“تيما: مزهرية آسفي رمز في المهرجانات الدولية”

5
"تيما: مزهرية آسفي رمز في المهرجانات الدولية"

أفريقيا برس – المغرب. من الرباط والسعيدية وأزمور في المغرب، إلى شيكاغو بالولايات المتحدة، مرورا بمونتريال، وفيينا، ولندن، وصولا إلى فالنسيا بفرنسا، يشقّ “فاز آسفي” طريقه بثبات نحو العالمية في فنون الشارع. هذا الرمز التراثي، المستمد من ممارسة تقليدية في صناعة الخزف والمعبّر عن هوية كاملة للحرفيين بالمنطقة، أصبح حاضرا اليوم في الملتقيات الدولية للرسم الجداري بفضل الفنانة التشكيلية فاطمة الزهراء خلاد، المعروفة باسم “تيما”.

جعلت الفنانة الشابة من هذه المزهرية توقيعها الفني الخاص، مستحضرة من خلاله ذكريات طفولتها التي تركت أثرا عميقا في وجدانها. وبهذا الأسلوب، تكرّم ذكرى جديها اللذين جمعا عبر السنين نماذج متعددة من هذا المنتَج الخزفي. بالنسبة إليها، لم يعد مجرد عنصر زخرفي أو جزء من الفلكلور، بل تحول إلى رمز شخصي تستعمله لـ”محاورة شظايا الماضي”، واستكشاف ما تبقى منه في الحاضر وما يمكن أن ينطلق منه في المستقبل.

ورغم أنها ليست من مدينة آسفي، فإن فاطمة الزهراء خلاد جعلت من هذه المزهرية جزءا من تراثها العائلي. وقال خلال حديثها مع يابلادي “أجدادي من بجعد، لكنهم كانوا مولعين بمزهرية آسفي. كانوا يشترونه باستمرار، وكان حاضرا في كل ركن من منزلهم!».

الرسم، عنصر تأمل خالد

شغف آخر ساهم في تشكيل التوجه الفني لفاطمة الزهراء هو حب خالتها للخياطة والرسومات. وقالت “خلال طفولتي أيضا، كنت دائما مفتونة بعالم خالتي. أحببت الأشكال النسائية التي كانت ترسمها، ومنذ ذلك الحين كنت أخصص وقت فراغي للرسم. كانت غرفتي مملوءة تماما! كنت أعلق رسوماتي على جميع جدران غرفتي”.

لم تتخيل تيما ابنة مدينة خريبكة، أن مسارها المهني سيتحول نحو شغفها الطفولي بالرسم والتلوين، الذي سيعيدها أيضا إلى تساؤلاتها حول الزمن والذكريات. “كان الفن دائما مجالي المفضل. لكن منذ سن محدد، يتم نقلنا أكثر إلى فكرة أن شغفنا هو مجرد هواية، وأن مسار حياتنا الناجح يجب أن يكون مختلفا. في الثانوية، درست علوم الرياضيات أ. لكن بعد التفكير في المستقبل، أردت الاستثمار في شيء يجمع بين الفائدة والمتعة.” فاطمة الزهراء خلاد (تيما) تصميم

اختارت تيما متابعة دراستها في المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، حيث تخرجت عام 2019. ولم يكد يمضي عام واحد حتى اندلعت الأزمة الصحية العالمية. خلال فترة الحجر الصحي سنة 2020، وجدت نفسها تبحث عن متنفس جديد. ومع أن الرسم واللوحة شكّلا دائما ملاذا لها، إلا أنها فكرت هذه المرة في نقل تجربتها الإبداعية إلى الجدران من حولها. لماذا لا تتحول هذه الجدران نفسها إلى لوحات للرسم، بعد أن ظلت طويلا مجرد فضاء لتعليق رسومات طفولتها؟

وقالت تيما “كنت أتأمل جدران سطح المنزل كثيرا وأفكر في الأمر. وهناك على السطح بدأت أولى محاولاتي، مصممة على خوض تجربة فن الشارع”. في بداياتها، كانت شغوفة بالفن التصويري والسريالي، معتمدة بالأساس على تكوينها الأكاديمي الكلاسيكي الذي هيأها للمشاركة في المعارض الفنية، لكن من تلك التجربة البسيطة على سطح منزلها، قررت أن توسّع رؤيتها الفنية، فانتقلت إلى عالم الجداريات وفن الشارع، دون أن تتخلى عن مسيرتها في الفن التشكيلي.

وأوضحت قائلة “نحن في الوقت نفسه رسامون وفنانون تشكيليون. التقنية التي أستخدمها على اللوحة هي تقريبا نفسها التي أطبقها على الجدار. الأمر يتعلق دائما بتكييف طريقة استعمال الطلاء والمواد. الفرق يكمن في الحجم، أما الجوهر فيبقى واحدا”.

“نهجي واحد تقريبا، الفرق أنني حين أشتغل على لوحة، أستخدم لوحة ألوان وأكون في غرفتي أو ورشتي، بينما في فن الشارع أتعامل مع الطلاء، أبتعد مرات عديدة لمعاينة العمل من مسافة بعيدة، وأفكر في النتيجة النهائية بشكل مختلف. كما أنني أتفاعل مع المارة والفضوليين الذين يتوقفون لمناقشتي حول ما أقوم به”. تيما

تيما.. الجرأة في فن الشارع

بمجرد رفع القيود الصحية تدريجيا، شاركت تيما في نسخة 2022 من مهرجان جداريات الرباط الدولي لفن الشارع. وقالت “لفت عملي انتباه المتخصصين والجمهور على حد سواء، ومن خلال هذه المشاركة حظيت بفرصة أكبر للظهور، وبدأت أتلقى دعوات لإنجاز جداريات جديدة”. وفي السنة نفسها، شاركت أيضا في النسخة الثانية من فعالية فن الشارع داخل هبة_لاب.

أولى خطواتها خارج المغرب حملت بصمة خاصة، إذ تمكنت من نقل “فاز” طفولتها إلى شيكاغو. هناك، أنجزت عام 2022 جدارية بعنوان “تأمل ذاتي” لفائدة كلية كولومبيا بشيكاغو، في إطار شراكة مع برنامج المدن الشقيقة لتعزيز الفنون، السياحة الثقافية، التعليم العالمي والتبادل التجاري والحكومي. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قدمت محاضرات داخل نادي مدرسة فرانسيس باركر، حيث أنجز الطلاب جدارية مستوحاة من هذه التفاعلات المباشرة معها.

بعد شيكاغو، واصل “فاز آسفي” رحلته مع تيما في محطات عالمية أخرى: من مهرجان الجداريات في مونتريال، إلى كالي ليبر في فيينا، مرورا بمهرجان الجداريات في لندن، وصولا مؤخرا إلى مهرجان “الجدران والحب” في فالنسيا. وقالت الفنانة “يسعدني أن يُقال إن أعمالي أصبحت معروفة، سواء من خلال الغموض الذي يميز الشخصيات النسائية أو عبر هذا العنصر الذي صار توقيعي الفني. حتى صُنّاع الفخار في آسفي يعلقون بانتظام على جدارياتي، يقدرونها، بل ويدعونني إلى ورشهم”، معتبرة هذه اللقاءات غنية ومثمرة.

وأضافت “أُقدّر كثيرا هذه اللحظات: التبادل خلال مهرجانات فن الشارع بالخارج، أو اللقاءات مع الجمهور في مدن المغرب، وأيضا مع الحرفيين في آسفي. يسعدني أن يكون فني قادرا على تكريم حرفيينا. فهذا الفاز، بتفصيله البسيط، يثير دائما الاهتمام، وأحب أن أروي في كل بلد أنه عنصر له تاريخ طويل وحرفيون أوفياء”.

اليوم، لا تزال تيما وفية لهذا الرمز الذي رافقها منذ الطفولة، معتبرة إياه خيطا أحمر في جميع أعمالها. وأوضحت “لم يكن الأمر في البداية موقفا فنيا، لكنه تحول إلى خط متواصل في إبداعاتي”. وفي موازاة ذلك، تصر على حضور الشخصيات النسائية في جدارياتها: “إنها طريقتي لتشجيع الفتيات والنساء الموهوبات على الجرأة في دخول عالم فن الشارع. فعددهن قليل في العالم، وأقل بكثير في المغرب”.

تعبر تيما عن أملها في أن تسهم تجربتها في إلهام فتيات أخريات لدخول عالم الجداريات إذا رغبن في ذلك. فهي لا تتردد في كسر الحدود بين الأساليب الفنية المختلفة، وتواصل ابتكار أشكال جديدة، حيث تعمل حاليا على تحويل شخصياتها النسائية وأيقونات “فاز آسفي” إلى تماثيل تحمل نفس الروح والإيحاء.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس