عبد الرحيم قادر، أستاذ بمعهد الدراسات الدولية والاستراتيجية في باريس
ما هي قراءتك لمستقبل العلاقات بين المغرب والجزائر، في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها الجزائر خلال الشهور الأخيرة والتغيير الحاصل في النظام؟
أقول إن المغرب بإمكانه أن يلعب دورا مهما في تمتين العلاقة مع الجزائر، لكن الحقيقة للأسف هي أن العلاقات المؤسساتية والتواصل بين الحكومتين والسياسيين توجد في حالة بلوكاج، خاصة مع استمرار إغلاق الحدود، هذا التعنت الذي يمارسه المسؤولون يضر بالعلاقات الاستراتيجية بين الجارتين، لكننا نسعد بكونه لم يمس التضامن والتكاثف والحب الذي يجمع الشعبين، وهذا هو الأهم لأن فكرة توحيد الدول المغاربية لم تكن وليدة سنة 1989، وإنما تمتد إلى بداية القرن العشرين.
يعني أن الفكرة عريقة جدا منذ ما يقارب قرن من الزمن، لكن لم نستطع تحقيقها. لذلك، علينا أن نعي بهذا ونعمل بشكل جدي للتقدم كما فعل المغرب الذي نجح في تقوية علاقاته الإفريقية واستثمار كفاءاته الدبلوماسية في سبيل ذلك.
ولكن في الآن عينه، أعتقد أن المغرب لن ينجح وحيدا، إذ عليه، أيضا، أن يوطد علاقاته مع الدول التي تعرف تطورات وتغيرات على مستوى مؤسسات البلد مثل تونس بالدرجة الأولى، وأيضا الجزائر مستقبلا ما بعد الحراك الشعبي.
سبق للملك محمد السادس مرارا أن مد يد التعاون والحوار إلى الجزائر، غير أن الأخيرة لم تبد أي تجاوب..
أثمن هذه البادرة، ولكن السؤال يتجاوز المؤسسات الحاكمة، لكن أنا مؤمن بإرادة الشعب، وأقول إن الحراك الشعبي الجزائري سيفرز تغييرات إيجابية على مستوى العلاقات، وسيكون الرد إيجابيا بعدما يتسلم الشعب سلطة القرار ليقول نعم، للوحدة المغربية الجزائرية. كما ستكون للشعب كلمة أقوى من الأنظمة السائدة التي تسعى إلى التفرقة.
كيف هو الوضع السياسي والاجتماعي اليوم في الجزائر؟
لا أعرف ما الذي سيحدث ببلدي حقيقة. صحيح ما قلته فأكثر من 90 في المائة من الشعب رافض للانتخابات، وما يزيد عن 20 مليون جزائري مستمرون في الاحتجاج بشكل أسبوعي منذ 10 أشهر أي ما يقارب السنة، مع وقفة في باريس كل يوم أحد.
الوضع طبعا متردي والمسؤول عن هذا هو النظام السياسي بالجزائر الذي خندق نفسه منذ الحصول على الاستقلال، ورفض مواكبة التطورات الجيو-استراتيجية.
ومنذ ذلك الحين هذا النظام لم يبدل مجهودا في تنمية البلد أو النهوض بالمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل استمر في استنزاف البترول والغاز فقط، وظل الشعب يعاني ويلات هذه الاختيارات لعقود في ظل ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب العاطل.
ثم إن انتخابات 12 دجنبر ليس لها أي رهان، ولا تمثل الإرادة الشعبية، لكن نتمنى الاقتداء بالسيناريو التونسي أو السوداني للانتقال السياسي، لكن الوضع لازال متشنجا بالبلد. فالنظام الجزائري لم يع بعد خطورة الوضع ولازال يمارس التدليس من خلال إضعاف صبيب الإنترنيت وقطعه خلال بعض الفترات أو اعتقال بعض كتاب الرأي والمدونين والصحافيين…
ما هي أبرز التحديات التي تواجهه اليوم الدول الإفريقية في سبيل تحقيق التنمية والاندماج؟
أرى أن إفريقيا عليها أولا أن تعي ضرورة انضمامها إلى النظام العالمي بواقع أقوى وإرادة أكبر، لكن للأسف اليوم، ينظر إلى إفريقيا من طرف القوى العالمية من خلال حكومات الدول الأعضاء، ثم إن هذه الحكومات التي تمثل المنطقة الإفريقية في غالب الأحيان لا تحظى بالشرعية أو لا تمثل الإرادة الشعبية.
وبالتالي، فهي لا تنجح إلا في تحقيق مصالحها الشخصية والسياسية على حساب المواطن الإفريقي، بالمقابل يوجد فاعلون يعتبرون اليوم، قوى عالمية على سبيل المثال روسيا والصين..، هم في الحقيقة ليسوا ديمقراطيات حقيقية، ولكنهم يشتغلون بمنطق تنمية بلدانهم اجتماعيا واقتصادية وصناعيا، يقترحون ويعملون وهذا ما يظهر جليا.
على إفريقيا وعرب المنطقة عموما، أن يعوا بواقع موازين القوى الآخذة في التطور بشكل سريع، وأن النموذج المكتسح والتفاعل اليوم، لن يكون هو الغربي مستقبلا.
لكن هل يسع إفريقيا تحقيق هذا الاندماج وقلب موازين القوى العالمية، في ظل فشل بعض التكتلات الجهوية في توحيد كلمتها، وهنا أستحضر وحدة المغرب الكبير طبعا؟
سؤالك وجيه، فالدول المغاربية إذا لم تستطع الاقتداء بباقي الدول الإفريقية جنوب الصحراء التي خلقت مؤسسات اقتصادية وأخرى سياسية توحد كلمتها، واستمرت في نهج سياسة التشرذم والتفرقة ورفض الحوار أكيد أنها لن تحقق شيئا لشعوبها لا على المستوى الجهوي أو الإفريقي أو حتى العالمي.
يمكننا تشخيص العطب أو العلة التي أزاغت المغاربيين عن طريق الوحدة وعرقلة التنمية في هذه البلدان هو مشكل الصحراء، الذي لم يجد حله بعد، وبالتالي، فالمفروض أن يبقى هذا التكتل في حالة بلوكاج إلى أن نجد الحل. على حكومات الدول أن تعي، أساسا، بأنه لا يمكن أن نحلم بواقع أجمل، ولكن أول خطوة مطروحة في هذا السياق أن تبدأ بتحقيق التوافق وطي ملف الصحراء نهائيا وبناء جسر التواصل بين البلدين الشقيقين؛ أقصد طبعا، الجزائر والمغرب.