موريتانيا والسنغال تتفقان على شروط دخول وإقامة الأشخاص

0
موريتانيا والسنغال تتفقان على شروط دخول وإقامة الأشخاص
موريتانيا والسنغال تتفقان على شروط دخول وإقامة الأشخاص

أفريقيا برس – موريتانيا. في خطوة تعكس تعزيز العلاقات الثنائية وتسهيل حركة المواطنين، اتفقت موريتانيا والسنغال على بدء التطبيق المؤقت للاتفاق المتعلق بشروط دخول وإقامة واستقرار الأشخاص وممتلكاتهم، وهو الاتفاق الذي يمثل نقلة نوعية في جهود التنسيق الحدودي والتكامل الإقليمي بين الجارتين.

وجاء هذا الاتفاق ثمرة لمسار تفاوضي فني وقانوني امتد أشهراً، ويهدف إلى تنظيم تنقل الأفراد بشكل يضمن احترام السيادة الوطنية، ويحفظ الحقوق المدنية والاقتصادية للمواطنين، خاصة في المناطق الحدودية التي تشهد تداخلاً سكانياً ومصالح مشتركة.

ومن المرتقب أن يسهم هذا التفاهم في تخفيف الإجراءات الإدارية، وضمان انسيابية أكبر لحركة الأشخاص والبضائع، مع مراعاة الجوانب الأمنية والإنسانية على حد سواء.

وكانت موريتانيا والسنغال قد توصلتا في 2 يونيو 2025، إلى اتفاقيتين ثنائيتين تم توقيعهما في نواكشوط، بهدف وضع إطار قانوني وتنظيمي يُسهل تنقل وإقامة المواطنين بين البلدين، ويعزز التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية.

وقد وقع الاتفاقيتين كل من وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، ووزيرة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية السنغالية ياسين فال، في أعقاب أسابيع من التوتر المرتبط بحملات ترحيل المهاجرين، وما تبعها من تحركات دبلوماسية قادتها السنغال وعدة دول مجاورة.

وتهدف الاتفاقية الأولى إلى حماية الفئات الهشة من الاستغلال والانتهاكات، خصوصًا في قضايا الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، من خلال تنسيق أمني وإداري مشترك بين البلدين.

أما الاتفاقية الثانية، فتنص على شروط واضحة لدخول وإقامة وتنقل الأفراد، وخصوصًا ما يتعلق باستخدام البطاقات الوطنية في التنقل الحدودي، وهي مسألة كانت محل جدل طويل بين الجانبين.

وقد أكدت الوزيرة السنغالية، في تصريح عقب التوقيع، أن الاتفاقيتين تضعان «إطارًا تشريعيًا واضحًا»، يُسهم في محاربة الهجرة غير الشرعية بطريقة منسقة، ويمنح المواطنين حرية الحركة «في إطار احترام القانون».

ويُنظر إلى هاتين الاتفاقيتين كـ»خطوة نوعية» في مسار العلاقات الثنائية، من حيث تجاوز المعالجات الظرفية نحو بناء شراكة ناضجة ومستدامة، تراعي المصالح المتبادلة وتحمي الروابط التاريخية والاجتماعية التي تجمع الشعبين على ضفتي نهر السنغال.

وأفادت وزارة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية السنغالية، في بيان موجه للجالية السنغالية المقيمة بموريتانيا، «أن مشاورات حكومتي داكار ونواكشوط، أسفرت عن اتفاق مع السلطات الموريتانية حول بدء التطبيق المؤقت للاتفاق الموقع بين الجانبين في 2 يونيو 2025، والمتعلق بشروط دخول وإقامة واستقرار الأشخاص وممتلكاتهم بين جمهورية السنغال والجمهورية الإسلامية الموريتانية، وذلك ابتداءً من 25 يوليو 2025».

وبموجب هذا التفاهم، سيُعفى المواطنون السنغاليون القادمون إلى الأراضي الموريتانية من دفع الرسوم المتعلقة بدخولهم، بما في ذلك تلك المرتبطة بالإقامة والمعيشة.

أما بالنسبة للمقيمين السنغاليين في موريتانيا لأكثر من ثلاثة أشهر، فقد طُلب منهم الشروع في إجراءات الحصول على بطاقة الإقامة، وذلك من خلال التوجه إلى المراكز المخصصة لذلك، مصحوبين ببطاقة هوية أو جواز سفر ساري المفعول، بالإضافة إلى البطاقة القنصلية، وسداد مبلغ رمزي قدره 300 أوقية جديدة.

وقد تعهدت الجهات المختصة في موريتانيا والسنغال بضمان تنفيذ هذا الاتفاق بشكل صارم ومنصف، بما يعكس روح التعاون والأخوة التي تربط موريتانيا والسنغال.

وجاء هذا التفاهم الموريتاني السنغالي، بعد أن أعلنت اتحادية جمعيات وروابط السنغاليين في موريتانيا عن دخول الجالية السنغالية في عموم الأراضي الموريتانية في توقف جماعي عن العمل لمدة 48 ساعة.

ويأتي هذا الإضراب احتجاجًا على ما وصفته الاتحادية بتزايد «المداهمات والاعتقالات العشوائية والمعاملات المهينة» التي يتعرض لها عدد كبير من السنغاليين المقيمين في موريتانيا، رغم الاتفاق الثنائي الأخير بين نواكشوط وداكار.

وانتقدت اتحادية الجالية السنغالية في موريتانيا ما اعتبرته «تطبيقًا انتقائيًا وتمييزيًا» للاتفاق الذي توصلت له الحكومتان في 2 حزيران/يونيو الماضي، وهو الاتفاق الذي وُصف بالتاريخي، والذي ينص على تسوية أوضاع السنغاليين الموجودين في موريتانيا مقابل مساهمة مالية قدرها 3000 أوقية موريتانية قديمة لكل فرد.

وأوضحت الاتحادية، في بيان صحافي، أن العديد من أفراد الجالية تم توقيفهم رغم امتلاكهم لوصولات طلبات إقامة أو بطاقات مؤقتة سارية، كما تحدثت عن حالات مصادرة وثائق من طرف قوات الأمن خلال عمليات التفتيش.

ويواجه السنغاليون، بحسب المصدر نفسه، صعوبات إدارية بالغة، من بينها وجود مركز وحيد لإصدار بطاقات الإقامة في العاصمة نواكشوط، ما يؤدي إلى بطء شديد في عمليات التجديد أو الحصول على الوثائق المطلوبة.

وفي ظل ما وصفته الاتحادية بـ»تخييم مناخ من الخوف والقلق»، أصبح بعض العمال يخشون الخروج من منازلهم، في حين يتجنب بعض المرضى زيارة المستشفيات خوفًا من التعرض للاعتقال.

واختتمت الاتحادية بيانها بمناشدة السلطات الموريتانية والسنغالية بضرورة التطبيق العادل والإنساني للاتفاقيات الثنائية، مؤكدة دعمها الكامل لكافة أفراد الجالية السنغالية في موريتانيا في وجه هذه التحديات.

ورغم الجوار الجغرافي والروابط العرقية والثقافية والدينية الوثيقة بين موريتانيا والسنغال، فإن العلاقات بين البلدين لم تخلُ من التوترات والمشاكل الممتدة منذ عقود، لا سيما فيما يتعلق بقضايا الحدود، والموارد، ووضع الجاليات في كلا البلدين.

وتُعد أحداث 1989 أبرز محطة في تاريخ العلاقات المتوترة بين موريتانيا والسنغال. فقد اندلعت مواجهات عنيفة بين البلدين بعد صدام حدودي بين مزارعين سنغاليين ورعاة موريتانيين، تطور إلى أعمال عنف عرقية وعمليات تهجير جماعي متبادل.

فقد قامت السلطات الموريتانية آنذاك بطرد آلاف السنغاليين من أراضيها، فيما هجّر الآلاف من الموريتانيين الزنوج من السنغال نحو موريتانيا.

وخلّفت تلك الأحداث جراحًا عميقة لا تزال تُلقي بظلالها على العلاقات الثنائية حتى اليوم، رغم محاولات المصالحة الرسمية المتكررة.

ومن أبرز الملفات الحساسة التي ظلت تؤرق العلاقات بين نواكشوط وداكار، وضعية الجاليات السنغالية في موريتانيا، التي غالبًا ما تواجه تعقيدات بيروقراطية في الحصول على أوراق الإقامة، ما يعرّضها لحملات تفتيش وترحيل، خاصة في فترات التوتر السياسي أو الأمني.

وبالمقابل، تُثار بين حين وآخر قضية الموريتانيين السود المرحلين منذ عام 1989 إلى السنغال، مع المطالبة بتسوية أوضاعهم وإدماجهم، ما يجعل ملف الجاليات ورقة ضغط متبادلة بين الطرفين.

وبرزت أيضًا خلافات متعلقة بالصيد البحري، حيث يتهم بعض الصيادين السنغاليين السلطات الموريتانية بالتضييق عليهم ومصادرة معداتهم، وهي اتهامات أكدت حكومة نواكشوط أن سببها نشاط الصيادين السنغاليين غير المرخص داخل في المياه الإقليمية الموريتانية.

وتُظهر التطورات الأخيرة المتعلقة بالجالية السنغالية في موريتانيا أن بعض الملفات العالقة لا تزال بحاجة إلى معالجة هادئة وشاملة تأخذ بعين الاعتبار البعد الإنساني وضرورات الاستقرار الإقليمي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس