موريتانيا تتبنى إطار الامتثال للقانون الدولي الإنساني

9
موريتانيا تتبنى إطار الامتثال للقانون الدولي الإنساني
موريتانيا تتبنى إطار الامتثال للقانون الدولي الإنساني

أفريقيا برس – موريتانيا. أعلنت موريتانيا أنها تتجه بخطوات متسارعة نحو تبني إطار وطني متكامل للامتثال للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، في مسعى لترسيخ دولة القانون وتعزيز الشفافية والمساءلة داخل مؤسساتها الأمنية والعسكرية والقضائية.

وجاءت الورشة الوطنية المنظمة حالياً في نواكشوط من طرف المفوضية الموريتانية لحقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، بالتعاون مع برنامج دعم المكونات القانونية والعسكرية للقوة المشتركة لدول الساحل الخمس، الممول من الاتحاد الأوروبي والمنفذ من طرف الخبرة الفرنسية، كخطوة عملية ضمن هذا المسار الإصلاحي.

ويهدف إطار الامتثال الجديد إلى منع انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان والكشف عنها ومعالجتها، عبر آليات داخلية تضع المساءلة والوقاية والثقة بين المؤسسات والمواطنين في صميم أدائها. ويُعد هذا الإطار أداةً عملية قابلة للتكيف مع الخصوصية الموريتانية، بما يعزز الثقة الداخلية والمصداقية الخارجية للدولة.

وخلال الورشة، التي تستمر ثلاثة أيام بمشاركة خمسين مسؤولًا من مختلف الأسلاك العسكرية والأمنية والمؤسسات ذات الصلة، سيتلقى المشاركون عروضًا مكثفة حول مبادئ القانون الدولي الإنساني وآليات حماية الأشخاص والممتلكات وإدارة الأعمال العدائية، إلى جانب عرضٍ تفصيلي حول إطار العمل الخاص بالامتثال وآليات التحليل والتقييم.

كما تسعى الورشة إلى تحديد أولويات التدريب والتوثيق ووضع خارطة طريق وطنية واقعية للفترة 2025-2027، تُترجم الالتزامات النظرية إلى إجراءات عملية قابلة للتنفيذ والمراجعة.

وأكد الرسول ولد الخال، المفوض الموريتاني المساعد لحقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، في مداخلة أمام الورشة «أن الحكومة الموريتانية جعلت من ترسيخ دولة القانون خياراً مركزياً ضمن الاستراتيجية الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان (2024-2028)، لا سيما في محورها المتعلق بتعزيز مؤسسات وطنية مسؤولة وخاضعة للمساءلة».

وأوضح «أن الورشة تأتي لتعزيز قدرات القطاعات السيادية على منع الانتهاكات والكشف عنها ومعالجتها وفق نهج تشاركي وقائي يتماشى مع المعايير الدولية».

وأشار ولد الخال إلى «أن موريتانيا راكمت خلال السنوات الأخيرة مكاسب معتبرة في تكوين قواتها المسلحة وقوات الأمن على مبادئ حقوق الإنسان والقانون الإنساني، سواء عبر برامج التدريب الوطنية والإقليمية أو من خلال تخريج نواة من المدربين المختصين في هذا المجال»، لكنه أكد «أن التحديات لا تزال قائمة، بفعل اتساع مساحة البلاد وحيوية حدودها، ما يستدعي اعتماد أدوات حديثة مثل إطار الامتثال الوطني لضمان فعالية الرقابة والمساءلة».

وفي السياق ذاته، تحدث العقيد المتقاعد الشيخ ولد الزامل، المكلف بالارتباط بمشروع دعم المكونات القانونية والعسكرية للقوة المشتركة لدول الساحل، «عن جهود موريتانيا المستمرة لوضع احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في صميم إصلاحاتها».

وقال «إن هذه الورشة تعكس ديناميكية وطنية قوية تقودها السلطات لترسيخ الانضباط والاحترافية داخل الأجهزة السيادية، وتؤكد حرص الحكومة على الإدماج الكامل لمبادئ القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في السياسات والممارسات المؤسسية».

ويُعد الملف الحقوقي في موريتانيا من أكثر الملفات حساسية في المشهدين الوطني والدولي، إذ يتقاطع فيه البعد الاجتماعي بالتاريخي والسياسي، ويثير نقاشًا متجددًا حول مدى التزام البلاد بحقوق الإنسان والمساواة أمام القانون.

وقد واجهت موريتانيا خلال السنوات الماضية موجات من الاتهامات من منظمات حقوقية محلية ودولية، تتحدث عن استمرار ما تصفه بـ»الممارسات العبودية» أو «التمييز الاجتماعي والعرقي» ضد فئات من المجتمع، خصوصًا فئة الحراطين والمكوّنات الإفريقية الزنجية.

لكن الحكومة الموريتانية ترفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، وتعتبرها غير موضوعية ومبنية على قراءات مغلوطة لواقع اجتماعي متنوع ومعقد.

وتشدد الحكومة الموريتانية على أن «العبودية أُلغيت رسميًا منذ عام 1981 وتم تجريمها قانونيًا سنة 2007، مع إنشاء محاكم خاصة للنظر في القضايا المرتبطة بها».

وتؤكد «أن البلاد حققت مكاسب مهمة في هذا المجال، سواء عبر إصلاحات قانونية أو من خلال تكوين الأجهزة الأمنية والقضائية على مبادئ القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان».

وترى السلطات «أن التحديات الباقية ذات طبيعة اجتماعية وتنموية أكثر من كونها سياسية أو ممنهجة»، مشيرة إلى «أن بقاء بعض الممارسات الفردية لا يعني وجود نظام تمييز رسمي».

كما تؤكد الحكومة الموريتانية «أن سياستها تقوم على تعزيز العدالة والمواطنة المتساوية، وأنها تعمل في انسجام مع شركائها الدوليين على تنفيذ برامج تكوين وتوعية شاملة تستهدف منع أي خرق لحقوق الإنسان أو انتهاك لكرامة المواطن».

وفي مواجهة الانتقادات الدولية، قدمت موريتانيا تقارير دورية إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أوضحت فيها ما تحقق من إصلاحات، بما في ذلك إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتفعيل الآليات الرقابية والمساءلة في القطاعات الأمنية والإدارية.

وتعتبر السلطات «أن هذه الخطوات تؤكد التزامها الصادق بتجاوز إرث الماضي وإزالة كل الشكوك التي تُثار حول سجلها الحقوقي، كما تسعى من خلال التعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى اعتماد إطار وطني للامتثال للقانون الدولي الإنساني يضمن الوقاية من الانتهاكات ومعالجتها في إطار مؤسسي شفاف».

ورغم استمرار بعض الحقوقيين المحليين في انتقاد الوضع الحقوقي في البلاد، إلا أن مراقبي هذا الشأن يرون أن موريتانيا قطعت شوطًا مهمًا نحو بناء منظومة وطنية تحترم التعددية وتكافؤ الفرص وتربط بين الحقوق المدنية والتنمية الاجتماعية.

ويؤكد هؤلاء أن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة القوانين إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية، وفي تعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع عبر الحوار والعدالة والمساءلة.

وبهذه المقاربة التدريجية، تسعى موريتانيا إلى طي صفحة الاتهامات والانتقال إلى مرحلة جديدة عنوانها الفعل الحقوقي المسؤول والالتزام بالكرامة الإنسانية دون تمييز أو إقصاء.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس