أفريقيا برس – موريتانيا. في خطوة غير مسبوقة لدعم أنظمة التعليم في منطقة الساحل، وقعت موريتانيا وتشاد بنواكشوط، اتفاقية تمويل بقيمة 137 مليون دولار أمريكي، مقدمة من البنك الدولي والجمهورية الفيدرالية الألمانية، وذلك ضمن مشروع إقلاع التعليم الهادف إلى تحسين جودة التعليم وتوسيع فرصه أمام الشباب في البلدين.
ويأتي هذا المشروع ضمن محاولة متعددة الأطراف لحل الأزمة المتفاقمة التي تشهدها أنظمة التعليم في دول الساحل، بفعل النمو الديمغرافي السريع، وشح الموارد، والنزاعات المسلحة، وما نتج عنها من نزوح واسع للسكان، مما أثر بشكل مباشر على ملايين الأطفال والشبان.
ويُوصف مشروع الإقلاع بأنه «مبادرة رائدة تهدف إلى بناء نظم تعليمية أكثر كفاءة واندماجًا»، مع التركيز على الفئات الأكثر هشاشة، خصوصًا الشباب غير الملتحقين بالتعليم أو التكوين أو العمل.
فقد أكدت المعطيات أن ثلث شباب الساحل يوجد خارج دائرة التعليم والتكوين والعمل، وأن 94% من الأطفال في سن العاشرة غير قادرين على قراءة نص بسيط.
وخلال جلسة التوقيع على المعاهدة، اعتبر الوزير الاقتصاد والمالية الموريتاني سيدي أحمد ولد محمد، «أن توقيع الاتفاق تجسيد للإرادة الجماعية لبناء «ساحل متعلم وقوي قادر على مواجهة المستقبل بثقة». أما عثمان دياغانا، نائب رئيس البنك الدولي لغرب ووسط إفريقيا، فأكد «أن المشروع يعكس إيمان البنك بقدرة التعليم على إحداث تحول جوهري في حياة المجتمعات. وأشاد السفير الألماني بنواكشوط، الدكتور فلوريان رايندل، بالطابع الإقليمي الطموح للمبادرة، مشيرًا إلى أن ألمانيا تدعم هذه الخطوة في إطار رؤيتها لمستقبل تعليمي أكثر شمولًا وارتباطًا بالواقع المحلي لدول الساحل.
ويشمل مشروع إقلاع التعليم إنشاء معهد إقليمي لعلوم التربية في نواكشوط، يعمل على تكوين الكوادر التربوية، ودعم البحث، وصياغة السياسات التعليمية المبنية على الأدلة.
كما سيتم، ضمن المشروع، إنشاء مدرسة مفتوحة في كل من موريتانيا وتشاد، لاستيعاب الأطفال والشباب الذين انقطعوا عن التعليم، عبر نظام هجين يجمع بين التعليم الرقمي، والمرافقة الحضورية، والتكوين المهني.
وتشكل اتفاقية لإقلاع التعليم بالساحل نواة فضاء تعليمي ساحلي مندمج، حيث يُنتظر أن تفتح هذه المبادرة الباب لانضمام دول ساحلية أخرى تعاني من نفس التحديات، في سعي جماعي لإعادة بناء التعليم كرافعة أساسية للتنمية والاستقرار في المنطقة.
وتأتي هذه الاتفاقية في وقت تواجه فيه أنظمة التعليم في دول الساحل أزمة غير مسبوقة، تهدد بانهيار شامل بسبب تردي البنية التحتية، ونقص الكوادر، وارتفاع معدلات التسرب المدرسي، خصوصاً في المناطق الريفية الهشة.
وتحذر تقارير أممية ومنظمات إقليمية من أن استمرار هذا الانهيار سيؤدي إلى نتائج كارثية، أبرزها دفع أعداد متزايدة من الأطفال والشباب المتسربين إلى أحضان الجماعات المسلحة المتطرفة، التي تستغل هشاشة البيئة الاجتماعية والاقتصادية لتجنيد عناصرها؛ فمع غياب فرص التعليم والتكوين، لم يبقَ أمام هؤلاء سوى خيارين: البطالة أو التطرّف.
وتسعى الاتفاقية الجديدة إلى سد هذه الفجوة الخطيرة، من خلال برامج شاملة لإعادة تأهيل المدارس، وتوفير مسارات تعليمية بديلة تركز على التكوين المهني والحرفي، خاصة في القطاعات المدرة للدخل مثل الحِرَف اليدوية، والميكانيكا، والتقنيات الرقمية. كما تهدف الاتفاقية إلى بناء نظام تعليمي أكثر مرونة وارتباطًا بسوق العمل، يمنح الشباب فرصًا حقيقية لإعادة الاندماج في مجتمعاتهم.
وتمثل هذه الاتفاقية نموذجًا لتدخل تنموي فعّال، يجمع بين الاستجابة الطارئة والحلول المستدامة.
ويتوقع أن يستفيد من هذا التمويل نحو مليون طفل وشاب في موريتانيا وتشاد خلال السنوات الثلاث المقبلة، مما يجعله أحد أكبر الاستثمارات في التعليم بالمنطقة خلال العقد الأخير.
وفي ضوء التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الساحل، تبدو هذه المعاهدة أكثر من مجرد اتفاق مالي، بل تمثل رهانًا على التعليم كأداة للوقاية من التطرف، وبناء مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا للأجيال القادمة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس