موريتانيا تعزز شراكتها العسكرية مع حلف الناتو

2
موريتانيا تعزز شراكتها العسكرية مع حلف الناتو
موريتانيا تعزز شراكتها العسكرية مع حلف الناتو

أفريقيا برس – موريتانيا. في خضمّ اضطرابات أمنية متصاعدة تهز منطقة الساحل، ومع سقوط تحالفات تقليدية كانت تشكّل حجر الزاوية في استراتيجيات مكافحة الإرهاب، يتجه التعاون العسكري بين موريتانيا حلف شمال الأطلسي (الناتو) للقوة والتوسع بخطى محسوبة ضمن شراكة عسكرية وأمنية قوية.

فبين سعي موريتانيا للحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها الدولية، وحاجتها إلى تطوير قدراتها الدفاعية، تبدو نواكشوط اليوم بصدد ترسيخ موقعها كفاعل أمني موثوق في الإقليم.

وتأتي هذه الخطوة في سياق إقليمي حساس يتسم بفراغات أمنية متزايدة، وتنافس متصاعد بين القوى الدولية على النفوذ في فضاء الساحل والصحراء.

وفي هذا السياق، اختتم وفد من خبراء حلف شمال الأطلسي زيارة عمل إلى موريتانيا، استمرت عدة أيام، وخصصت لمناقشة الوثيقة المتعلقة ببرنامج الشراكة بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية والحلف.

وقد تركزت اللقاءات بين الجانبين على دراسة سبل تطوير التعاون الدفاعي، ومواءمة أهداف البرنامج مع أولويات موريتانيا الأمنية.

وتعكس زيارة وفد حلف شمال الأطلسي لنواكشوط اهتماماً متزايداً بالدور الذي يمكن أن تضطلع به موريتانيا في سياق أمن الساحل المتقلب؛ غير أن التحدي الأهم يكمن في قدرة الدولة على بلورة خيارات واضحة، تضمن استقرارها الداخلي، وتعزز موقعها الخارجي، دون أن تقع في فخ الارتهان أو العزلة. وتندرج هذه الشراكة في إطار «الحوار المتوسطي»، وهو منصة تجمع الحلف بعدد من دول جنوب المتوسط، وتهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين. ويُعد التعاون بين موريتانيا وحلف شمال الأطلسي من أقدم الشراكات في المنطقة، لكنه شهد في السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً، خاصة في مجالات التكوين والتجهيز والتخطيط الاستراتيجي.

وأكد الخبير في شؤون الساحل، الأستاذ محمد سالم «أن اتجاه موريتانيا نحو توسيع شراكتها مع حلف شمال الأطلسي يعود إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها التحولات الأمنية العميقة التي تشهدها منطقة الساحل، وتراجع دور القوى التقليدية مثل فرنسا، مقابل تصاعد حضور أطراف جديدة كروسيا».

وأضاف أن «موريتانيا تدرك أن موقعها الجغرافي والاستقرار النسبي الذي تتمتع به، يجعلان منها شريكًا محوريًا في أي ترتيبات أمنية جديدة، ولهذا تسعى إلى تعزيز تعاونها مع الناتو للاستفادة من قدراته في مجالات التدريب والمراقبة والتخطيط الاستراتيجي، دون أن تُقحم نفسها في تحالفات قد تضر بعلاقاتها الإقليمية.»

وأكد محمد سالم أن «الرهان الموريتاني يتمثل في بناء شراكة مرنة، توازن بين الحاجة للدعم الخارجي والحفاظ على القرار السيادي، خاصة في ظل التنافس الدولي المتصاعد على منطقة الساحل». ويرى الخبير الدولي ممدو باه «أن توجه موريتانيا نحو تعزيز شراكتها مع حلف شمال الأطلسي هو «خطوة محسوبة تهدف إلى تنويع الشركاء الاستراتيجيين، واستباق التحولات الجيوسياسية الجارية في الساحل».

وأوضح أن «موريتانيا لا تتحرك من فراغ، بل تسعى إلى ملء فراغ أمني تركته قوى تقليدية، وتُدرك أن موقعها الجغرافي المطل على الأطلسي يمنحها هامشاً تفاوضياً واسعاً، خاصة في ظل تصاعد الهواجس الغربية من الهجرة غير النظامية وانتشار الجماعات المسلحة». واعتبر الخبير أن «الرهان الحقيقي ليس فقط في التعاون العسكري، بل في قدرة نواكشوط على تحويل هذا التقارب إلى مكاسب تنموية وهيكلية تعزز مناعة الدولة داخلياً، بعيداً عن الارتهان لأي محور أو الوقوع في لعبة المحاور التي تشتد وطأتها في الإقليم».

ويشكل الأمن في منطقة الساحل تحدياً متزايداً، حيث تنتشر التنظيمات المسلحة وتتعاظم المخاطر العابرة للحدود، لا سيما الإرهاب والهجرة غير النظامية.

وفي هذا السياق، تبرز موريتانيا بوصفها إحدى الدول القليلة التي حافظت على استقرار نسبي، بفضل مقاربة أمنية متعددة الأبعاد، تجمع بين الحزم العسكري والحوار الفكري.

وتسعى نواكشوط إلى تطوير قدراتها الاستخباراتية والتقنية، بما يتيح لها تعزيز جاهزية قواتها المسلحة، في وقت يعبّر فيه حلف شمال الأطلسي عن استعداده لدعم هذه الجهود عبر التدريب والتجهيز وتبادل الخبرات.

وتحوّلت موريتانيا في السنوات الأخيرة إلى نقطة عبور رئيسية للمهاجرين غير النظاميين المتجهين نحو أوروبا، وخاصة عبر سواحلها الشمالية نحو جزر الكناري الإسبانية. وقد فرض هذا الوضع ضغوطاً على قدرات الدولة، وأثّر على بعض الخدمات الحيوية، فيما تتزايد الحاجة إلى تعزيز الرقابة البحرية والأمنية.

وفي المقابل، تُوظف موريتانيا هذا الملف كورقة دبلوماسية في علاقاتها مع الشركاء الغربيين، وتطمح إلى تحويل التعاون الأمني إلى استثمارات تنموية، تساهم في التخفيف من الضغط الاجتماعي، وتحقيق الاستقرار في مناطق العبور.

وتحيط بالمنطقة تحولات جيوسياسية متسارعة، من أبرزها انسحاب فرنسا من عدة مواقع في الساحل، وتصاعد الحضور الروسي في بعض دول الجوار.

وتجد نواكشوط نفسها أمام عدة خيارات، تتراوح بين توسيع الشراكة الأمنية مع الأطلسي، أو الحفاظ على انفتاح محدود ومتعدد الأطراف، أو حتى تقليص التعاون لتفادي أي تبعية خارجية.

ويبقى الخيار الأمثل رهين رؤية وطنية واضحة، قادرة على التوفيق بين الحاجة إلى الدعم الخارجي، ومتطلبات السيادة والاستقلالية.

وبين ضغوط الداخل وحسابات الجوار وصراع القوى العالمية، تجد موريتانيا نفسها أمام اختبار استراتيجي بالغ الأهمية: كيف توطد تعاونها مع حلف شمال الأطلسي دون التفريط بسيادتها أو استفزاز بيئتها الإقليمية؟ إن تعزيز الشراكة مع الحلف قد يمنحها أدوات جديدة لمواجهة التحديات الأمنية، لكنه في الوقت نفسه يتطلب وضوحاً في الرؤية، وحذراً في التموضع. فالمعادلة اليوم لم تعد فقط أمنية، بل باتت ذات أبعاد دبلوماسية واقتصادية، تختبر قدرة نواكشوط على تحويل موقعها الجيوسياسي إلى ورقة قوة فاعلة في معادلة الساحل المتغيرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس