أفريقيا برس – موريتانيا. عاد ملف الأمن في المناطق الحدودية بين موريتانيا ومالي إلى الواجهة بعد الهجوم الدامي الذي استهدف قرية «أنگومل» داخل الأراضي المالية، والتي تقطنها منذ عدة عقود مجموعة من الأسر الموريتانية.
وأودى الاعتداء الذي نفذته عناصر مسلحة تابعة لحركة ماسينا التكفيرية، بحياة شخصين وخلف عدداً من المختطفين، فيما شُردت عشرات الأسر التي وجدت نفسها بلا مأوى أو مؤونة.
ووجه أهالي القرية نداءً عاجلاً إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للتدخل السريع وإنقاذهم من الوضع المأساوي.
وطالبت الأسر المتضررة بتأمين مساكن بديلة، وتوفير المواد الأساسية بعد أن فقدت كل ممتلكاتها جراء الهجوم.
وبالتوازي مع ذلك، نظم ذوو المعتقلين الموريتانيين في مالي،أمس الثلاثاء، وقفة احتجاجية أمام ساحة الحرية قبالة القصر الرئاسي بالعاصمة نواكشوط، طالبوا خلالها الرئيس الغزواني بالتدخل المباشر لإطلاق سراح أبنائهم الذين اعتقلتهم السلطات المالية منذ تموز/يوليو 2025 أثناء بحثهم عن مواشيهم في منطقة الحدود الموريتانية المالية المشتركة.
وأكد المحتجون «أنهم لم يتلقوا أي معلومة عن ذويهم منذ أشهر، ما أثار حالة من القلق والارتباك داخل الأسر».
وناشد المتحدث باسمهم، عبد الله بيدر، السلطات الموريتانية بإدخال الطمأنينة على الأهالي عبر كشف مصير أبنائهم.
وشددت فاطمة محم سيدي، إحدى النساء المشاركات في الوقفة، التأكيد على «أن أبناءهم معتقلون ظلماً وعدواناً داخل مالي»، مؤكدة «أنهم لن يقبلوا استمرار هذا الوضع، فيما طالب آخرون بتأكيد رسمي يثبت أن المعتقلين ما زالوا على قيد الحياة».
ورفع المحتجون لافتات كُتب عليها: «سكان مقاطعة غابو يناشدون الرئيس بالتدخل المباشر لإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين في مالي منذ يوليو 2025».
وفي خضم هذه التطورات، دخلت المعارضة الموريتانية على خط الأزمة، حيث أصدر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (الإسلاميون)، الذي يرأس حالياً مؤسسة المعارضة الديمقراطية، بياناً شجب فيه «الهجوم الإرهابي الهمجي» على قرية أنگومل، وأعلن تضامنه مع الضحايا والمتضررين.
وتحدث الحزب في بيانه عن تعرض مجموعة من السكان العزل المسالمين في هذه القرية لهجوم غادر من طرف إحدى الجماعات المسلحة الناشطة بالمنطقة، أسفر عنه سقوط ضحايا عديدين ما بين قتلى وجرحى ومختطفين، إضافة إلى نهب ممتلكات المواطنين من ماشية ومنقولات وغيرها.
وذكر الحزب في بيانه بحرمة استحلال الدماء والأموال المعصومة، «كل المسلم على المسلم حرام»، مع براءة الدين الإسلامي الحنيف من أعمال الحرابة والنهب التي يرتكبها البعض باسمه كذباً وزورا».
ودعا الحزب الحكومة الموريتانية «إلى تحمل مسؤولياتها في حماية المواطنين، وفتح تحقيق عاجل في الحادثة، مع العمل على استرجاع المختطفين والممتلكات المنهوبة؛ كما طالب بإنشاء مركز إيواء مجهز لاستيعاب النازحين الذين شردتهم الاعتداءات.
وأعلن الحزب تضامنه مع المتضررين، وتعزيته لذوي الضحايا، مطالباً «بفتح تحقيق فوري بخصوص هجوم قرية «أنگومل» الإرهابي، ومحاسبة الضالعين فيه، واسترجاع المخطوفين والممتلكات المنهوبة».
ويعكس الهجوم الأخير على القرية التي يقطنها موريتانيون، هشاشة الوضع الأمني في المناطق الحدودية، حيث تتنامى أنشطة الجماعات المسلحة مثل حركة ماسيينا، في ظل غياب تنسيق فعّال بين نواكشوط وباماكو لضبط الحدود وتأمين السكان.
ويرى مراقبون أن تصاعد هذه الاعتداءات يضع الحكومة الموريتانية أمام اختبار صعب، فهي مطالبة بالتحرك سريعاً لحماية مواطنيها، سواء عبر قنوات دبلوماسية مع السلطات المالية، أو من خلال آليات التعاون الأمني الإقليمي.
ويهدد التوتر المتجدد بين موريتانيا بزيادة الضغط على الحكومة في نواكشوط، خصوصاً في ظل مطالب المعارضة والشارع باتخاذ خطوات عملية وسريعة. وبين نداءات الاستغاثة وصرخات المحتجين، يظل مصير المختطفين، وأمن القرى الحدودية، معلقاً على مدى جدية وإرادة الطرفين في مواجهة خطر الجماعات الإرهابية.
وفي المحصلة، يعكس تجدد الاعتداءات على المواطنين الموريتانيين داخل الأراضي المالية هشاشة الوضع الأمني في منطقة الحدود، ويؤكد أن تداعيات الأزمة المالية لم تعد شأناً داخلياً بل أصبحت تهديداً مباشراً لموريتانيا وللاستقرار في الساحل عموماً.
وبينما تتصاعد الأصوات المعارضة مطالبة بتدخل حازم لحماية أرواح الموريتانيين ومصالحهم، تبدو الحكومة أمام اختبار حقيقي لموازنة أولوياتها بين ضبط الحدود، وتكثيف التنسيق الدبلوماسي والأمني مع باماكو، وبين طمأنة الرأي العام الداخلي.
وهكذا يبقى الملف مفتوحاً على احتمالات متعددة؛ وعلى السلطات إثبات قدرتها على تحويل الضغوط الحالية إلى فرصة لإعادة صياغة استراتيجية شاملة للأمن القومي تتجاوز الطابع الظرفي للردود، نحو معالجة جذرية ومستدامة لهذا التهديد المتجدد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس