أفريقيا برس – موريتانيا. تتجه الأنظار في موريتانيا إلى محكمة الاستئناف المختصة في الجرائم الاقتصادية، التي يُنتظر أن تصدر ظهر اليوم الأربعاء، حكمها فيما يُعرف إعلاميًا بملف «العشرية»، والمتهم فيه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وذلك بعد أشهر من المرافعات والمداولات التي تنحبس لها أنفاس الرأي العام الموريتاني.
وفي هذا السياق، جدد فريق الدفاع عن ولد عبد العزيز «التأكيد على أن موكلهم يتمتع بحصانة دستورية منصوص عليها في المادة 93 من الدستور، التي تحصر محاسبته في حالة «الخيانة العظمى» من طرف الجمعية الوطنية، وتحصر اختصاص محاكمته في محكمة العدل السامية وحدها».
ودعا المنسق المحامي محمدن ولد أشدو، خلال مؤتمر صحافي أمس «السلطة التنفيذية إلى «رفع يدها عن القضاء والسماح له بأن يفصل بحرية ونزاهة في هذا الملف»، الذي وصفه بأنه «مفصلي في مسار العدالة والحياة الديمقراطية في البلاد».
وقال منسق هيئة الدفاع «إن الدفاع قدّم كل ما يثبت قانونيًا أن الرئيس السابق لم يرتكب أي فعل يجرّمه القانون، ولم يُتهم رسميًا من البرلمان، ولا توجد شكوى مباشرة ضده، كما لم تُقدّم النيابة العامة أي بينة تُثبت الإدانة».
وأكد ولد أشدو أن الحكم المنتظر يمثل اختبارًا لاستقلالية القضاء وصدقيته، قائلاً: «إما أن يُحترم الدستور وتُصان مؤسسة الرئاسة، أو نكون أمام سابقة تفتح الباب أمام تسييس العدالة»، مضيفًا أن الرأي العام يتابع هذا الملف عن كثب، وينتظر حُكمًا يعكس احترام الدستور والمؤسسات.
ويأتي هذا التطور في لحظة حاسمة، حيث يعتبر كثيرون أن الحكم في هذا الملف قد يحدد طبيعة العلاقة بين السلطات في موريتانيا، ويرسم مستقبل المحاسبة السياسية في بلد يسعى لترسيخ دولة القانون والمؤسسات.
وتتابع موريتانيا بحذر وترقّب بالغين، صدور الحكم غدًا عن محكمة الاستئناف في نواكشوط، في واحد من أكثر الملفات القضائية حساسية في تاريخ البلاد، وهو ملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، المتابع بتهم تتعلق بالفساد والإثراء غير المشروع خلال فترة حكمه التي امتدت من 2009 إلى 2019. وتعود فصول هذا الملف إلى سنوات من التحقيقات والمرافعات بدأت منذ 2020، وشكّلت سابقة على مستوى محاسبة رؤساء الدول في موريتانيا.
وانطلق الملف في يناير 2020، حين قرر البرلمان الموريتاني تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بهدف التدقيق في ملفات فساد يُشتبه بوقوعها خلال فترة حكم ولد عبد العزيز.
وقد شملت التحقيقات عدة ملفات حساسة، من بينها تسيير شركة سونمكس، وصفقات الطاقة، وبيع ممتلكات الدولة، وتسيير الموانئ.
وفي يوليو من العام نفسه، أنهت اللجنة أعمالها بإصدار تقرير مفصل أحيل إلى القضاء، متضمناً شبهات قوية حول اختلاسات وسوء تسيير، ما شكّل الأساس لفتح تحقيق قضائي رسمي.
وفي آب/أغسطس 2020، تم استدعاء الرئيس السابق لأول مرة من قبل الشرطة، غير أنه رفض الإجابة على الأسئلة متذرعًا بالمادة 93 من الدستور التي تمنح الرؤساء حصانة من الملاحقة خلال توليهم المنصب، باستثناء حالة الخيانة العظمى.
ولاحقًا، أُخضِع ولد عبد العزيز لعدة إجراءات احترازية، شملت التوقيف المؤقت ووضعه تحت المراقبة القضائية المشددة، إضافة إلى مصادرة جواز سفره.
وفي مارس 2021، وجّهت النيابة العامة تهمًا ثقيلة إلى 12 شخصًا، من بينهم ولد عبد العزيز، تنوعت بين الإثراء غير المشروع، واستغلال النفوذ، وغسل الأموال، والإضرار بالمصالح الاقتصادية للدولة.
وأحال قاضي التحقيق الملف إلى المحكمة الجنائية المختصة بجرائم الفساد، بعد عدة جلسات استماع وتحقيق معمق.
وفي 25 يناير 2023، بدأت أولى جلسات المحاكمة التاريخية، والتي وُصفت بأنها أول محاكمة لرئيس سابق في موريتانيا بتهم فساد تعود إلى فترة حكمه.
وشملت قائمة المتهمين إلى جانب ولد عبد العزيز، وزراء سابقين ومسؤولين كبارًا، وحظيت الجلسات بمتابعة إعلامية وشعبية واسعة.
وتواصلت المحاكمة على مدى أشهر طويلة، تميزت بسماع عشرات الشهود وتقديم تقارير خبراء وتقاطع دفوع قانونية متعددة.
وتمسك ولد عبد العزيز ببراءته، رافضًا الاعتراف بالمحكمة أو التهم الموجهة إليه، واصفًا المحاكمة بأنها ذات طابع سياسي.
وتناولت المرافعات قضايا تتعلق بإدارة الثروات العامة، والصفقات العمومية، والتحويلات العقارية التي جرت خلال فترة حكمه.
وفي 4 ديسمبر 2023، أصدرت المحكمة الجنائية المختصة حكمها بإدانة الرئيس السابق بتهمتي «الإثراء غير المشروع» و»استغلال النفوذ»، وقضت بسجنه خمس سنوات نافذة مع مصادرة جزء من ممتلكاته.
وفيما تمت تبرئة بعض المتهمين الآخرين، أدين آخرون بأحكام متفاوتة حسب التهم المنسوبة إليهم.
وطعن فريق الدفاع عن الرئيس السابق في الحكم، وأحيل الملف إلى محكمة الاستئناف التي عقدت عدة جلسات للنظر في الملف من جديد.
ويُنتظر أن تصدر المحكمة حكمها النهائي في القضية هذا اليوم الأربعاء 14 مايو/أيار، في قرار قد يكون حاسمًا على المستوى السياسي والقضائي، ويُحتمل أن يرسم ملامح مستقبل العدالة في البلاد وحدود المحاسبة في التجربة الديمقراطية الموريتانية.
ويمثل ملف محاكمة محمد ولد عبد العزيز سابقة قضائية في تاريخ موريتانيا، ويُنظر إليه على أنه اختبار لجدية الدولة في محاربة الفساد، وإنفاذ مبدأ المساءلة حتى على أعلى مستوى.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس