أفريقيا برس – موريتانيا. تشهد الساحة الموريتانية حالياً جدلاً واسعاً بعد قرار وزارة المالية القاضي بإنهاء عقود آلاف مقدمي الخدمات في القطاعات الحكومية، وهو ما أثار مخاوف من اتساع دائرة البطالة وتصاعد الاحتقان الاجتماعي مع اقتراب نهاية العام.
وألزم الأمين العام لوزارة المالية في تعميم إداري، كافة القطاعات الحكومية بفسخ العقود المبرمة مع مقدمي الخدمات والشروع في إجراءات إنهائها.
وبناء على ذلك، فإن آلاف الموظفين الموريتانيين المتعاقدين مع مختلف الإدارات الحكومية سيجدون أنفسهم مهددين بفقدان وظائفهم مع حلول 31 كانون الأول /ديسمبر 2025.
وتساءل الكتاب والمدونون عن الصفة القانونية التي تخوّل الأمين العام إصدار تعميم بصيغة «إجبارية»، واعتبروا «أن القرار جاء مفاجئاً، وأنه خلّف استياءً عارماً وشعوراً بالمرارة لدى فئات واسعة من المستهدفين الذين بدأ بعضهم فعلياً في تنظيم احتجاجات للمطالبة بإنصافهم».
كما استغربت المصادر الربط بين إعلان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال خطاب الاستقلال عن اكتتاب 3000 موظف، وبين «التسريح الجماعي» لمتعاقدين يعمل كثير منهم منذ سنوات ويعيلون أُسراً في ظروف اجتماعية صعبة، مرجحة أن يتدخل الرئيس للموازنة بين مقتضيات الإصلاح الوظيفي والبعد الاجتماعي لتجنب «كارثة اجتماعية وخلل إداري» مع مطلع 2026. في المقابل، أكدت وزارة المالية، في بيان رسمي، أن التعميم يهدف إلى ترسيخ الشفافية والعدالة والمساواة أمام الوظائف العمومية، مشيرة إلى بروز «ظاهرة جديدة» تتمثل في عقود لتقديم خدمة دون مسابقة ودون إذن من المالية، وفي حالات دون دليل على تأدية الخدمة».
وأوضحت الوزارة أنها قررت تسوية الوضعية عبر دفع مستحقات المتعاقدين حتى 31 كانون الأول /ديسمبر 2025، وعدم تجديد العقود إلا بعد الالتزام بالإجراءات القانونية، والسماح للقطاعات التي تقدم أعمالاً دائمة بطلب اكتتاب نظامي للعمال، مع إتاحة إمكانية التعاقد المؤقت للخدمات المحددة، لكن دون اعتباره «عقد عمل».
وأكد البيان أن الاكتتاب في الوظيفة العمومية يخضع لمساطر واضحة وضعتها اللجنة الوطنية للمسابقات وبمصادقة وزارة المالية، سواء تعلق الأمر بالموظفين النظاميين أو المتعاقدين.
وفي خضم الجدل، أعلن الفريق البرلماني لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (يقود زعامة المعارضة ومحسوب على الإخوان) «أنه تابع الملف ميدانياً، وتواصل مع مجموعات من مقدمي الخدمات، وكلّف اثنين من نوابه بلقاء الأمين العام لوزارة المالية».
وأكد الفريق البرلماني في بيان شديد اللهجة «رفضه لفصل أي عامل يؤدي خدمة فعلية، والمطالبة بترسيمه فوراً؛ والدعوة لتسريح من لا يؤدي عملاً حقيقيًا ومحاسبة من يتستر على الفساد، مع فتح باب الاكتتاب بشفافية وسرعة وفق معايير تضمن تكافؤ الفرص والكفاءة».
وشدد حزب التجمع التأكيد «على أن إصلاح الإدارة يبدأ من حماية حقوق العاملين ومحاربة التلاعب والزبونية»، معتبراً أن «العدالة ينبغي أن تُفرض على الجميع دون استثناء».
ويبدو أن ملف مقدمي الخدمات يتحول إلى أحد أكبر الملفات الاجتماعية والإدارية سخونة في موريتانيا مع نهاية 2025، وسط مخاوف من انفجار أزمة اجتماعية في حال لم تُعالج الفوارق بين مقتضيات الإصلاح الإداري وحاجة آلاف الأسر إلى الاستقرار الوظيفي.
وبين قرارات حكومية تُبرَّر بضرورات «ترشيد التسيير» وواقع اجتماعي ينذر بانفجار وشيك، يبقى ملف فسخ عقود مقدمي الخدمات مفتوحاً على كل الاحتمالات، فالمئات من الأسر الموريتانية دخلت فعلياً في دائرة القلق، والآلاف مهددون بفقدان مصدر رزقهم الوحيد، فيما تتسع دائرة الجدل يوماً بعد يوم دون بروز حلول عملية تطمئن الشارع.
ومع أن دخول المعارضة على الخط رفع منسوب الضغط السياسي، لكنه لم يغيّر بعدُ من معادلة الانتظار الثقيلة التي يعيشها المتضررون.
وفي غياب رؤية واضحة تدير الوضع وتحدّ من تداعياته الاجتماعية، يخشى كثيرون أن تتحول هذه الأزمة من ملف إداري إلى كارثة اجتماعية تعصف بالاستقرار الهشّ لشرائح واسعة.
وإلى أن تتضح الصورة، يبقى الشارع الموريتاني معلقاً بين وعود التصحيح وواقع المعاناة، منتظراً ما إذا كانت الحكومة ستتراجع، أم ستقدم حلولاً بديلة، أم إن الأزمة ستتسع لتفتح فصلاً جديداً من التوترات الاجتماعية والسياسية في البلاد.





