثارت الكثير من الجدل.

وبينما يرى مراقبون أن الحكم يؤسس لمرحلة جديدة من المساءلة القضائية في موريتانيا، خصوصاً فيما يتعلق بمحاسبة أعلى المستويات في السلطة التنفيذية، يرى آخرون أن الملف لم يبلغ بعد نهايته القانونية، وأن الطريق لا يزال مفتوحًا أمام الطعن أمام المحكمة العليا، وسط تجاذبات سياسية وقانونية حادة، وتداخل لافت بين المعطى القضائي والسياق السياسي في البلاد.

والحقيقة أن هذه المحاكمة التي يعتبرها الكثيرون «محاكمة القرن» في موريتانيا، قد كشفت عن مفترق طرق حاسم في مسار العدالة وفي تعاطي الدولة مع ملفات الفساد الكبرى: فبينما يرى مؤيدو الحكم أن إدانة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وأنصاره تمثل انتصارًا لهيبة القضاء وتجسيدًا لمبدأ المساءلة دون حصانة، يصفها خصومهم بأنها محاكمة سياسية بغطاء قانوني تستهدف تصفية حسابات مع النظام السابق.

ويعكس هذا التباين في المواقف أزمة ثقة أعمق في النظامين القضائي والسياسي، ويطرح تساؤلات جوهرية: فهل تمثل هذه الأحكام بداية ترسيخ لقضاء مستقل قادر على التصدي للفساد أياً كان مصدره، أم أنها تؤسس لسابقة قد تُستغل مستقبلاً لتقويض الخصوم السياسيين تحت غطاء قانوني؟

ومع بقاء باب الطعون الدستورية مفتوحاً، فإن مصير هذا الملف لا يزال مرشحاً لمزيد من الجدل، بينما تبقى الرهانات الأكبر معلّقة على قدرة الدولة على تحقيق العدالة دون الانتقائية، وعلى بناء توافق سياسي يحول دون إعادة إنتاج الأزمة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس