خطاب أنبيكت لحواش.. لحظة ميلاد جديدة بين الدولة والمجتمع

11
خطاب أنبيكت لحواش.. لحظة ميلاد جديدة بين الدولة والمجتمع
خطاب أنبيكت لحواش.. لحظة ميلاد جديدة بين الدولة والمجتمع

المهندس عبد الرحمن أعمر

أفريقيا برس – موريتانيا. من أقصى الشرق الموريتاني، من أنبيكت لحواش، خرج صوت الرئيس هذه المرة مختلفًا في نبرته ووجهته. لم يكن خطابًا عابرًا في سياق المناسبات، بل بدا كإعلانٍ عن مرحلة جديدة في علاقة الدولة بالمجتمع، ورسالة واضحة المعالم تعيد تعريف معنى الانتماء، وحدود المسؤولية، وواجب المواطنة.

بين منطق الدولة ومنطق العصبية

سمّى الرئيس الأشياء بأسمائها، وكسر جدار الصمت الطويل الذي ظلّ يحيط بعلاقة الإدارة بالولاءات التقليدية. فحين يُمنع الموظفون العموميون من حضور الاجتماعات ذات الطابع القبلي، فذلك ليس مجرّد ضبطٍ سلوكي، بل تحوّل في فلسفة الدولة نفسها.

إنها لحظة مواجهة بين منطق العصبية ومنطق القانون، بين دولةٍ تريد أن تنهض على أسس العدالة والانتماء العام، ومجتمعٍ لا يزال مشدودًا إلى ظلال التاريخ.

ولعلّ الرسالة الأوضح هي أن زمن الازدواجية انتهى: لا يمكن للموظف أن يجمع بين خدمة الدولة وخدمة الانقسامات، ولا أن يكون صوتًا للوطن إذا ظلّ أسيرًا لعصبيةٍ ما قبل وطنية.

الاستثمار العمومي.. من الغنيمة إلى المسؤولية

التحريم الصريح للنزاعات القبلية حول الاستثمارات العمومية يُعدّ محطة مفصلية في مسار بناء الدولة.

فالمشاريع العامة لم تعد غنيمة تُدار بمنطق التموقع الاجتماعي، بل ملكًا وطنيًا مشتركًا يُفترض أن يُدار بمنطق العدالة والشفافية.

وهنا تتراجع المساحات التي كانت تستغلها بعض القوى التقليدية لإعادة إنتاج نفوذها داخل جهاز الدولة.

إنها إشارة إلى أن المال العام ليس ميدان تنافس قبائل، بل أمانة وطنية تُدار لخدمة الجميع بلا استثناء.

خطاب ضمير قبل أن يكون خطاب سلطة

في نبرته الهادئة والحازمة، بدا الرئيس كمن يخاطب ضمير الأمة قبل أن يوجّه أوامر الإدارة.

وحين قال إنه “صبور ويتجاوز الكثير، لكن بعد الليلة هناك خط أحمر”، كان يعلن عن بداية وعيٍ جديد في العلاقة بين المواطن والدولة، لا حملة عقوبات.

خطابٌ يُلهِم روح الانتماء لا الخوف، يدعو إلى احترام الدولة لا إلى الخضوع لها، ويعيد تعريف السلطة كوسيلة بناءٍ لا أداة تسلّط.

إنه خطابٌ يُعيد الاعتبار لفكرة الدولة ككيانٍ أخلاقي جامع، لا كجهازٍ إداري محايد.

النخبة ومسؤولية الوعي الجديد

توقف الرئيس عند دور النخبة، لا بوصفها فئة مثقفة فحسب، بل بصفتها شريكًا في هندسة الوعي الوطني.

فما لم تُواكب النخبة هذا التحول بخطابٍ فكري وإعلامي وثقافي، سيظل المشروع ناقصًا.

النخبة اليوم مطالَبة بأن تكون بوصلة المجتمع، لا صدىً له، وأن تعمل على تفكيك البنى التقليدية التي تقف في وجه قيام دولة القانون والمؤسسات.

من الهامش إلى قلب الدولة

أنبيكت لحواش لم تكن مجرّد محطة جغرافية، بل رمزًا للهامش الذي عاد إلى مركز الدولة.

من هناك، خرجت رسالة وطنية تقول: لقد آن الأوان لإعادة بناء العقد الاجتماعي على أسسٍ جديدة — المواطنة، العدالة، والانتماء.

خطاب أنبيكت لحواش ليس حدثًا سياسيًا عابرًا، بل وثيقة تحولٍ وطني تؤذن ببدء مرحلة جديدة، تتقدّم فيها موريتانيا بخطى واثقة نحو دولة القانون، دولة المواطن، ودولة

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس