أفريقيا برس – المغرب. فيما يشبه الاتهام بالتواطؤ، أكد الحسين اليماني، الكاتب العام لـ “النقابة الوطنية للبترول والغاز”، أن “الاستمرار في التفرج أو التشجيع على سرقة جيوب المغاربة مقابل الكسب غير المشروع للفاعلين في القطاع (ارتفاع الأرباح الصافية، توسع الاستثمارات وتناسل المحطات، تزايد الاحتياطات المالية…) تتحمل فيه المسؤولية الحكومة الحالية التي ترفع شعار الدولة الاجتماعية، مقابل افتراس القدرة الشرائية لعموم المغاربة واستمرار موجة الغلاء، المرتبطة أساساً بارتفاع أسعار المحروقات”.
التصريح الذي ورد على شكل تدوينة نشرها صاحبها على صفحته في “فيسبوك”، ألهبت الجدل مجدداً حول سوق المحروقات بالمغرب وارتفاع الأسعار، أورد فيها العديد من الأرقام بداية بالثمن المفترض للبنزين والغازوال من فاتح إلى منتصف تشرين الأول/أكتوبر، كما أعادت النقاش الاقتصادي الذي يفيض على ضفاف ما هو اجتماعي، بحكم تضرر العديد من المهنيين من الارتفاع المستمر لأسعار المحروقات، رغم الدعم الذي كانت قد أقرته الحكومة في وقت سابق.
وفي تصريح لـ “القدس العربي”، قال الحسين اليماني وهو أيضاً رئيس “الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول” المعروفة بـ “لاسامير”، إن “الثابت في المغرب هو ارتفاع أسعار المحروقات مقارنة مع المعمول به قبل عملية حذف الدعم ما بين سنتي 2012 و2015، وتفعيل القرار الثاني وهو تحرير الأسعار”.
وأوضح أن “المغرب قبل وصول حكومة الإسلاميين (يقصد بها الحكومة التي قادها حزب العدالة والتنمية طيلة عشر سنوات ولاية بن كيران ثم العثماني)، كان ثمن الغازوال الذي هو الأكثر استهلاكاً في المغرب، لا يتجاوز سقف 7 إلى 8 دراهم (أقل من دولار واحد)، لكنه في السنوات الأخيرة تخطى كل سقف ممكن وتجاوز حتى 16 درهماً (1.64 دولار).
ومتتبعاً أصل المشكل، استعرض اليمني، أسباب هذا الارتفاع الكبير مؤكداً أنه يعزى إلى “حذف الدعم من طرف الدولة لاعتبارات تدخل في إطار التوازنات المالية، ثم القرار الثاني القاضي بتحرير الأسعار، بمعنى أن يصبح السوق حراً، وأن ينخرط الفاعلون في المنافسة فيما بينهم، في اتجاه تكسير الأثمنة حتى يستفيد منها المواطن والمقاولات المستعملة للمحروقات”.
ويستطرد المتحدث بالإشارة إلى أن “طبيعة سوق المحروقات في المغرب التي فيها تركيز عالي تحتكره 3 شركات كبرى، وتسيطر على أكثر من نصفه، لا يمكن أن يكون فيها تحرير للأسعار، لذلك فقد استغل الفاعلون في قطاع المحروقات الوضعية لصالحهم منذ 2015، وعملوا على رفع أرباحهم، حيث إنها كانت من قبل تحدد من طرف السلطات في 60 دولاراً للطن، بينما هي اليوم وفق المتابعات التي نقوم بها تقريبا يوميا، وعلى حسب السوق الدولية وسعر الدولار، لا تقل عن 2000 درهم (204 دولارات)، بمعنى أن هامش الربح تضاعف أكثر من ثلاث مرات، وهو ما يظهر جلياً على الوضع المالي لهذه الشركات”.
وزاد الحسين اليمني موضحاً أنه بعد تحرير سوق المحروقات، هناك شركات تعيش وضعاً مالياً مريحاً جداً، بل هناك “شركات رغم أنها لا تسيطر سوى على 14 أو 15 في المائة من السوق، فإن الربح قفز بشكل كبير”.
وشدد المتحدث على أن “أسعار المحروقات اليوم في المغرب لا تناسب القدرة الشرائية للمواطنين”، وبالنسبة للحسين اليمني، فإنه ضد مقارنة الأسعار، بل “المقارنة الصحيحة هي حسب القدرة الشرائية، بمعنى أن دولة مثل المغرب التي لديها الحد الأدنى من الأجور، الذي بالكاد يفوق بقليل 300 دولار، لا يمكننا أبداً أن نطلب من المواطن المغربي أن يشتري البنزين بالثمن نفسه الذي يشتري به المواطن الإسباني الذي يتوفر على حد أدنى من الأجر لا يقل عن 1200 دولار أمريكي”.
لذلك يوضح المتحدث، أن “على هذه المقارنة بين الأسعار أن تأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية”، وحسب اليمني، فإن “الخطير في المغرب أن ارتفاع أسعار المحروقات كان سبباً في ارتفاع مجموعة من الخدمات والسلع أيضاً”.
وخلص النقابي إلى أن مطالب “النقابة الوطنية للبترول والغاز” العضو في “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” و”الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول”، واضحة للخروج من هذا الوضع، وذلك عبر ثلاثة مداخل، أولها “إلغاء قرار التحرير؛ لأن الحكومة اتخذته ومن حقها التراجع عنه”، ثانياً “خفض الضريبة على المحروقات”، ثم المدخل الثالث وهو “العودة إلى تكرير البترول وإحياء مصفاة (لاسامير)، لأن ذلك سيدفع في اتجاه ضبط وخلق شروط التنافس في السوق وخلخلة هذه التوافقات وتلك التفاهمات بين الشركات المسيطرة”.
التدوينة التي أحيت الجدل من جديد حول المحروقات في المغرب، كتبها النقابي واستعرض فيها أرقاماً ومعطيات، بداية بافتراض أن الحكومة قررت “الرجوع لتسقيف وتحديد أسعار المحروقات، على قاعدة الحسابات التي كان معمولاً بها قبل نهاية 2015، وبناء على متوسط الثمن لطن الغازوال في السوق الدولية، الذي يناهز 674 دولاراً، ومتوسط ثمن طن البنزين الذي يناهز 667 دولاراً. وباعتبار متوسط صرف الدولار (9.74)، فإن ثمن لتر الغازوال في محطات التوزيع في المغرب يجب ألا يتعدى 9.83 درهم (دولار واحد) وثمن لتر البنزين، يجب ألا يتعدى 10.92 درهم (1.12 دولار)، وذلك خلال النصف الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2024.
ومن خلال القراءة في لوحات محطات التوزيع في المحمدية (القريبة من الدار البيضاء) والنواحي، يفيد اليمني في تدوينته: “لا يقل ثمن الغازوال عن 11.80 (1.21 دولار)، وثمن البنزين عن 13.70 (1.40 دولار)، وهو ما يؤكد أن أرباح الفاعلين ما زالت مرتفعة، وذلك رغم التقارير المنمقة لمجلس المنافسة والمحاولات اليائسة لبعض المواقع والخبراء تحت الطلب، لتطبيع المغاربة مع الأرباح الفاحشة للمحروقات في المغرب، التي لا تقل عن 8 مليار درهم سنوياً”.
وبتحليل الثمن الحالي للغازوال (الأكثر استهلاكاً في المغرب)، يقول اليمني إنه “يتكون من 38٪ فقط من ثمن النفط الخام، في حين تقسم 60٪ من الثمن بين أرباح الفاعلين (22٪) والتكرير والضرائب والتوصيل (38٪)، وهو ما يعني بأن الحكومة في مقدورها تخفيض أسعار المحروقات من خلال تنزيل أرباح الموزعين والعودة لتكرير البترول في المغرب بإحياء شركة (سامير) وبمراجعة الثقل الضريبي على المحروقات”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس