مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. بعد مخاض طويل داخل مخيمات تندوف وفي “الشتات الصحراوي” اتسم بقمع صوتهم المعارض بشدة، انشق قادة ونشطاء عن جبهة البوليساريو ليؤسسوا مع صحراويين آخرين في 2020 إطارا سياسيا جديدا يدعو إلى حل سياسي للنزاع حول الصحراء الغربية، الذي سيدخل خلال السنة الجديدة عامه الخمسين.
في الحوار التالي الذي أجراه “أفريقيا بريس” مع “السالك ولد محمد ولد رحال” الناطق الرسمي باسم الحركة، نكتشف صوتا هادئا وخطابا مختلفا أخذ يجد طريقه إلى المنتديات والمنظمات الدولية…
لو تحدثوننا بداية عن ظروف ظهور حركة “صحراويون من أجل السلام”؟ كيف تُعَرِّف الحركة بنفسها؟
أولا، شكرا جزيلا لكم على هذا الاهتمام الاعلامي بحركة صحراويون من أجل السلام. أما بخصوص سؤالكم حول ظروف ظهور الحركة وكيف تعرف بنفسها، نحيطكم علما بأن الحركة هي نتيجة طبيعية لحراك شعبي داخل جبهة البوليساريو ابتدأ منذ 2014، عبر أشكال احتجاجية مختلفة كانت تطالب بضرورة تغيير نهج البوليساريو لتتماشى مع المتغيرات الإقليمية والدولية، من خلال فتح المجال للأصوات المعارضة. فقد انطلق الحراك في البداية عن طريق “المبادرة الصحراوية للتغيير” التي حاولت أن تنشط من داخل البوليساريو لكن هذه الأخيرة رفضت ولا تزال ترفض رفضا تاما أي معارضة مهما كانت، تطبيقا للفصل 31 مما يسمى “دستور” البوليساريو، والذي ينص بالحرف الواحد على أنه “لا يسمح لأي حزب أو جمعية بالنشاط إلا بعد الاستقلال”، وعلى هذا الأساس تم تأسيس حركة “صحراويون من أجل السلام” في أبريل 2020.
الحركة تعرف نفسها بأنها صوت صحراوي آخر ينادي بالسلم طريقا لحل مشكلة الصحراء الغربية بدلا عن الشعار القديم “بالبندقية ننال الحرية”. والحل الذي تقترحه حركتنا يراعي الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية ومطالب مجلس الأمن الدولي، القاضية بضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي مقبول ودائم لهذا المشكل الذي طال أمده صراحة..
بين المغرب الذي يمارس سيادته المطلقة على الصحراء، من جانب، وجبهة بوليساريو التي فرضت نفسها “ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الصحراوي، من جهة ثانية، هل استطاعت حركتكم فرض نفسها كطرف ثالث ضمن معادلة هذا النزاع المعقد؟
أستطيع التأكيد لكم أن الحركة بدأت تفرض نفسها كمخاطَب صحراوي جديد على المشهد السياسي المحلي والدولي، من خلال عدة أنشطة تواصلية ومؤتمرات دولية للتعريف بخارطة الطريق التي تقدمها الحركة، بين ما تطالب البوليساريو به وبين ما يقدمه المغرب من مبادرات. وتواصل الحركة التعريف بنفسها وإرسال رسالتها السلمية النبيلة عبر مقترحات عملية تتواءم مع الشرعية الدولية والواقع على الأرض.
كثير من قادة وأعضاء الحركة انشقوا عن جبهة بوليساريو، وفي تصريحات قادة الحركة كما في أدبياتها السياسية، یعتبرون بأن جبهة البوليساريو دخلت طور “أفول تدريجي”.. ما هي “الأضرار الجانبية” لهذا التراجع على الحاضنة الشعبية للحركة وعلى المنطقة؟
حول الواقع الحالي لجبهة البوليساريو نستطيع التأكيد بأنها توجد في مراحل دبلوماسية وعسكرية جد حرجة، من بين أبرز مظاهرها سحب عدة دول اعترافها بها، وعدم تحقيق أي شيء يذكر على الساحة العسكرية بعد إعلانها العودة إلى الكفاح المسلح في نوفمبر من العام 2020.. وبالتالي فإن هذا التراجع قد أثر كثيرا على معنويات البقية الباقية من الصحراويين الذين يؤمنون بطرح الجبهة، حيث لاحظنا محاولة العديد منهم ممن يتواجدون في مخيمات تندوف البحث عن خيارات أخرى، من قبيل محاولات عشرات الآلاف منهم الحصول على الجنسية الموريتانية، أو السفر والاستقرار بشكل دائم في أوروبا.. وهو مؤشر يبدو أنه في تزايد أمام تراجع الدعم للبوليساريو دوليا..
عطفا على ذلك، الملاحظ في السنوات الأخيرة أن الجزائر هي من أصبحت تدير المعركة السياسية والديبلوماسية ضد المغرب، بينما تراجع صوت وحضور الجبهة.. على ماذا يؤشر ذلك في تقييمكم؟
حضور الجزائر اللافت في قضية الصحراء الغربية مؤخرا هذا مرده في رأينا لعدم ثقة الجزائر في قدرة البوليساريو على النجاح في مهمتها سياسيا، وهو ما اضطرها إلى الحضور والمشاركة باسم البوليساريو في مختلف المحافل الدولية وإظهار حقيقة أنها هي الطرف الرئيسي في نزاع الصحراء الغربية كما كنا نؤكد على ذلك مرارا. ونرى بأن الدور الجزائري سوف يكون أكثر وضوحا خلال السنة المقبلة مع تسجيل موقف جديد، قد يكون أكثر جرأة في تناول ملف الصحراء الغربية. ونتمنى أن توضح الجزائر موقفها أمام الجميع وتعترف بأنها هي الطرف الرئيس، كما نتمنى أن تلعب دورا إيجابيا وتساهم في تقريب جميع وجهات النظر الصحراوية المختلفة حول هذه القضية..
قبل أشهر، ألمح المبعوث الأممي إلى الصحراء ستافان دي ميستورا، إلى أن حل النزاع قد يكون بتقسيم الصحراء بين المغرب وجبهة بوليساريو… علما أن المغرب وجبهة بوليساريو معا رفضا هذا الاقتراح جملة وتفصيلا، ما هو موقفكم في الحركة؟
بخصوص تلميح السيد ستيفان دي ميستورا بخيار تقسيم الصحراء الغربية كحل سياسي للنزاع، نحن في حركة صحراويون من أجل السلام نرفض هذا الاقتراح رفضا تاما ونعتبره حلا غير واقعي وغير عملي بتاتا، لأنه حل يقسم العائلات الصحراوية إلى نصفين بين جهتين.. نحن مع حل سياسي للساقية الحمراء ووادي الذهب معا وضد أي محاولة للتقسيم، مع التذكير طبعا بأن جبهة البوليساريو ورغم أنها رفضت هذا المقترح ظاهريا، إلا أنها سبق أن فضلت هذا الخيار في 2001، كما سبق أن أشار إلى ذلك الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، في تقريره المؤرخ في 23ماي 2003 في الفقرة 43، عندما أشار إلى خيار “تقسيم الإقليم الذي تفضله الجزائر وجبهة البوليساريو “.
أنتم تمارسون نشاطكم السياسي بكل حرية في الأقاليم الصحراوية وموريتانيا حيث لديكم حضور، لكن ماذا عن مخيمات اللاجئين بتندوف وباقي مناطق الشتات؟
نستطيع التأكيد لكم في هذا الصدد أن البوليساريو تمنع أي نشاط معارض لها، وأذكركم بالفصل 31 المشار اليه في السؤال الأول، لذلك نحن ممنوعون من ممارسة أي نشاط هناك [في تندوف]. لكن نقوم بالتوعية والتأطير عبر عدة وسائل أخرى متاحة لنا، وبالخارج نقوم بعدة أنشطة تواصلية مع الصحراويين المهتمين بالحركة. كما نقوم بمبادرات تواصلية مع صحراويين مؤمنين بطرح البوليساريو، بالإضافة إلى المؤتمرات الدولية التي تنظمها الحركة بشكل سنوي. وللإشارة، نحن نقوم بالتحضير لعقد المؤتمر الدولي الثالث للحركة خلال الثلث الأول من السنة المقبلة 2025.
على الرغم من استحالة تنظيم “استفتاء” في الصحراء، ما تزال بوليساريو ومعها الجزائر تطالبان بـ “حق تقرير المصير” بعد نصف قرن من اندلاع النزاع.. لماذا هذا التمسك بمطلب تعجيزي، في وقت تغير العالم كثيرا من حولنا؟
للتذكير فقط، فعبارة “استفتاء تقرير المصير” اختفت من جميع قرارات مجلس الأمن الدولي، منذ القرار 1394 الصادر في 27 فبراير 2002 إلى اليوم. وعوضا عنها، يقول المجلس بـ “حل سياسي مقبول ودائم”. أما بصدد تمسك الجزائر والبوليساريو بهذا الخيار، فهي محاولة متعمدة لإطالة أمد هذا النزاع والاستفادة من المتاجرة بالمساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين في مخيمات تندوف، مع العلم أن جبهة البوليساريو والجزائر ترفضان إلى حد الآن السماح لمنظمة غوث اللاجئين بإجراء إحصاء للاجئين هناك، فكيف تطالب بإجراء الاستفتاء؟ وما هي الهيئة الناخبة المؤهلة لهذا الاستفتاء، الذي سبق أن عبرت الأمم المتحدة بنفسها عن استحالة تنظيمه، نظرا لعدة عراقيل وتعقيدات بنيوية اجتماعية.؟
لذلك نعتقد بأن البوليساريو والجزائر لا تتوفران على الإرادة السياسية لحل النزاع حول الصحراء الغربية، ما دامتا متمسكتان بخيار سبق أن عبر مجلس الأمن الدولي عن التخلي عنه نهائيا..
في تصريح أدلى به مؤخرا، اعتبر رئيس حركتكم “الحاج أحمد بارك الله” بأن سنة 2025 سوف تكون “مصيرية” بالنسبة إلى النزاع حول الصحراء.. كيف ذلك؟
بالفعل فالسنة المقبلة سوف يمر على قضية الصحراء الغربية نصف قرن من الزمن دون حل، وبالتالي لن ينتظر المجتمع الدولي المزيد من ضياع الفرص السياسية، خصوصا أمام أطراف لا تتوفر لديها النوايا الصادقة للانخراط في البحث عن الحلول الواقعية تطبيقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالملف. ونحن في حركة “صحراويون من أجل السلام”—على استعداد تام للانخراط في أية ديناميكية حقيقية لحل هذا النزاع، ونطالب الأمم المتحدة وجميع الأطراف المعنية بالإنصات إلى وجهة نظرنا كصحراويين ننتمي إلى إقليم النزاع [الصحراء الغربية].
في ختام هذا اللقاء، ما الذي يعنيه انضمام حركتكم “صحراويون من أجل السلام” إلى الأممية الاشتراكية بالنسبة إليكم؟
هذه خطوة مهمة جدا في الاتجاه الصحيح وفرصة كبيرة لتعريف العالم بخارطة الطريق التي تضعها الحركة بين يدي كافة المهتمين بالبحث عن حل سلمي وعملي. كما نشكر بهذه المناسبة الأممية الاشتراكية على قبولنا كعضو مراقب، ونتمنى أن نساهم في إثراء النقاشات الدولية التي تتخذ من السلم وسيلة لحل النزاعات عبر العالم. وشكرا جزيلا لكم في “أفريقيا بريس” على إتاحة هذه الفرصة لنا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس