أفريقيا برس – موريتانيا. وسط رهانات التكامل والرقمنة وفي خضم تحولات اقتصادية عميقة، تتواصل حالياً بالعاصمة الموريتانية نواكشوط أعمال الدورة التاسعة عشرة للقمة المصرفية المغاربية، بالتزامن مع الدورة الثامنة عشرة للجمعية العامة لاتحاد المصارف المغاربية.
ويتعلق الأمر بتظاهرة إقليمية رفيعة تبحث مستقبل العمل المصرفي في فضاء يشهد تحولات اقتصادية وتكنولوجية عميقة، وذلك تحت شعار: «قطاع مصرفي يسرّع المبادلات التجارية المغاربية والإفريقية في ظل التطور التكنولوجي: الفرص والتحديات». ويختزل شعار هذه التظاهرة بشكل واضح، طبيعة التحديات التي تواجه اقتصاد المنطقة ومسار التكامل بين دولها.
وتتناول القمة عبر جلساتها العلمية الأربع قضايا التكامل الاقتصادي والتعاون المغاربي الإفريقي، ومسارات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، والتحول الرقمي والمدفوعات المستقبلية، إلى جانب مواضيع الشمول المالي والتمويل المستدام.
وقد جرى تصميم هذه المحاور لتكون منصة عملية للنقاش بين ممثلي البنوك والهيئات المالية وخبراء التكنولوجيا، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى بنية مصرفية أكثر قدرة على مواكبة التحولات المتسارعة.
وعلى مدى يومين، ستشهد أعمال القمة ندوات وورشات تركز على سبل تطوير المبادلات التجارية وتحديث القطاع المصرفي في ظل الثورة الرقمية، إضافة إلى مناقشة آليات تسريع التحول الرقمي داخل البنوك، والتحديات المتعلقة بالثقة والأمان والحوكمة.
وفي كلمة افتتاحية، قال وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتاني عبد الله سليمان الشيخ سيديا «إن موريتانيا، بما تملكه من موقع جغرافي فريد يربط المغرب العربي بإفريقيا جنوب الصحراء، مؤهلة لاحتضان أي مبادرة تهدف إلى مد جسور التقارب بين المنطقتين».
وأكد «أنه متى تم توظيف القطاع المصرفي، بشكل عقلاني، فإنه سيتحول إلى رافعة حقيقية للاندماج والنمو والتنمية في الفضاءين المغاربي والإفريقي معاً».
وأشار الوزير «إلى أن انعقاد القمة يأتي في سياق إقليمي يتسم بتراجع التدفقات المالية، وتقلبات أسعار المواد الأولية، وتأثيرات التغيرات المناخية، إضافة إلى المخاطر الجيوسياسية المتزايدة، ما يفرض على الفاعلين الاقتصاديين مضاعفة التنسيق والعمل المشترك. واعتبر أن تعزيز الربط المصرفي بين الدول المغاربية والإفريقية يشكّل خطوة جوهرية نحو تكامل اقتصادي فعّال، خصوصاً مع ما توفره التكنولوجيا من أدوات لتبسيط المعاملات، وخفض تكاليفها، وتعزيز الشفافية وجاذبية مناخ الاستثمار».
وفي مداخلة أخرى، أوضح الأمين العام للجمعية المهنية للبنوك الموريتانية محمد الحاجي محمد صالح «أن الملتقى يشكّل فرصة ثمينة لتبادل الخبرات حول كيفية تعزيز صمود الاقتصادات المغاربية، والعمل على تطوير القطاع المصرفي حتى يستجيب لتطلعات شعوب المنطقة».
وأشار «إلى أن النظام المصرفي في موريتانيا شهد خلال السنوات الأخيرة قفزة ملحوظة في مؤشرات الأداء، بفضل السياسات المتدرجة التي انتهجها البنك المركزي الموريتاني، والتي عززت الصلابة والمرونة في مواجهة الأزمات».
وبدوره، أكد رئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين زين العابدين ولد الشيخ أحمد «أن مناخ الأعمال في موريتانيا عرف تحسناً ملموساً، مما جعل موريتانيا وجهة أكثر جاذبية للاستثمار خلال الأعوام الأخيرة».
وأوضح «أن هذا التحسن فتح آفاقاً جديدة للشراكات مع المستثمرين الإقليميين والدوليين، وانعكس في تنامي الثقة في الاقتصاد الوطني وقطاعات الاستثمار الواعدة، ولا سيما تلك المرتبطة بالبنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة».
وشدد على «أن التكامل المصرفي المغاربي لم يعد مجرد خيار، بل أصبح ضرورة استراتيجية تفرضها التحولات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية المتسارعة»، مؤكداً «أن خلق شبكة مصرفية مترابطة يعدّ مدخلاً لتعزيز المبادلات التجارية داخل المنطقة ومع إفريقيا جنوب الصحراء».
ويأمل المنظمون أن تفضي نقاشات القمة المصرفية التاسعة عشرة إلى توصيات عملية من شأنها تعزيز الشراكة بين البنوك المغاربية، ودعم الجهود الرامية إلى بناء فضاء مالي موحد قادر على تسريع النمو الاقتصادي، وتحسين تنافسية المنطقة، وتحويل التكنولوجيا المصرفية إلى أداة تخدم التنمية والتكامل بدل أن تكون مجرد تحول تقني منفصل عن الاقتصاد الحقيقي.
وتعرف القمة المصرفية المغاربية مشاركة واسعة لممثلي المؤسسات المالية والمصرفية من تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا، إلى جانب خبراء دوليين في الأمن السيبراني والتمويل والتكنولوجيا المالية.
وكان المشاركون في الدورة السابقة لاتحاد المصارف المغاربية التي عقدت في الجزائر العاصمة يوميّ 14 و15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، قد أكدوا على ضرورة تسريع الإصلاحات البنكية والمالية لتعزيز التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة المغاربية؛ كما دعوا إلى تحديث التشريعات المصرفية، ودعم التحول الرقمي وتوسيع استخدام التكنولوجيا المالية، بما يرفع من مستوى الشمول المالي ويمنح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قدرة أكبر على النفاذ إلى التمويل.
وأكدت توصيات الدورة السابقة على أهمية تعزيز آليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتطوير البنية التحتية للمدفوعات الإلكترونية داخل الفضاء المغاربي.
وحثّت التوصيات على إحياء مسار الاندماج المصرفي عبر تنسيق أوسع بين السلطات الرقابية، وتسهيل تبادل المعلومات، وإنشاء منصات مصرفية مشتركة تسهّل المعاملات التجارية والاستثمارية.
واختُتمت الدورة الماضية بالتأكيد على التزام الدول الأعضاء بمواصلة الحوار وتنفيذ التوصيات في أقرب الآجال، معتبرة أن تحقيق الأهداف المطروحة يتطلب إرادة سياسية مشتركة وانخراطاً فعلياً من جميع الفاعلين الماليين.





