محمد الغفري: حراك 20 فبراير رسخ مفهوم الاحتجاج للمطالبة بالحقوق

47
محمد الغفري: حراك 20 فبراير رسخ مفهوم الاحتجاج للمطالبة بالحقوق
محمد الغفري: حراك 20 فبراير رسخ مفهوم الاحتجاج للمطالبة بالحقوق

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. محمد الغفري ناشط سياسي متعدد الحضور والعمل الميداني، على أكثر من جبهة وواجهة في المغرب. كان منسقا وطنيا لـ “تنسيقيات مناهضة الغلاء” سابقا، التي لعبت دورا مهما في تأطير الاحتجاج الاجتماعي خلال الفترات السابقة لظهور حركة 20 فبراير في 2011. بعد ذلك، شارك في المخاض الذي قاد إلى انبثاق الحركة وأصبح أحد الفاعلين البارزين فيها. وهو حاليا يقوم بمهام المنسق الوطني لـ “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع”، التي لعبت وتلعب دورا لافتا في تأطير الفعل المناهض للتطبيع مع الكيان، والمتضامن مع فلسطين.

في اللقاء التالي، نفكك معه خبايا دروس ومآلات حركة 20 فبراير، ونُسائل حاضر ومستقبل الفعاليات التضامنية مع فلسطين، إلى جانب قضايا راهنة أخرى كثيرة.

مرت أسابيع معدودة على مرور الذكرى 14 لانطلاق “حركة شباب 20 فبراير”، مرورا باهتا في الشارع وفي الإعلام المغربي.. هل معنى ذلك أن روح “20 فبراير” قد انتهت؟

أعتقد أنه أثناء “20 فبراير” [احتجاجات الشارع المغربي في 2011] وبعدها، أصبح المواطن المغربي أكثر إلحاحا من ذي قبل في المطالبة بحقوقه والجهر بها. وهذه من النتائج الإيجابية والمهمة التي رسختها حركة 20 فبراير، بحيث أنه في مدن نائية أصبح بسطاء الناس يحتجون للمطالبة بحقهم ─مثلا─ في فك العزلة والولوج إلى العلاج، الخ. وهذا الواقع الجديد لم يكن قبل انطلاق 20 فبراير بهذا الزخم، بل كان نادر الحصول. وفي غمرة احتجاجات الحركة وبعدها، تواصلت الاحتجاجات وتتواصل حتى اليوم رافعة مطالب اجتماعية وسياسية في إطار حراكات على مستوى المناطق المغربية المتفرقة عبر جهات المغرب الأربع [حراكات مناطقية]. ولا ينحصر الأمر هنا فحسب بالاحتجاجات في الريف وجرادة وفكَيكَ، بل حتى في بلدات وقرى صغيرة في المغرب العميق الي تطالب بحقها في إنشاء مستشفى أو قنطرة، الخ… أو على مستوى حراكات فئوية: محامون، طلبة، أساتذة متعاقدون، ممرضون، إلى غيرها من القطاعات التي قامت بحركات احتجاجية مهمة.

إذن هذا يعني أن روح 20 فبراير أضحت معطى ثقافيا، بدليل استمرارية حضورها بقوة على مستوى حركية الشارع المغربي؛ حيث أصبح كل مواطن مغربي عندما يخرج للاحتجاج للمطالبة بحقوقه.. يشعر بأنه يترافع من أجلها، أحيانا بتسجيلات فيديو، وصور، وملصقات، بيانات… وهذا لم يكن معروفا بهذا الزخم قبل 20 فبراير. فالحركة في نهاية المطاف لم تكن ثورة، بل كانت حراكا وترافعا عن قضايا حددتها في 20 مطلبا.

وما الذي تحقق من مطالبها؟

لا يمكن الحديث عن حصيلة مادية ملموسة لحركة 20 فبراير. فالحركة طرحت 20 مطلبا لم يتحقق منها أي شيء، حتى أبسط مطلب منها لم تتم تلبيته…

مثلا؟

مثلا مطلب محاسبة الذين اختلسوا المال العام واسترجاع الأموال المنهوبة، لم تتم الاستجابة لهذا المطلب على الرغم من مرور 14 سنة على طرحه في 2011. فإذن على المستوى المادي لم يتحقق شيء من مطال الحركة. لكن روحها مستمرة وأهم حصيلة خلّفتها لنا، تتمثل في أن المواطن المغربي أينما كان اليوم في البادية أو المدينة، سواء كان مثقفا أو غير مثقف، أصبح واعيا بأمرين اثنين: واعٍ بحقوقه أولا، وواع بأنه لن يسكت عن المطالبة بها. وهذا مكسب مهم في بناء وعي العنصر البشري ببلادنا.

ما الذي تحقق؟ للأسف أنه بعد كل هذه السنين، ما زالت مطالب حركة 20 فبراير ─جميعها─ على رأس مطالب الشعب المغربي. ولذلك كلما خرجت فئة من الشعب لتحتج اليوم، نجد أن من مطالبها متضمنة لشيء من مطالب حركة 20 فبراير، التي لا يزال مطلوبا النضال من أجلها. أكيد سيكون هناك حراك قادم، ربما سيكون أفضل مما قبله لكن في كل الأحوال، دعني أؤكد أن المطالب زادت إلحاحيتها مثلما زادت بشاعة الواقع. وبالتالي لا يمكن إلا أن يقوم حراك ليطالب “الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية” [شعار حركة 20 فبراير].

هل تأثرت “حركة 20 فبراير” في المغرب بتراجع، أو بعبارة أصحّ فشل موجة الربيع العربي؟

أنا أرى بأنها لم تتأثر. لماذا؟ أولا لنبدأ بالحراك نفسه عند انطلاقه في 20 فبراير [2011]. فقد انطلق بقوة وكانت الخرجات الاحتجاجية ليوم 20 مارس أقوى بكثير من تلك التي اطلقت في20 فبراير. وأقصد هنا الخرجة التي أتت بعد الخطاب [المقصود خطاب الملك محمد السادس يوم 9 مارس 2011، الذي أعلن فيه عن إجراء انتخابات نزيهة سابقة لأوانها وتشكيل لجنة خاصة لمراجعة الدستور]… ويعني ذلك أنه على الرغم من أن الخطاب أعلن عن مشروع دستور مغربي جديد، كان جد متقدم عن الدساتير التي قبله، إلا أنه مع ذلك اعتبرت الجماهير المغربية بأن ذلك لم يكن كافيا، فكانت خرجة 20 مارس [2011] قوية جدا.

وفي الوقت الذي كان الإعلام الدولي يسلط الأضواء على حراكات أخرى أقل زخما وقوة، فخصص متابعات كبرى لمدينة سورية ─مثلا─ خرج فيها 30 نفرا يحملون لافتة، بينما كان مئات الآلاف من المغاربة يخرجون في نفس اليوم في 30 أو 40 مدينة وتم التعتيم عليهم إعلاميا. وذلك لم يُفشل حراك 20 فبراير الذي استمر لمدة طويلة…

لكن الحراك فشل بعد أن انسحبت منه بعض الفصائل السياسية…؟

حراك 20 فبراير لم يفشل لأن جماعة العدل والإحسان انسحبت منه، أو لأنه تأثر بتراجع موجة الربيع العربي.. بل لأنه في الواقع كان يحمل بذور فشله معه منذ انطلاقه، حيث غاب الوضوح حول المطلب الرئيسي وساد نوع من الضبابية. فالفرق واضح بين أن ترفع مطلبا واضحا، “الملكية البرلمانية” مثلا، وبين أن تطالب بـ “دستور ديمقراطي” ثم تسكت. فالدستور الديمقراطي يمكن أن يكون حتى في ظل نظام جمهوري أو نظام عسكري. وإذن تم الاحتفاظ بمطلب “الدستور الديمقراطي” بينما تم سحب مطلب “الملكية البرلمانية” من المطالب العشرين، ولم يواصل المطالبة به سوى الهيئات السياسية الثلاث: حزب الطليعة، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي وحزب اليسار الاشتراكي الموحد.

فوثيقة 14 فبراير 2011 [الصادرة عن الفعاليات والهيئات الداعية إلى الخرج الاحتجاجي في 20 فبراير]هي التي تضمنت مطلب الملكية البرلمانية، بينما وثيقة 18 فبراير التي تم تقديمها للرأي العام من خلال ندوة صحفية وتضمنت المطالب العشرين، اختفى منها مطلب “الملكية البرلمانية الدستورية” وتضمنت مطلب “الدستور الديمقراطي”. ورغم أن هذا التحريف طال مطالب الحركة يوم 18 فبراير، إلا أن الجماهير كانت في الموعد مع الاحتجاجات في العشرين من فبراير والعشرين من مارس، على أساس مطلب “الملكية البرلمانية”. بعد ذلك، تراجعت مشاركة الجماهير الشعبية بينما تواصل خروج المناضلين فقط. ثم توقف المناضلون بدورهم في ما بعد عن المشاركة في الخرجات الاحتجاجية، لأن الهدف العام لم يكن واضحا كفاية. فالدستور الديمقراطي ليس هو الملكية البرلمانية.

في سياق إعلان وقف إطلاق النار المنقوص في غزة، تراجعت وتيرة التضامن مع فلسطين في الشارع المغربي.. هل معنى ذلك أن مشاعر التضامن مع القضية الفلسطينية قد فترت بعد أزيد من 15 شهرا على انطلاق العدوان؟

تراجع في وتيرة التضامن نعم، لكن ليس تراجعا في دفق التضامن أبدا… أكيد أن فترة الهدنة [أجرينا الحوار قبل عودة إسرائيل لحربها على قطاع غزة] ليست هي فترة الحرب. للتذكير، فنحن في “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع” قد استطعنا من خلال الأيام التضامنية والمسيرات الوطنية والخرجات الاحتجاجية الضخمة التي قامت بها فروعنا في مختلف المدن المغربية، أن نجعل المغرب رابع دولة في العالم من حيث زخم المساندة للشعب الفلسطيني؛ وراء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واليمن. وكان آخر يوم احتجاجي وطني على المجازر في غزة نظمناه في 17 يناير الماضي، حيث خرجنا للتضامن في 56 مدينة مغربية. ودأبنا على تنظيم فعالياتنا الاحتجاجية الثابتة تحت عنوانين كبيرين: “احتجاجا على التطبيع المغربي الصهيوني” و”تضامنا مع الشعب الفلسطيني”. وسوف ننظم اليوم الاحتجاجي رقم 21 في 28 مارس القادم بمناسبة يوم الأرض… وبالتالي فإن التضامن لن يخفت مغربيا لأن قضية فلسطين بالنسبة للمغاربة هي موضوع تم حسمه. فعندما كنا نخرج للاحتجاج على التطبيع قبل 7 أكتوبر كان يخرج في الجهة المقابلة المطبعون والمتصهينون [المغاربة]، ويناوشوننا في وسائل التواصل الاجتماعي. لكن بعد انطلاق طوفان الأقصى وإلى اليوم، ونحن في الشهر 16، خبا صوتهم بحيث نادرا ما عدنا نسمع أحدهم من كبار المرتزقين المدافعين عن الكيان.

ناشد الملك محمد السادس الشعب المغربي بإلغاء شعيرة ذبح الأضحية هذا العام. علما بأنها المرة الأولى التي يتم الإقدام فيها على هكذا خطوة اعتُبِرت “تاريخية” منذ 30 عاما، على ماذا يؤشر ذلك برأيك؟

هذه ليست المرة الأولى التي يُتخذ فيها مثل هذا القرار في المغرب، فقد سبق وأُلغي ذبح الأضاحي في أعياد الأضحى لسنوات 1963، 1981، و1996، بسبب ظروف اقتصادية ومناخية مشابهة. ففي سنة 1963، كان السبب هو “حرب الرمال” مع الجزائر، التي استنزفت الموارد المالية للمغرب، مما أدى إلى أزمة اقتصادية حادة. وفي سنة 1981، حدث جفاف شديد أثر على القطاع الفلاحي، مما أدى إلى نقص في الموارد المائية وتراجع اقتصادي. أما في سنة 1996، فقد أثر الجفاف على الماشية والمحاصيل الزراعية، وهدد بحرمان العديد من الأسر من ممارسة شعيرة العيد.

لكن هذه السنوات لم تكن تعرف استثمارات ضخمة بملايين الدولارات في القطاع الفلاحي. حيث تم إحداث استراتيجية وطنية في القطاع الفلاحي سنة 2008، سميت بمخطط “المغرب الأخضر”، وكان من بين أهدافها:

أولا، جعل القطاع الفلاحي محركًا للنمو الاقتصادي والاجتماعي في المغرب عبر تطوير فلاحة عصرية ذات قيمة مضافة عالية وإنتاجية قوية. وثانيا، رفع مردودية المحاصيل وتحسين جودتها لتلبية المعايير الدولية، مما يعزز تنافسية المنتجات الفلاحية المغربية في الأسواق الخارجية.

لقد استثمر في هذا المخطط حوالي 10 مليارات دولار، والنتيجة هي أننا في سنة 2025 غير قادرين على تحقيق الأمن الغذائي للمغاربة في الخضر والفواكه واللحوم والأسماك، وطبعا ليس لدينا الاكتفاء الذاتي في الماشية، خاصة الأغنام والأبقار. إذاً، فإن إلغاء ذبح الأضاحي هو إقرار بوجود مشاكل في الاستراتيجية الزراعية والمائية.

لكن، هل يعني هذا إقرارا بفشل مخطط المغرب الأخضر؟ أعتقد أنه لا يمكن الإقرار بفشل المخطط، لأن الحكومات المتعاقبة والسياسات المنتهجة في هذا القطاع نجحت في خدمة شق واحد من المخطط، وهو الزراعة التصديرية. فقد عملت الحكومات المتعاقبة، والتي كانت سياساتها في خدمة فئة كبار رجال الأعمال، على تنمية وخدمة كبار الفلاحين الذين يركزون على الزراعة التصديرية، بينما الفلاح الصغير الذي يمون السوق المحلي بقي رهين سياسات تحجم فلاحته بدل تنميتها.

والخلاصة من هذا القرار الرابع من نوعه في المغرب بإلغاء شعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى، هي أن حكومة الباطرونا [يقصد حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش]، التي هي نتيجة انتخابات أصحاب الشكارة [شراء الأصوات]، كانت وما زالت في خدمة الباطرونا، أي في خدمة الفئة التي تنتمي إليها، وليس في خدمة عموم الشعب. وقبل إعادة النظر في الاستراتيجية الوطنية للفلاحة والاستراتيجيات الوطنية في التعامل مع نقص المياه، يحتاج المغرب إلى نظام انتخابي جديد يفرز حكومة تنتمي إلى الشعب وتخدم عموم الشعب، وليس حكومة فئوية تخدم فئتها فقط وتتعسف على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس