“آراء متباينة حول محاولة الانقلاب في موريتانيا 2003”

1
"آراء متباينة حول محاولة الانقلاب في موريتانيا 2003"

أفريقيا برس – موريتانيا. تمر اليوم الذكرى الثانية والعشرون لمحاولة الانقلاب العسكري التي قادها فرسان التغيير يوم 8 يونيو 2003 ضد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع.

في ليلة هادئة من ليالي العاصمة نواكشوط، كان الهدوء يلف المدينة، وكان السكان يغطون في نوم عميق، ولم يكن هناك ما يوحي بأن البلاد ستشهد انقلابًا عسكريًا هزّ نظام الرئيس الأسبق الذي حكم البلاد لأكثر من عشرين عامًا.

فجأة، دوى صوت الرصاص من المدافع الثقيلة، واخترقت أصوات الدبابات الجدران. في تلك الليلة، عاش سكان نواكشوط واحدة من أكثر الليالي حلكة ورعبًا حقيقيًا لا يزالون يتذكرونه حتى اليوم.

في الذكرى الثانية والعشرين، يتذكر الموريتانيون اليوم الذي قرر فيه فرسان التغيير الانقلاب على نظام الطائع وتغيير الوضع بالقوة.

وتصدرت تلك المحاولة الانقلابية النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استعاد عدد من الموريتانيين ليلة الانقلاب والأيام العصيبة التي تحولت فيها نواكشوط إلى ثكنة عسكرية كبيرة.

وقد انقسمت الآراء حول هذه المحاولة بين من يرى أنها كانت ضرورة هزّت أركان النظام ومهدت للانقلاب عليه عام 2005، وآخرين نددوا بها.

بداية التغيير؟

رأى الناشط الهيبة ولد محمد الشيخ أن الانقلاب لم يكن “مغامرة عابرة ولا طمعًا في السلطة”، بل جاء بمثابة “صرخة رجل قرر أن يقف حيث تراجع الآخرون”، في إشارة إلى دور صالح ولد حننه فيه.

فيما علق الشيخ العافية محمد الفقيه على هذه الذكرى بقوله: “رغم فشل انقلاب الثامن من يونيو، إلا أن أغلب الكتاب يجمعون على أنه كان بداية النهاية للنظام”.

ووصف المدون خالد عبد الودود خطوة فرسان التغيير بأنها “بطولة تاريخية”، معتبرًا أن “انقلاب الثامن من يونيو هو الذي أسقط شخصية معاوية، وليس انقلاب 2005”.

وأضاف ولد عبد الودود أن الانقلاب اللاحق كان “مجرد قطف لثمار غُرست في 2003 ونضجت تمامًا”، مما أتاح للنظام فرصة لتغيير واجهته مع استمرار بنيته حتى اليوم.

من جانبه، رأى الصحفي أحمد محمد مصطفى أن محاولة الانقلاب كانت “أول مسمار في نعش دكتاتورية استمرت لعقود في موريتانيا”، معتبرًا أنها ساهمت في زعزعة النظام وتهيئة المناخ لسقوطه لاحقًا.

وأشار إلى أن انقلاب 3 أغسطس 2005، الذي أطاح بولد الطايع، جاء “لمنع تغيير أعمق”، وهو ما ساهم في استمرار هيمنة المؤسسة العسكرية على السلطة حتى اليوم، “عبر صيغ متباينة من الرداءة”، وفق تعبيره.

شرعنة الاستبداد؟

لكن محاولة انقلاب يونيو 2003 لا تحظى بإجماع، إذ يرى معارضوها أنها فتحت الباب أمام مسلسل الانقلابات في موريتانيا وشرعت اللجوء إلى القوة على حساب المسار الديمقراطي.

ويؤكد هؤلاء أن ما حدث كان تحركًا داميًا خلّف فوضى في البلاد وأسهم في إطالة عمر الحكم العسكري بدلاً من تقويضه.

وقالت رئيسة المرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة، مهلة بنت أحمد، إنها تأمل ألا تعود موريتانيا إلى أجواء مثل تلك التي رافقت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 8 يونيو 2003، واصفة تلك الليلة بأنها كانت “مرعبة ودموية”.

وأكدت في تدوينة تحفظها على اللجوء إلى الانقلابات كوسيلة للتغيير، قائلة: “سامح الله من اجتهد وقتها ورأى أنه يجب القيام بالمحاولة من أجل التغيير”.

من جهته، قال النائب يحيى اللود إن “الانقلابات لم تكن يومًا طريقًا للخلاص، لا في موريتانيا ولا في غيرها”، معتبراً أنها كانت دائماً “مدخلاً للحكم العسكري والدكتاتورية وسببًا في تعطيل الدولة والمجتمع”.

وتابع النائب البرلماني أن محاولات تبرير أو تمجيد الانقلاب الذي قاده العقيد صالح ولد حننه عام 2003 تمثل “خطأً تاريخيًا”، مشدداً على أن “الانقلابات لا تبني الدول، بل تهدمها”، مضيفاً أن “التاريخ القريب والبعيد في موريتانيا يثبت أن كل انقلاب كان بوابة لخراب جديد، لا لخلاص”.

فيما وصف عبد العزيز إسلم محاولة الانقلاب بأنها “طائشة” أدخلت البلاد في مرحلة من الاضطراب السياسي وأدت إلى نتائج كارثية.

اجترار الذكريات

فضل عدد من الموريتانيين اليوم استعادة ذكرياتهم المرتبطة بمحاولة الانقلاب العسكري عام 2003، مستذكرين دوي الرصاص وتأثير تلك اللحظات على حياتهم ومشاعرهم.

في هذا السياق، استرجع سيدي المختار أحمد ذكرياته مع الانقلاب، موضحًا أنه كان تلميذاً في مدينة جكني، ولم تصلهم أخبار المحاولة بسبب بُعد المدينة وانقطاع الاتصالات. وأضاف أن المعلم بدا متوتراً لكنه لم يشغل المذياع في الفصل لتجنب إثارة الخوف. وأشار إلى أنه بعد فشل المحاولة عادت الأمور إلى طبيعتها، وخرجت مسيرات مؤيدة للشرعية عبرت عن فرحتها بتجنب البلاد كارثة سياسية.

من جانبه، قال شاهد على أحداث الانقلاب إنه كان عند دوار “بي أم دي” عندما شاهد أسطولًا من الدبابات يتجه نحو القصر الرئاسي، ما أثار حالة من الرعب والهلع بين السكان الذين لم يعتادوا على هذا المشهد في وسط العاصمة.

وروى الصحفي البراء ولد محمدن كيف قضى الليلة على سطح منزله في حي عرفات، حيث قُطعت أجواء السكون بأصوات إطلاق النار وأضواء القذائف التي أضاءت السماء. وأضاف أن المدينة كانت تغلفها رائحة البارود، وأن المصلين في المسجد المجاور سمعوا جعجعة السلاح أثناء الصلاة، مما زاد من توترهم وخوفهم.

وختم بالقول إن الفوضى والارتباك تلاهما هدؤ تدريجي مع سيطرة الجيش على الوضع، مؤكداً أن تلك الليلة تركت أثراً عميقاً في نفوس السكان، وأن الوطن لا يُبنى بالرعب، ولا تنمو الديمقراطية في تربة الخوف.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس