
أفريقيا برس – موريتانيا. عدة مواقف، اعتبر المراقبون أن موريتانيا سجلتها من خلال مشاركتها وهي التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، في القمة السادسة عشرة لمجموعة “بريكس”، التي اختتمت الخميس بقازان تحت شعار “التعاون المتعدد الأطراف: من أجل أمن وتنمية عادلة دوليين”.
فقد قام الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، على هامش القمة، بتنشيط علاقات موريتانيا مع روسيا من خلال اجتماع مع الرئيس الروسي السيد فلاديمير بوتين بحضور كبار معاونيهما، حيث أكدت الرئاسة الموريتانية أن لقاء الغزواني مع بوتين “خصص للتباحث حول العلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين الصديقين، وسبل تعزيز التعاون وفرص الاستثمار المتبادل فيهما؛ كما تم التطرق للقضايا الإفريقية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
ويرى المراقبون أن تنشيط العلاقة مع روسيا أمر بالغ الحساسية والأهمية في الظرف الحالي، بالنظر لحضور روسيا اللافت في الساحل الإفريقي، شريكةً لدولة مالي المحاذية لموريتانيا، ولدولتي النيجر، وبوركينافاسو، وهي الدول الثلاث المنسحبة من مجموعة دول الساحل الخمس التي تعتبرها موريتانيا إطاراً لا غنى عنه لتنسق الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب وتحقيق التنمية.
لكن الموقف الآخر المهم في هذه المشاركة هو الانتقادات التي وجهها الرئيس ولد الغزواني بصفته رئيساً دورياً للاتحاد الإفريقي، للصيغ الراهنة لمنظومة الحكامة السياسية الدولية، حيث أكد في مداخلة أمام القمة “أنه رغم أن مراجعة منظومة الحكامة المالية الدولية أمر لا غنى عنه، فإن إعادة صياغة قواعد الحكامة السياسية الدولية أكثر إلحاحاً، إذ بها تناط مسائل الأمن والسلم الدوليين”، حسب تعبيره.
وقال “إن منظومة الحكامة السياسية الدولية في صيغتها الراهنة، يطبعها الكثير من الحيف والكيل بمكاييل متفاوتة، على حساب الدول الأكثر ضعفاً، والأقل نمواً في الغالب؛ وإن ازدواجية المعايير هذه، بما تنطوي عليه، موضوعياً، من تغافل عن القيم الإنسانية الجامعة والقرارات والمعاهدات الدولية هي ما يفسر اليوم مثلاً، عدم ضغط المجتمع الدولي بالقوة اللازمة لإيقاف ما نشهده من مجازر وحشية في فلسطين ولبنان”.
“كما أن ضعف التضامن الدولي والتعاون المتعدد الأطراف، يضيف الرئيس الغزواني، هو ما يفسر بعض جوانب عجزنا إلى الآن، في القارة الإفريقية عن القضاء على العنف وعلى الإرهاب الذي يهدد أمننا واستقرارنا ويعيق جهودنا الإنمائية”.
وقال: “إن قيام استقرار وأمن دوليين، بنحو مستديم، كما يدعو إليه شعار قمتنا هذه، يتطلب احتراماً صارماً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني المترجم لقيمنا الإنسانية الجامعة، كما يتطلب أعلى مستويات التضامن الدولي والتعاون المتعدد الأطراف”.
وزاد: “ومن ثم فإنه يتعين علينا جميعاً تعميق الوعي بوحدة المصير الإنساني، وبأنه ليس ثمة من مقاربة ناجعة لقضايا الأمن والسلم غير المقاربة الجماعية التضامنية والمتعددة الأبعاد؛ فلن ينعم أي منا بسلام مستديم إلا بقدر ما ينعم الآخرون به كما دأبنا على تأكيد ذاك في مختلف المناسبات”.
وأضاف: “لا بد إذنْ، من تعزيز التعاون المتعدد الأطراف والتضامن الدولي والعمل على إصلاح الحكامة السياسية الدولية لتصير أكثر عدلاً وتوازناً وتمثيلاً للدول الأقل نمواً ومراعاة لحقوقها وأولوياتها، وفي هذا الإطار، أود أن أجدد من هذا المنبر، الدعوة إلى منح القارة الإفريقية مقعدين دائمين في مجلس الأمن، لتمكينها من إسماع صوتها وضمان مراعاة أولوياتها في الأجندات الدولية”، مضيفاً قوله: “ونحن في الاتحاد الإفريقي نعول كثيراً في تحقيق هذا المطلب على دعم مجموعة بريكس والجنوب العالمي عموماً”.
ووصف ولد الغزواني مجموعة بريكس بأنها اليوم “إحدى أهم منصات ترقية التعاون المتعدد الأطراف، وخاصة فيما بين دول الجنوب العالمي”؛ مؤكداً “أن التوسع التدريجي لهذه المجموعة، وتباين المستويات التنموية في الدول الأعضاء وتلك الساعية إلى العضوية، لينم عن قناعة المجموعة، بأن التنمية والتطور ليسا ميزة محفوظة لدول دون غيرها، بل هما حق لكل الدول، مهما تباينت مستوياتها وسياقاتها التنموية، ولذا يجب الإصغاء إليها كلها، ومراعاة أولوياتها وحاجاتها الإنمائية الأساسية”.
وأضاف: “فالتنمية لا تكون ناجعة مستدامة، إلا بقدر ما تكون شاملة، قائمة على تضامن وتعاون دولي راسخ، وإن هذا المبدأ العام هو أساس مقاربتنا في الاتحاد الإفريقي، لسبل تحقيق أهداف التنمية المستدام؛ فنحن نعتقد أن التعثر والبطء في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والعجز القائم عن رفع التحديات الجسيمة، الأمنية، والاقتصادية، والبيئية، التي تواجه العالم، مرده، في جزء معتبر منه، إلى ضعف مستوى التعاون المتعدد الأطراف، واختلالات منظومة الحكامة الدولية، المالية والسياسية، والنقص البين في التضامن وتضافر الجهود، إقليمياً ودولياً”.
“ولذا، فإن العالم اليوم، وخاصة قارتنا الإفريقية، يقول الرئيس الموريتاني، لفي أمس الحاجة إلى بعث ديناميكية جديدة، في التعاون المتعدد الأطراف والتضامن والتآزر الدوليين، وهو ما يوجب حتماً إعادة صياغة قواعد الحكامة الدولية، المالية والسياسية”.
وقال “إنه من الصعب على دولنا الإفريقية استغلال فرصها الإنمائية الكبيرة، وتحرير إمكاناتها الهائلة، لصالح التطور والنماء مع استمرار مشكلة المديونية التي تعيق بقوة جهودها التنموية، ونظام المساعدة العمومية للتنمية القائم الذي أثبت قصوره عن تحقيق الأهداف المبتغاة منه، وكذلك مع ضعف تمثيل القارة في المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، الذي لا يتيح لها ضمان مراعاة الأجندة الدولية لحاجاتها الإنمائية الملحة، خاصة ما يتعلق منها بالبنى التحتية الداعمة للنمو، ونقل التكنولوجيا، وتعزيز المنظومات التعليمية، والتقنيات الجديدة”.
وختم الرئيس الغزواني مداخلته أمام قمة بريكس، مشدداً التأكيد على “أنه لا بد من استحداث ميثاق جديد لتمويل التنمية، يكون أكثر مرونة واستدامة ويضمن للدول الأقل نمواً نفاذاً سلساً، ومنصفاً لتمويلات تناسب أولوياتها”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس