الباحث المغربي إدريس هاني لـ«القدس العربي»: غزة ليست قضية فلسطينية أو عربية بل قضية مستقبل البشرية والقيم الكونية… والأمم المتحدة أمام اختبار تاريخي

5
الباحث المغربي إدريس هاني لـ«القدس العربي»: غزة ليست قضية فلسطينية أو عربية بل قضية مستقبل البشرية والقيم الكونية… والأمم المتحدة أمام اختبار تاريخي
الباحث المغربي إدريس هاني لـ«القدس العربي»: غزة ليست قضية فلسطينية أو عربية بل قضية مستقبل البشرية والقيم الكونية… والأمم المتحدة أمام اختبار تاريخي

أفريقيا برس – المغرب. يرى إدريس هاني، الباحث المغربي في قضايا الفكر العربي، أن الحرب الإسرائيلية على غزة “غيّرت وجه العالم من حالة الالتباس إلى حالة الوقاحة، بحيث إنه لا يمكن أن تفرض على التاريخ حالة الاستثناء”، وأكد بالقول: “لقد سقط العالم الحر حين سمح بالإبادة ضد شعب أعزل، لمدة شهور متتالية”.

ومتحدثاً إلى “القدس العربي” تابع: “عندما تصل حصيلة الخراب والإبادة إلى هذا الحد، يصبح الوضع لا رجعة فيه، كما أن هذا التغاضي والتجاهل يعني أن الوضعية البشرية في حالة تقتضي انقلاباً في القيم الكونية والجماعية”.

وبالنسبة للباحث نفسه، فـ “ليست فلسطين اليوم هي المحشورة تاريخياً، بل الاحتلال”، لأن “التقنية لا تعوّض العجز البنيوي للاحتلال، والتاريخ لا يبدأ هنا، بل هو مجرى ممتد، وقوانينه تجري على كل الأمم، كما أنه لا يمكن فرض الأمر الواقع على شعب حي ما يزال يطالب بحقه في أرضه، وهذه حقيقة ظهرت بشكل كبير في الحرب على غزة”.

استعرنا من المفكر إدريس هاني عنوان كتابه “سرّاق الله”، لنسأله عن سرّاق أرض فلسطين، سرّاق الحياة والأمان وأحلام الحرية، فأجاب أن “السرّاق من طبيعة واحدة، والسرقة جنس واحد، وسرّاق الأرض هم سراق التاريخ أيضاً، وسراق المعنى والرمز”.

وأضاف موضحاً أن “الأرض كحيز، هي نسق من العلامات، هي الهوية والانتماء، أو هي المرجعية أيضاً لو شئنا اعتبار الهوية هي المرجعية عند فيلسوف المسافة، فرنسوا جوليان”، ويخلص قائلاً: “إنهم ملة واحدة: سراق الله والتاريخ والأرض والمعنى…”.

سؤال الحضور الفكري في نضال الشعب الفلسطيني يفرض نفسه بقوة، خاصة التساؤل عن صيحة فكرية مجتمعة تعيد الأمور إلى نصابها وتزيد من دعم الشعب الفلسطيني. وجازماً يقول إدريس هاني إن “هذه الصيحة موجودة ومستمرة، ولكن عنف السياسة الدولية والقوى الإمبريالية التقليدية ما زالت تعاند في تثبيت ما لا يثبت بعنف التاريخ أيضاً”.

وأردف: “هي صيحات تتراكم، ولا أفق للاحتلال مهما تذرع بالتقنية والسياسات الدولية والمناورات”، لأن “العامل الأهم هنا هو صمود الشعب الفلسطيني، ومواصلة الكفاح والمقاومة التي جعلت الموقف أكثر وضوحاً من قبل”، ويستطرد بقوله: “نعم، ما يجري لا يتناسب مع حجم المأساة، ولكن ليس بالإمكان فرض الجمود على العالم وعلى الشعوب”.

بالحديث عن الشعوب، يمكن القول إن نبضها معيار مهم لقياس مدى تفاعل النخب مع أي من القضايا الأساسية، وتجد النخب العربية نفسها محاصرة بحكم مسبق لدى الرأي العام والذي يفيد بعدم وجودها في المعترك، وأن لا أثر يذكر للمثقفين أو غيرهم من النخبة في ساحة الدفاع عن القضية الفلسطينية في هذا الظرف العصيب والحرج.

لم يعترض إدريس هاني على هذا الحكم المسبق الذي يجوز لدى البعض، لأن “هناك ملة من المثقفين آثرت الحياد النكد، واكتفت بنشر الملل وخيبات الأمل”، ويتابع موضحاً أن “هذا موجود في كل جيل”، لكنه يعود ليؤكد أن “هذا لا يحجب ملة أخرى من المثقفين المنتمين إلى قضايا الأمة والإنسانية، ويرون أن دور المثقف هو الانخراط في مشكلات عصره، وهؤلاء موجودون، في العالم العربي وفي الغرب نفسه”.

ويرى المتحدث أن “بعض المثقفين يتعللون بأن القضية الفلسطينية باتت قضية متاجرة ودكاكين، كما هو الوضع في بعض البلاد ومنها المغرب، ولذا عزفوا أمام تكتل الشعبوية والازدواجية والمزايدة وبعض المكونات التي تحاول احتكار العمل التضامني بحثاً عن تعويض ما، وهذا صحيح من ناحية، لكن وجب ألا يحوّل دون دور المثقف أو تبرير انسحابه”.

ولاحظ في هذا السياق أن “هناك ما يشبه صراعاً خفياً، أو لنقل هو تحسس من بعض الدكاكين الشعبوية من قبل المثقف المستوعب لتفاصيل الصراع، وهذه حالة مرضية، لا يمكنها أن تكون مبرراً للاستقالة وخيار الحياد، لأن فلسطين هي قضية المثقف العربي الأولى، شاء أم أبى، لأنها ظلت مدار الأيديولوجيا العربية المعاصرة، وستظل كذلك”.

على الأرض في غزة، الوضع لا يشبه أي شيء سوى الخراب والألم، ويكون من الصعب وضع توصيف مناسب له، لذلك يقول إدريس هاني: “لا أستطيع أن أصف كل تلك الصور المأساوية، التي عبرت عنها في أكثر من نثيرة شعرية.” ويضيف بألم شديد: “إنها أسوأ صورة عن الوضعية البشرية. اليوم، ليست غزة قضية فلسطينية أو عربية، بل هي قضية مستقبل البشرية، مستقبل القيم الكونية ومستقبل المعنى”.

من حديث الألم والوجع، إلى حديث الرهان الذي يقول البعض إن القضية الفلسطينية ربحته، وعادت إلى واجهة الاهتمام الدولي بصورة أنقى وأنصع رغم الخسائر المروعة في الأرواح والبنى التحتية، وهو ما ثمنه إدريس هاني بالإيجاب قائلاً: “بالفعل، لقد كانت القضية الفلسطينية على وشك التصفية النهائية، صفقة تلو الأخرى، اليوم دخلت القضية الفلسطينية إلى كل البيوت، كل الضمائر، شرقاً وغرباً، الاحتجاجات ملأت الدنيا، وأعني الاحتجاجات التي تشهدها البلاد غير العربية وغير المسلمة، في أوروبا وأمريكا وسائر القارات. وضع الأمم المتحدة أمام اختبار تاريخي، القضية الفلسطينية باتت في الصدارة بعد أن حسبها البعض في عداد القضايا الميتة”.

وماذا يتوقع أن يكون مستقبلاً خلف دخان القذائف ونيران القصف وأرواح الفلسطينيين وهي تحلق بعيداً عن أرض غزة؟ يجيب: “خلف هذا الدخان أرى انتصارات قادمة، وتغييراً جذرياً في قواعد الاشتباك، وانهيار تكتلات وبروز أخرى، ونظاماً عالمياً جديداً متعدد الأقطاب والأبعاد، وتراجعاً في قوة الجذب الإمبريالي، وتفكك الاحتلال حتمية تجري وفق قواعد ميكرو فيزيائية، ونزاعات مزمنة ستطوى، وأخرى ستظهر لم تكن في الحسبان، سقوط كل أكاذيب الحرب الباردة وما تبقى منها، سقوط فكرة صدام الحضارات، موجة جديدة من إعادة إنتاج وعي بعموم وانتظارات ما كان يعتبر عالماً ثالثاً، حيث بعض منها بدأ يخرج من جحيم الجنوب ويلتحق بنادي الأقطاب الصغرى والمتوسطة. خلف كل هذا الخراب صورة تفاؤلية تخفيها تلك السحب والأدخنة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس