أفريقيا برس – موريتانيا. عادت قضية الرق في موريتانيا لتتصدر الواجهة من جديد، مع إحياء الذكرى السنوية لتأسيس ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، وهم «أرقاء موريتانيا السابقون»، حيث نظّم الميثاق مسيرة حاشدة في نواكشوط شارك فيها نشطاء وحقوقيون وممثلون عن جميع الأحزاب السياسية يتقدمها حزب الإنصاف الحاكم.
وفي كلمة بالمناسبة، حذّر رئيس الميثاق، يرب ولد نافع، من أن منظومة الاستعباد لا تزال قادرة على تجديد أدواتها، مستفيدة من حماية بعض قوى النفوذ والهيمنة، حسب قوله.
وقل إن «منظومة الغبن والتهميش والاستعباد تستعيد إنتاج أدواتها وتجد الحماية والمؤازرة من قوى الغرور والاستعلاء والهيمنة».
وأضاف ولد نافع في كلمة أمام مسيرة نظمها ميثاق الحراطين: «أنتم أدرى منا بحال سكان أحزمة الغبن والتهميش في العاصمة والمدن، وبحال أي التجمعات البدوية، حيث تستعيد منظومة الغبن والتهميش والاستعباد إنتاج أدواتها وتجد الحماية والمؤازرة بكل أسف من قوى الغرور والاستعلاء والهيمنة».
وقال إن هذه المسيرة تهدف إلى تنبيه «من يحكمون البلد بقضية نعتبرها أكبر قضايا الوطن وأهمها وأنبلها قضية لحراطين ضحايا ممارسات الاستعباد الظالمة ومخلفاتها القاسية المفجعة». ولفت إلى أن هذه المسيرة «موعد تجدد فيه القوى والشخصيات المكونة للميثاق تمسكها بما جاء في وثيقته التأسيسية من تنبيه على خطورة الظلم الواقع على لحراطين في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعهدها برفض ذلك الظلم ومطالبتها بإيقافه وتصحيح ما ترتب عليه من اختلالات».
وقال «إن مسيرة الميثاق تنظم هذه السنة، وهناك من لم يعد يخجل من وقوع الظلم واستمراره، بل يشهر السيف ويرفع الصوت في وجه من يطالب بالعدل والحرية».
وأضاف: «لقد استمعنا في الميثاق بإنصات، وتابعنا باهتمام الخطابات التي وعدت بالإنصاف ومحاربة الغبن والتهميش، وقدمنا مقترحاتنا وتصوراتنا لتحقيق ما تم رفعه من عناوين وشعارات؛ ولكننا نشعر بأسف كبير لأننا نرى على الأرض استمرار ذات العقليات وذات الممارسات، ما جعل الواقع المختل الذي أخرجنا أول يوم ما زال يستدعينا لنخرج كل مرة».
وتابع: «أنتم تعرفون مظاهر الفشل في إنفاذ القانون المجرم للاسترقاق، وأنتم شهود على الانحراف بما يفترض أنه مشاريع لمواجهة ممارسات الاسترقاق ومخلفاته إلى وجهات غير وجهاته وعلى استبعاد من يمتلكون الخبرة والقدرة عن الإسهام في توجيه بوصلته الوجهة الصحيحة والسليمة».
ونبه ولد نافع إلى «معاناة الحالة المدنية ومعاناة التعليم، وتأثير ارتفاع الأسعار والفساد والمحسوبية على الطبقات الهشة وعلى عموم المواطنين». وعبر ولد نافع عن أمله «في أن يكون الميثاق جزءاً من الحوار السياسي الذي يجري التحضير له»، مضيفاً «أنهم في الميثاق، بادروا بالتواصل مع الجهات المعنية وقدموا رؤيتهم آملين أن يتم تصحيح الخطأ لنكون شركاء أصليين في الحوار، وفي مواضيعه وورشاته».
ودعا رئيس الميثاق «الجميع إلى مد أيديهم إلى الأمام مبسوطة، تعبيراً عن نداء وطني واستعداد وطني متجدد لبسط اليد لكل شركاء الوطن لنتقدم معاً لتحقيق ما في وثيقة الميثاق من مطالب، فهي ليست مطالب مجموعة لحراطين ولا قضية لحراطين وحدهم، هذه مطالب وقضية كل الموريتانيين بكل لغاتهم وألوانهم وجهاتهم؛ هذه قضية البيظان والفلان والسوننكية والولف»، حسب تعبيره.
ودعا المشاركون في المسيرة التي جابت شوارع العاصمة، عبر شعاراتهم ولافتاتهم، للقضاء على ما سموه «تهميش وإقصاء شريحة الحراطين»، مطالبين «بحصولها على حقوقها في التعليم وشغل الوظائف القيادية في الدولة وأجهزتها السيادية، وباعتماد سياسة تمكن الأرقاء السابقين من تجاوز «واقع الفقر والأمية».
وأكد منظمو المسيرة السنوية على ضرورة بذل أقصى الجهود لتتجاوز هذه الشريحة هذا الواقع المؤلم، وهو ما أكدوا أنه لن يتأتى «إلا في إطار مجهود شامل على درب المساواة والإنصاف المنطقي ووضع حد للإفلات من العقاب»، مبرزين «أن ذلك يتطلب جهداً جماعياً للحكومة والمجتمع وقادة الرأي».
وقال إبراهيم ولد رمظان، رئيس هيئة الساحل الناشطة في مجال مكافحة الرق: «إن ميثاق الحراطين لم يتلقَّ ضربات طيلة مساره النضالي إلا من داخل بعض قيادات وسياسيي لحراطين أنفسهم، لا من أي مكون آخر»، متهماً أطرافاً داخلية بإفشال المبادرات وتبديد الثقة الشعبية في المشروع.
ووجه ولد رمظان في بث مباشر على صفحته اتهاماً مباشراً للنائب البرلماني ورئيس حركة إيرا بيرام الداه ولد اعبيد، قائلاً: «بيرام تآمر مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لإفشال مشروع الميثاق سنة 2013، وانسحب بشكل مفاجئ من حفل إطلاقه في دار الشباب القديمة، في واقعة شهيرة ما زال صداها حاضراً في الذاكرة الجماعية».
وحول مشاركة حزب الإنصاف الحاكم في مسيرة الميثاق الأخيرة، اعتبر ولد رمظان أن «حضور الجناح السياسي للنظام لهذه المسيرة يعكس اعترافاً رسمياً بمطالب ومشاكل لحراطين، وهو في حد ذاته مكسب سياسي كبير لا يمكن التقليل من شأنه».
وأضاف قائلاً: «نحن اليوم أمام خيارين، إما أن نعمل على تجسيد شعارات الميثاق وتحويل مشاكل لحراطين إلى حلول عملية، والسلطة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك هذا الحل، وحضور حزبها في الفعالية يمثل بداية مهمة في هذا الاتجاه، أو أن نتمسك بجعل هذه المشاكل مجرد شعارات للاستهلاك السياسي، ونرسخ في الأذهان أنه لا حل لها إلا إذا فاز بيرام بالرئاسة، وهذا هو جوهر المتاجرة بعينه».
وقد أظهر إحياء ذكرى تأسيس ميثاق الحراطين أن نشطاء الميثاق ومناصريهم ما زالوا يعتبرون أن مظاهر الرق ومخلفاته قائمة ومتجذرة؛ وفي مقابل ذلك تؤكد السلطات الموريتانية أنها قطعت أشواطاً مهمة في محاربة الرق عبر جملة من الإجراءات التي اتُخذت في هذا الصدد، من بينها إنشاء محاكم خاصة بقضايا الرق، وسن قوانين تجرّم الاسترقاق وتعاقب مرتكبيه، وإلزامية التعليم في المدرسة الجمهورية ضمن سياسة تهدف إلى تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص.
وتؤكد الحكومة أن هذه السياسات تعبّر عن التزام الدولة بمواجهة الظاهرة ومخلفاتها، معتبرة أن معالجتها تتطلب وقتاً وتعاوناً مجتمعياً، لا مجرد نضالات خطابية أو احتجاجية.
غير أن منظمات حقوقية ترى أن التطبيق العملي لا يزال ضعيفاً، وأن العقليات التقليدية كثيراً ما تعرقل جهود الإنصاف والعدالة، ما يجعل الهوة مستمرة بين النص القانوني والواقع المعيش.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس