تأييد المحكمة العليا لحكم الرئيس السابق يثير الجدل

1
تأييد المحكمة العليا لحكم الرئيس السابق يثير الجدل
تأييد المحكمة العليا لحكم الرئيس السابق يثير الجدل

أفريقيا برس – موريتانيا. تصدّر قرار المحكمة العليا الصادر، الثلاثاء، بحق الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، واجهة الأحداث السياسية في موريتانيا، وأعاد إلى الواجهة النقاش حول مسار العدالة وحدود التداخل بين القانون والسياسة، في بلد يعيش منذ سنوات على وقع سجالات «ملف العشرية» الذي ارتبط باسم الرئيس السابق وعدد من كبار المسؤولين في عهده.

وأكدت الغرفة الجزائية في المحكمة العليا، برئاسة رئيس المحكمة العليا، الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف منتصف أيار/مايو الماضي، والتي تضمنت السجن النافذ لمدة 15 عاماً، ومصادرة الممتلكات، وتجريد الرئيس السابق من حقوقه المدنية، إضافة إلى رفع قيمة التعويض الممنوح للطرف المدني، وإلغاء تهمتين من التهم الموجهة في الملف، كما رفضت المحكمة طلب الدفاع بإحالة الملف إلى تشكيلة قضائية أخرى.

وبهذا القرار، يكون الحكم نهائيًا ونافذًا، ليطوي آخر مراحل التقاضي في أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في تاريخ القضاء والسياسة بالبلاد.

وسارعت هيئة الدفاع عن الرئيس السابق في بيان أصدرته، إلى وصف القرار الذي اتخذته المحكمة العليا بأنه «سياسي محض ينتهك الدستور والقانون، ولا يستند إلى أية بينة»، مؤكدة «أن المحكمة العليا غير مختصة دستوريًا في محاكمة رؤساء الجمهورية وفقًا للمادة 93 من الدستور، وقرار المجلس الدستوري رقم 009».

وأضافت الهيئة في بيانها «أن تشكيلة الغرفة الجزائية كانت فاسدة»، على حد وصفها، مشيرة «إلى أن رئيس المحكمة العليا ناشط سياسي في الحزب الحاكم، وأن الغرفة استعملت صلاحيات الغرف المجمعة دون سند قانوني».

وأضاف البيان: «موكلنا الرئيس محمد ولد عبد العزيز زعيم سياسي وبطل قومي شجاع، حارب الفساد والنفوذ الأجنبي والتطبيع، وبنى موريتانيا وخدم شعبها بأمانة وإخلاص، وهو فوق الشبهات».

وفي تعليق آخر، قال عضو فريق الدفاع عن الرئيس السابق المحامي عبد الرحمن ولد أحمد طالب: «إنه كان برفقة الرئيس السابق لحظة تلقيه خبر الحكم، وإن الأخير بدا مبتسماً وراضياً بقضاء الله وقدره رغم وضعه في سجن انفرادي منذ سبع سنوات».

وفي المقابل، رأى مواطنون وناشطون أن الحكم يمثل «تتويجًا لمرحلة مكافحة الفساد واستعادة الأموال العامة»، معتبرين أن القضاء «قال كلمته النهائية».

وعلّق المدون أحمدها عبد الله الموالي للرئيس السابق، قائلاً: «خمس عشرة سنة من السجن… سبع سنوات مضت وهو خلف القضبان… تدهورت صحته وتراجعت قواه… وأين الذين كانوا يهتفون باسمه ويطالبونه بولاية ثالثة؟ هل تركوه وحيدًا؟».

وأضاف: «السلطة امتحان… والوفاء عملة نادرة… والتاريخ وحده من يُنصف أو يُدين».

وعلّق الأستاذ حسن اعمر بلول، وهو من أبرز الأصوات المؤيدة للسلطة الحالية، قائلاً: «المحكمة العليا تسدل الستار على أطول وأخطر مسار قضائي عرفته البلاد، فتؤكد حكم محكمة الاستئناف السابق على السيد محمد ولد عبد العزيز، الرئيس الأسبق، مع تغليظ الغرامة وتوسيع نطاق المصادرات لتشمل ممتلكات وأصول أخرى.»

وأضاف: «الرسالة واضحة: الحكومة الموريتانية بقيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ملتزمة كل الالتزام باستقلالية القضاء، ومحاربة الفساد، ومحاسبة المسؤولين على أخطائهم أياً كانت مناصبهم أو مستوياتهم.»

وزاد: «هذا الموقف يعكس رؤية شريحة واسعة من داعمي النظام القائم، الذين يرون في الحكم إشارة سياسية وقانونية إلى نهاية عهد الإفلات من المساءلة، و»تثبيت سيادة الدولة على المال العام».

ويأتي هذا الحكم بعد سلسلة طويلة من الإجراءات القضائية التي استمرت سنوات، وشملت تحقيقات برلمانية وقضائية واستئنافات متعددة.

ففي عام 2020 أحالت لجنة التحقيق البرلمانية تقريرها إلى القضاء، متهمة الرئيس السابق وعددًا من أركان حكمه بارتكاب مخالفات تتعلق بإدارة المال العام، ومنح العقود الحكومية، واستغلال النفوذ.

وتلا ذلك فتح ملف قضائي واسع أمام قطب مكافحة الفساد، ثم إحالة المتهمين إلى محكمة محاربة الفساد التي أصدرت حكمها نهاية 2023 بسجن الرئيس السابق خمس سنوات.

غير أن مرحلة الاستئناف في مايو 2025 غلّظت العقوبة إلى 15 عاماً، مع مصادرة الممتلكات والتجريد من الحقوق المدنية، قبل أن يأتي قرار المحكمة العليا الأخير ليؤكد الحكم مع بعض التعديلات الشكلية، ويجعله نهائياً غير قابل للطعن.

وقد رافقت هذه المراحل متابعة شعبية واسعة وضغط إعلامي مكثف، جعل من القضية أحد أكثر الملفات حساسية وإثارة للانقسام داخل الرأي العام، بين من يراها محاسبة عادلة ومن يصفها بـالتصفية السياسية.

ولا يغلق قرار المحكمة العليا فصول نزاع قانوني فحسب، بل قد يرسم ملامح مرحلة سياسية جديدة، في ظل تحولات تشهدها البلاد، وتنافس محموم على مواقع النفوذ داخل مؤسسات الدولة.

وفي بلد لا يزال يتلمس طريقه بين إرث الماضي وطموح المستقبل، يظل السؤال مفتوحًا: هل أُقفل فعلاً «ملف العشرية» بمنطوق الحكم النهائي؟ أم أن القضية ستفتح فصولاً جديدة داخل المشهد السياسي الموريتاني، وربما داخل الشارع؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس