
أفريقيا برس – موريتانيا. جاء قرار المحكمة العليا في موريتانيا القاضي برفض دعوى المخاصمة المقدمة من طرف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ضد قضاة الغرفة الجزائية بمحكمة الاستئناف التي تابعت أمس الإثنين جلسات محاكمتها له، صادماً لهيئة دفاع الرئيس السابق.
فقد أكدت الهيئة في بيان تضمن ردودها على قرار الرفض “أن قرار المحكمة العليا يعتبر مثالاً واضحاً على ما أثبتته التجربة من أن القضاء حين يُقْحَم في قضايا السياسة يخطئ في السياسة والقانون معاً”.
“ومن شواهد ذلك، تضيف، أن المحكمة العليا، وخلافاً لما دأبت عليه في دعاوى المخاصمة، خصصت جلسة لنظر الدعوى قبل إبلاغها للمخاصمين لتضمن استمرارهم في محاكمة من أصبح خصمهم بموجب تلك الدعوى، كما أنها قررت عدم قبول الدعوى شكلاً بعد أن خاضت في الأصل بمختلف جوانبه؛ وذلك بالرغم من استجابة عريضة المخاصمة لكل شروط الشكل المقررة بالقانون”.
كما أضافت الهيئة في بيانها “أن المحكمة العليا بالغت في حماية التشكيلة التي تحاكم الرئيس السابق، لحد جعلها تمنع مخاصمة جميع القضاة؛ وذلك عندما قررت أن دعوى المخاصمة لا تقبل إلا بعد أن يكون عمل القاضي المخاصَم مبرماً، وبعد أن تُستَنفَد طرق الطعن في حقه؛ مخالفة بذلك صريح المادة 280 من قانون الإجراءات القضائية التي تجيز مخاصمة القاضي حتى قبل أن يصدر حكماً أو قراراً في الدعوى المنشورة أمامه، بدليل قولها: “ويكف القاضي عن النظر في النزاع، كما يكف إلى أن يقع البت نهائياً في الطعن المتعلق بالمخاصمة، عن جميع الدعاوى المنشورة بمحكمته، والتي تتعلق بالمدعي أو بأقاربه المباشرين”.
و “لقد التبس على المحكمة الموقرة الفرق بين دعوى المخاصمة ودعوى المشروعية عند حديثها عن الدعوى الموازية، ونسيت أن الاجتهاد الذي استوردته، في وجود نص مخالف من القانون الموريتاني، نشأ في ظل أنظمة قانونية تهدف المخاصمة فيها، من بين ما تهدف إليه، إلى إلغاء أو نقض العمل القضائي سبب المخاصمة كإحدى نتائج قبول دعوى المخاصمة في تلك الأنظمة القانونية”. وزادت: “ولعل هذا محل تذكير محكمتنا العليا الموقرة بأن دعوى المخاصمة هي دعوى مسؤولية هدفها جبر الضرر الناتج عن خطأ القاضي أو تقصيره عن طريق التعويض المادي، وليست طعناً قضائياً، ولا توجد طريق ولا دعوى أخرى تحقق هذا الغرض سواها”.
وأضافت: “لقد انساقت النيابة العامة على مستوى الاستئناف والمحكمة العليا وراء زعم أطلقه بعضهم تحت تأثير الصدمة والمفاجأة، مفاده أن لا وجود لمخاصمة القضاة في المادة الجزائية، دون أن تأخذ دقيقة من وقتها للاطلاع على النصوص القانونية ذات الصلة؛ والتي توزعها وزارة العدل في مطبوعات مجانية”.
“ولئن كان قرار المحكمة العليا هذا، يضيف دفاع الرئيس السابق، قد أثلج صدور الأطراف التي لفقت هذه القضية الظالمة، فإنه من جهة أخرى، قد أطاح بصفة نهائية بزعم تلك الأطراف أن ملف رئيس الجمهورية السابق ملف قضائي”.
وتابعت هيئة الدفاع ردها على قرار المحكمة العليا تقول: “ولعل بيان بعض زملائنا في فريق الدفاع عن الطرف المدني المزعوم أحد مظاهر تفاعلات ذلك الانكشاف؛ إذ يدرك ذلك الفريق المحترم أن الاتهام والإدانة في ملف رئيس الجمهورية السابق يتمان بقرار سياسي وليس بوسائل الإثبات القانونية، لذلك يركز بعضهم على التهجم على الرئيس السابق، مع كيل التهم له جزافاً، استمراراً في خطاب لم يعد يقنع أحداً، ويدافعون عن كل الأطراف إلا الدولة الموريتانية”.
يذكر أن دفاع الرئيس السابق استخدم مخاصمة قضاة تشكيلة الغرفة الجزائية في خطته الدفاعية عن الرئيس السابق؛ وهي دعوى يرفعها أحد المتقاضين ضد قاض ما، وتبتُّ فيها غرفة مشورة بالمحكمة العليا. وجاءت هذه الدعوى بعد أن رفض المجلس الدستوري الموريتاني طعنين اثنين تقدمت بهما هيئة الدفاع عن الرئيس السابق يتعلق أحدهما بعدم دستورية المادة 2 من قانون محاربة الفساد لفتحها الباب أمام تصنيف الرؤساء كموظفين عموميين، فيما يتعلق الطعن الثاني بعدم اختصاص المحكمة في مقاضاة الرئيس السابق وهو الطعن الذي أسسته هيئة الدفاع على المادة 93 من الدستور التي تنص على أن الرئيس يحاكم أمام محكمة العدل السامية وحدها وبتهمة واحدة هي الخيانة العظمى.
ويركز دفاع الرئيس السابق على ما يرى أنه “الطابع السياسي غير القضائي”، للمحاكمة الحالية للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وتجري هذه التطورات بينما واصلت محكمة الاستئناف جلساتها لمقاضاة الرئيس السابق، وهي الجلسات التي خصصت ما مضى منها لاستنطاق الرئيس السابق الذي قدم مداخلات مثيرة أمام المحكمة، وهدد بتقديم أدلة صادمة، مؤكداً أن 70% من ثروته التي يحاكم عليها مصدره خلفه الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
وفيما تتواصل هذه التطورات داخل أروقة القضاء، بدأ بعض كبار الساسة الموريتانيين يدعون لطي ملف الرئيس السابق، وإنهاء انشغال موريتانيا به عن مهام البناء والتنمية.
وفي هذا الإطار طلب الخبير الدولي الدكتور محمد المنير “من الرئيس الغزواني طي صفحة ملف العشرية، وأن يطلق سراح محمد ولد عبد العزيز، مع مصادرة كل الأموال التي بحوزته، وهذه قضية مبدئية، لأنها تتعلق بالإفلات من العقاب”.
وأضاف: “الحقيقة أننا سئمنا وتعبنا من مسلسل العشرية، ونريد أن نستريح ونتفرغ لأولويات التنمية، فقد انقضت خمس سنوات وعزيز يتصدر المشهد”.
وأردف الخبير محمد المنير في تدوينة له: “لقد دفع الرئيس السابق من حريته وصحته وسمعته و”ماله” ما يكفي، وعلى رئيس الجمهورية العفو عن الفترة المتبقية، خاصة أن الرئيس السابق أمضى عدة سنوات بين السجن والإقامة الجبرية، وحالته الصحية تتطلب العلاج والمتابعة؛ والمهم أن اتهام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومحاكمته يمثلان سابقة وسنة جديدة”.
وزاد: “مشكلة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز هو أنه لم يفهم حتى الآن أن الهيبة التي كان يتمتع بها نابعة من وجوده في السلطة، وجلوسه على كرسي الرئاسة، وأخذ العبرة من أسلافه الذين عندما تركوا السلطة خرجوا من المشهد”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس