محللان سياسيان لـ«القدس العربي»: المعارضة المغربية تتبنى مبادرات في وقت بدل الضائع استعداداً للانتخابات

3
محللان سياسيان لـ«القدس العربي»: المعارضة المغربية تتبنى مبادرات في وقت بدل الضائع استعداداً للانتخابات
محللان سياسيان لـ«القدس العربي»: المعارضة المغربية تتبنى مبادرات في وقت بدل الضائع استعداداً للانتخابات

أفريقيا برس – المغرب. تُسابق بعض أحزاب المعارضة في المغرب الزمن، عبر تبنِّي عدد من المبادرات والخطوات في محاولة لترميم العلاقة بينها، وتدارك ما تبقى من زمن الولاية الحالية وهي على مشارف بداية النصف الثاني منها.

وشهدت الأسابيع المنصرمة لقاءات تشاورية وتنسيقية بين حزبَي “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” و”التقدم والاشتراكية”، حول مجموعة من الملفات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالوضع العام في البلاد، وجرى الاتفاق بين قيادات الحزبين اليساريين المعارضين على تعزيز العمل المشترك وبلورة رؤى ومبادرات سياسية موحدة في اتجاه الانفتاح على باقي الأحزاب الأخرى.

كما تأتي لقاءات الحزبين في إطار رغبتهما في “قيام جبهة معارضة تضم كل من له مصلحة في حماية التوازن المؤسساتي والدفاع عن المكتسبات”.

وقبل أسبوع فقط، كشف إدريس لشكر، الكاتب الأول (الأمين العام) لحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، عن وجود حوار مع كافة أحزاب المعارضة من أجل التحضير لـ”ملتمس رقابة” مرتقب شهر نيسان/ أبريل المقبل.

ويعد “ملتمس الرقابة” من أهم الآليات التي يملكها البرلمان في مجال الرقابة على العمل الحكومي، ذلك أنه أداة قانونية لإسقاط الحكومة، ولم يستعمل البرلمان المغربي ملتمس الرقابة إلا مرتين فقط خلال سنة 1964 وسنة 1990.

وينص الدستور المغربي لعام 2011 على السماح لخُمُس أعضاء مجلس النواب بالتصويت على ملتمس الرقابة، ولا تصح الموافقة عليه من قبل مجلس النواب إلا بموافقة الأغلبية المطلقة للأعضاء، ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس وتؤدي الموافقة عليه إلى استقالة جماعية للحكومة.

وقت بدل ضائع

ويستبعد مراقبون أن يحقق “ملتمس الرقابة” الهدف المتوخى منه والمتمثل في إسقاط الحكومة، بحكم أن هذه الأخيرة تتوفر على أغلبية مريحة في البرلمان، تتمثل في الأحزاب الثلاثة (التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال)، فضلاً عن حزب “الاتحاد الدستوري” الذي يساند الحكومة حتى وإن كان في المعارضة، وكذلك الشأن بالنسبة لحزب “الحركة” ذي الموقف الملتبس.

تحركات المعارضة اعتبرها رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، محاولة تنسيق في الوقت بدل الضائع، وبكونها تفتقد الإرادة السياسية لمواجهة الحكومة وتطوير الآليات الدستورية لتحقيق التوازن داخل المؤسسات.

ويرى المتحدث لـ “القدس العربي” أن الخطوة جاءت لإزالة الحرج في طبيعة المواضيع التي ستطرح والتي تفرض نفسها بقوة مثل مدونة القانون الجنائي ومدونة الأسرة، والتي تستوجب تكتل القوى اليسارية لتفعيل الحقوق الدستورية للمعارضة وتمكينها من القيام بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية.

ومع اقتراب الحكومة من تجاوز منتصف ولايتها، ما تزال المعارضة معطّلة وعاجزة عن تفعيل أدواتها الدستورية ودعائمها، وفق الباحث الأكاديمي، كونها تُتيح بلوغ غايات حيوية في تعزيز قوة وتوازن المؤسسات حيث تعد بمثابة الجناح الآخر أو عنصر الاتزان المؤسساتي في مواجهة الحكومة.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة “إن تعيين الحكومة برئاسة عزيز أخنوش أظهر أن المشاركة في الحكومة باتت وسيلة للاستفادة من الريع الحكومي. كما أن رفض دخول “الاتحاد الاشتراكي” للحكومة جعله يحتج بتعطيل المعارضة وبات الدخول للحكومة غاية عوض أن تكون وسيلة عبر الاتجاه إلى تعطيل المعارضة”، وفق تعبير المتحدث.

وأبرز لزرق أن المعارضة لطالما كانت مدرسة لتأهيل النخب الاجتماعية والسياسية وتدريبِها على تَمثًّل مفهوم المصالح الوطنية، والتعاطي مع تعدد الاتجاهات الاجتماعية، والتمرّس على إدارة الشأن العام، وفرصة لطرح مشروع بديل يحقق التداول الديمقراطي حول السلطة. لهذا اتجهت الهندسة الدستورية في دستور 2011 إلى تعزيز حقوق المعارضة، بهدف تقوية الخيار الديمقراطي الذي بات معطلاً بفعل طموح قيادات سياسية.

استعدادات انتخابية

وقالت مريم بليل، الباحثة في العلوم السياسية، إن المعارضة تعاني من إشكالية على مستوى عدد برلمانييها القليل (أقل من الثلث)، الأمر الذي لا يُخوِّل لها ممارسة عدد من الآليات لمراقبة عمل الحكومة وفق ما ينص عليه الدستور. كما أنه من الصعب تمرير التعديلات المقترحة من طرف المعارضة؛ ما يجعلها محاصرة على الرغم من تنوعها.

“صحيح أن هذه الولاية تشهد تنوعاً كبيراً لأحزاب المعارضة على المستوى السياسي والإيديولوجي، إلا أنه تنوع دون انعكاس عددي يخول تنفيذ الآليات ما يجعل النتائج محدودة تقول بليل ضمن تصريح لـ “القدس العربي”.

وتساءلت: “هل يقوم البرلمان بدوره في الرقابة والتشريع، أم أصبح مؤسسة توافق على التشريعات وتمارس رقابة هادئة على الحكومة؟”.

تحركات مهمة

وتعليقًا على تحركات ومبادرات أحزاب المعارضة في الفترة الأخيرة، أوضحت المحللة السياسية المغربية أن النصف الثاني من الولاية الحكومية عادة ما يعرف تحركات مهمة على المستوى السياسي استعدادًا للانتخابات، على عكس الهدوء الذي طبع المشهد خلال نصف الولاية الأولى.

معطى آخر أشارت إليه بليل متعلق بتغيير هياكل مجلس النواب خلال بداية النصف الثاني من الولاية، حيث يعاد انتخاب مختلف الهياكل المشكلة لمجلس النواب من الرئيس لرؤساء اللجان للمكاتب المُسيّرة، وهو ما تجد له المتحدثة تفسيرًا بكونه “فرصة تحاول المعارضة استغلالها لتحوز على أكبر عدد من رؤساء اللجان ومقاعد في مكاتب اللجان وأيضًا في مكتب رئاسة المجلس”.

وقالت الباحثة في العلوم السياسية إن الدستور أعطى مكانة مهمة للمعارضة ومكَّنها من عدد من الآليات، أبرزها رئاسة “لجنة العدل والتشريع” بالنظر للقوانين المهمة والمهيكلة التي تستعد لمناقشتها، كمدونة الأسرة ومدونة القانون الجنائي وغيرها من القوانين؛ خاتمة حديثها بالتأكيد على أنه “لن يكون إلا إيجابيًا أن يتوفر المغرب على معارضة قوية، فالديمقراطيات تبنى بوجود معارضة تقوم بالأدوار المخولة لها دستوريًا، وأي خطوات لتستعيد المعارضة مكانتها وفق ما جاء به دستور 2011 سيكون لها وقع إيجابي”.

وتعيش أحزاب المعارضة المغربية نوعًا من التشرذم وعدم تقوية صفوفها، بحكم اختلاف مرجعياتها الإيديولوجية وخلفياتها السياسية، فمن جهة يبدو حزب “العدالة والتنمية” المحافظ منعزلًا عن باقي الأحزاب بعدما تولى قيادة الجهاز التنفيذي لولايتين اثنتين، ومن جهة ثانية يظل “الحزب الاشتراكي الموحد” يغرد خارج السرب، مكتفيًا بالظهور الإعلامي البارز لأمينته العامة نبيلة منيب، فيما يسعى حزبا “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” و”التقدم والاشتراكية” استرجاع أنفاسهما بعد سنوات من الإنهاك التنظيمي الراجع إلى عوامل ذاتية وأخرى موضوعية متصلة بالسياق السياسي العام في البلاد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس