خبير مغربي يقارب جدل الهوية والتشريع في قضية المرأة

5
خبير مغربي يقارب جدل الهوية والتشريع في قضية المرأة
خبير مغربي يقارب جدل الهوية والتشريع في قضية المرأة

أفريقيا برس – المغرب. في سياق الجدل الدائر في المغرب حول موقع المرأة داخل المنظومة القانونية والاجتماعية، وتعدد المرجعيات ضمن هذا السياق، ألقى الخبير المغربي الدكتور محمد وسيط مداخلة علمية في لقاء نظمته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة المحمدية، خصصت لتقديم كتاب الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش الموسوم بـ»الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن بين المرجعية الإسلامية والمواثيق الدولية». واعتُبر هذا اللقاء فرصة لطرح أسئلة دقيقة حول تقاطع السياسي والديني مع القانوني والاجتماعي، في موضوع لا يزال يثير انقساماً حاداً بين تيارين فكريين وثقافيين في البلاد.

تناولت مداخلة الدكتور محمد وسيط الكتاب باعتباره محاولة جادة لفهم الخلفيات التاريخية والسياسية والاجتماعية لخطة إدماج المرأة في التنمية ومدونة الأسرة، من خلال رؤية المؤرخ، الذي يجد نفسه أمام مهمة إشكالية تتعلق بمدى مشروعية الخوض في قضايا معاصرة لم تكتمل فصولها بعد. واستعرض محمد وسيط كيف أن المؤلف سعى إلى تبرير هذا التدخل المعرفي بالاستشهاد بتجارب مؤرخين وباحثين غربيين كتبوا في التاريخ المعاصر وهم جزء من وقائعه، مبرزاً أن المؤرخ ليس فقط موثِّقاً، بل أيضاً فاعل في صناعة الوعي، خصوصاً حين يتعلق الأمر بقضايا مجتمعية متحركة كقضية المرأة.

وأشار المتدخل إلى أن الكتاب اعتمد على خطة إدماج المرأة ومدونة الأسرة كنصين محوريين لفهم المسار الإصلاحي الذي اختطه المغرب منذ أواخر التسعينيات، مبيناً أن المؤلف قام بعمل تأصيلي من خلال تتبع جذور الحراك النسائي، الذي قسمه إلى موجتين: الأولى امتدت من أربعينيات القرن الماضي إلى منتصف السبعينيات وارتبطت بالحركة الوطنية، والثانية انطلقت في أواخر السبعينيات وارتبطت بالحركات اليسارية والانفتاح على المرجعيات الحقوقية الدولية. وتميزت هذه المرحلة الثانية، حسب العرض، بتبني خطاب جديد حول المساواة والتمكين، متأثراً بالتحولات العالمية ومؤتمرات الأمم المتحدة حول المرأة، مثل مؤتمري بكين ونيروبي.

وأبرز الدكتور وسيط أن الكتاب يسلط الضوء على الكيفية التي تسللت بها المفاهيم الحقوقية الدولية إلى النقاش الوطني، من خلال تدويل قضية المرأة، ومطالبة الدول بملاءمة تشريعاتها الوطنية مع المواثيق الدولية، مثل اتفاقية «سيداو». وبيّن أن المؤلف توقف طويلاً عند التوتر الذي أحدثه هذا التحول داخل المشهد المغربي، خاصة مع بروز خطاب محافظ يستند إلى المرجعية الإسلامية ويعتبر أن بعض مضامين هذه المواثيق تمس الثوابت الدينية والثقافية. ومن جهة أخرى، فإن التيار الحداثي استثمر هذه السياقات ليطالب بإصلاحات جذرية تُخرِج المرأة من دائرة التهميش. ووفق ما عرضه صاحب المداخلة، فإن المؤلف لم يتوقف عند السياقات العامة، بل ذهب إلى تحليل بنية خطة إدماج المرأة من حيث الشكل والجوهر. وفيما يتعلق بالشكل، أشار إلى صعوبة الوصول إلى الوثيقة الأصلية ضمن الأرشيف الوطني، وهو ما اعتبره مؤشراً على ضعف تثمين الوثائق الرسمية. أما من حيث المضمون، فقد صنف المؤلف خطة الإدماج إلى ثلاث مقاربات رئيسية: حرية المرأة كمفتاح للتنمية، المقاربة القانونية، والمقاربة النوعية، مؤكداً أن البعد القانوني يمثل حجر الزاوية في مسار التغيير، بالنظر إلى ما يمنحه من قوة إلزامية تتجاوز الخطاب الإنشائي.

كما توقف الدكتور وسيط عند النقاش الذي يثيره موضوع ملاءمة القوانين الوطنية مع الالتزامات الدولية، موضحاً أن المؤلف استعرض مجموعة من الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، إلا أن التنزيل العملي لها ظل يواجه إكراهات مؤسساتية ودستورية، أبرزها ما سماه بـ»ازدواجية المرجعية» في الدستور المغربي، الذي يجمع بين احترام الشريعة والالتزام بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً، ما فتح الباب لتأويلات متعارضة يستند إليها كلا التيارين في تدعيم مواقعهما.

في ختام الكتاب، خصص المؤلف فصلاً لتقييم مدونة الأسرة بعد مرور عشرين عاماً على إصدارها، مستنداً إلى معطيات وإحصائيات رسمية تُظهر ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الطلاق، لا سيما في حالات التطليق بطلب من الزوجة. وأشار الدكتور وسيط إلى أن المؤلف توقف عند هذه المعطيات ليتساءل عن مدى تحقق الأهداف التي نصت عليها الخطة، وعن الأثر الفعلي للمدونة في الحفاظ على التماسك الأسري، خصوصاً في ظل غياب معايير دقيقة لتقدير «التعسف في الطلاق»، ما يجعل الاجتهاد القضائي مفتوحاً على احتمالات متعددة. كما نبه إلى أن إجراءات الصلح القضائي كثيراً ما تتم بشكل سطحي، تحت ضغط تصفية الملفات، ما يُفقدها قيمتها كآلية لحماية الأسرة.

وتناول المتدخل المواقف المختلفة من مدونة الأسرة، مبرزاً أنها لا تزال محل نقاش بين الأطراف السياسية والمدنية. فمن جهة، عبّرت الناشطة الحقوقية خديجة الرياضي عن أسفها لاستمرار الهشاشة في أوضاع النساء، ودعت إلى التزام المغرب الكامل باتفاقية «سيداو»، فيما شددت الأستاذة بثينة قروري على ضرورة احترام المرجعية الدينية، معتبرة أن تجاوزها في التشريع لن يلقى القبول من المؤسسات الدستورية العليا، وعلى رأسها مؤسسة إمارة المؤمنين.

وخَلُصت مداخلة الدكتور محمد وسيط إلى أن الكتاب يشكل وثيقة علمية دقيقة تسلط الضوء على مسار شائك ومعقد، حيث تتقاطع فيه الاعتبارات السياسية والقانونية والدينية، كما يقدم مادة تحليلية متزنة تساعد على تأطير النقاش العمومي حول مستقبل التشريع المتعلق بالمرأة في المغرب، ضمن مقاربة توازن بين الخصوصية الوطنية والانخراط في الدينامية الكونية لحقوق الإنسان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس