آمنة جبران
أفريقيا برس – المغرب. اعتبر عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، في حوار له مع “أفريقيا برس”، أن احتجاجات الشباب التي اندلعت مؤخرًا هي احتجاجات مشروعة، تعبّر عن مطالب أساسية تتعلق بالصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية.
وأشار إلى أن “هذا الحراك مدفوع بأسباب محلية، وهو ما يقتضي احترام إرادة ومطالب المواطنين، بدل تصويره كمؤامرة”.
كما دعا الحكومة المغربية إلى “ضرورة الابتعاد عن المقاربة الأمنية والوعود الكلامية غير المترجمة إلى إجراءات عملية، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من تعميق الاحتقان وتصعيد المواجهة”.
وفي رأيه، “إذا أراد هؤلاء الشباب أن تجد مطالبهم طريقها إلى الواقع، فلابد لهم أن يتوحدوا في إطار تنظيم مدني يتحمل مسؤولية التفاوض، وأن يحوّلوا شعاراتهم إلى مقترحات سياسية قابلة للتنفيذ، وأن يبحثوا عن تحالفات مع منظمات المجتمع المدني والنقابات ذات الخبرة في التفاوض الاجتماعي.
ومن دون ذلك، قد تبقى القدرة على التعبئة عالية، لكن القدرة على التغيير البنيوي ستظل محدودة”.
عادل تشيكيطو هو ناشط حقوقي وسياسي مغربي، يشغل منصب رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تعد من أعرق الجمعيات الحقوقية في المغرب.
بدأ مسيرته في صفوف المجتمع المدني، واشتهر بمواقفه المدافعة عن الحريات العامة والعدالة الاجتماعية.
انتُخب سابقا نائبا برلمانيا عن حزب الاستقلال، حيث عُرف بصوته النقدي داخل المؤسسة التشريعية.
يُعتبر من أبرز الوجوه الحقوقية في المغرب، ويدعو باستمرار إلى إصلاحات سياسية ومؤسساتية تضمن كرامة المواطن.
في تصريحاته، يُشدد على ضرورة الابتعاد عن المقاربة الأمنية في التعامل مع الاحتجاجات، ويؤمن بأهمية التنظيم المدني والتفاوض الاجتماعي لتحقيق التغيير البنيوي.
يجمع بين الخطاب الحقوقي والممارسة السياسية الميدانية.
تشهد المغرب احتجاجات ضد تردي الأوضاع الاجتماعية والصحية والتعليمية، ماهو موقفكم من هذا الحراك الاجتماعي؟
نحن نعتبره تعبيراً مشروعاً عن احتقان اجتماعي حقيقي وسخطا جيليًّا خرج ليعبر عن مطالبه الأساسية المتمثلة في الحقّ في الصحة والحقّ في التعليم والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وهي لعمري حقوقٌ دستورية وإنسانية لا تضحدها السياسات التسويفية، ولا يقضى عليها بالمناورات الإعلامية، وبالتالي فإنه من واجبنا الوقوف إلى جانب هذه المطالب ودعم الحقّ في الاحتجاج السلمي، والدعوة إلى استجابة سياساتية تحفظ الحقوق وتستبعد العنف أو التجريم الواسع.
مع تواصل الاحتجاجات، هل تتوقعون تفاعل الحكومة مع مطالب الشباب لاحتواء حالة الاحتقان؟
أعتقد أننا أمام خيار لا بديل عنه، ولسنا أمام توقعات مفتوحة على احتمالات ذات طبيعة اختيارية، حيث على الحكومة أن تترجم شعاراتها ومحاولاتها للتهدئة إلى استجابة سياسية واجتماعية حقيقية عبر إجراءات سريعة وشفافة، والتي ستؤدي لا محالة إلى تهدئة نسبية، وإمكانية تحويل الاحتجاج لطاقة إصلاحية؛ كما أن عليها أن تبتعد ما أمكن عن اعتماد المقاربة الأمنية أو الوعود الكلامية غير المترجمة إلى إجراءات، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من تعميق الاحتقان وتصعيد المواجهة.
برأيي شباب “جيل زد” يحتاج اليوم إلى إشارات رسمية عنوانها الانفتاح على الحوار، والالتزام بتحويل الحوار إلى خطوات ملموسة.
وصفت الاحتجاجات الأخيرة بالاحتجاجات الشبابية حيث يقودها “جيل زد 212″، هل برأيك هذا الجيل قادر على إيصال صوته والدفاع عن الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة؟
نعم وله إمكانات تأثيريّة واضحة، خاصة وأن قوته تكمن في الرقمنة، والسرعة، والقدرة على تعبئة الرأي العام، وفي أن مطالبه تُلامس هموماً شعبية حقيقية…
لكن التحوّل من ضغط احتجاجي إلى تأثير مؤسساتي طويل الأمد يتطلب أدوات إضافية ذات فعالية وتنسجم مع البنية القانونية القائمة، فإذا أراد هؤلاء الشباب أن تجد مطالبهم طريقها إلى الواقع، فلابد لهم أن يتوحدوا في إطار تنظيم مدني يتحمل مسؤوليات التفاوض، وأن يحولوا شعاراتهم إلى آليات ووسائل منظمة وممنهجة تحول المطالب إلى مقترحات سياسية قابلة للتنفيذ، وأن يبحثوا عن تحالفات مع منظمات المجتمع المدني والنقابات ذات الخبرة في التفاوض الاجتماعي.
من دون ذلك، قد تبقى القدرة على التعبئة عالية، لكن القدرة على التغيير البنيوي محدودة.
برأيك كيف ستتعامل الحكومة لاحتواء الاحتجاجات، هل ستواصل اعتماد المقاربة الأمنية رغم سلمية مطالب المحتجين وتحركاتهم؟
يبدو أن الأجواء في اليومين الماضيين قد أجابت من الناحية الواقعية على هذا السؤال، لكن ورغم نسبية القول بأن المقاربة الأمنية تسير في اتجاه التخفيف من استعمالها، إلا أنها أخذت أشكالا أخرى من قبيل التقديم للمحاكمات، والذي حسب ما استنتجناه من تصريحات بعض المتابعين وعائلاتهم فإن عدد منهم وجّهت له تهم يزعمون أنهم لم يقترفوها فلفقت لهم، وهذا الواقع يعطي الانطباع على أن المقاربة الأمنية انتقلت إلى مرحلة عقابية إذا لم يتم إدارتها في إطار مبدأ المحاكمة العادلة، إذ من شأن ذلك أن يضع البلاد في موضع محرج أمام دستورها وقوانينها والمواثيق الدولية التي صادقت عليها.
ينبغي القول أيضا أنه إذا واصلت الحكومة اعتماد المنع والاعتقال الواسع النطاق دون مراعاة مبدأ التناسب وضمانات القانون، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من فقدان الثقة، لذا فإن الحلّ الأمثل من منظور حقوقي هو تعليق المتابعات التعسفية، والإفراج عن المعتقلين احتياطيا ما لم تكن هناك جرائم عنف مثبتة، وفتح قنوات حوار رسمية وشفافة، مع ضمان حماية الحقّ في التظاهر السلمي.
وفق تقديرك، ماهي أبرز إخفاقات وانجازات الحكومة المغربية مع دخول عامها الأخير؟
أولا يجب أن أؤكد على مسألة مهمة تتعلق بكون تقديرنا، نحن الأجيال السابقة للجيل المنتفض، مختلفة تماما عن تقديرهم للإنجازات والإخفاقات، فنحن جيل عاش تطور البلاد وتقدمها على مستويات عدة وهم جيل انفتحت حواسه على عالم متقدم ومغرب قطع أشواطا في توفير خدمات وحقوق كانت منعدمة بالنسبة لنا، وبالتالي فما قد نراه نحن تقدما يعتبرونه هم من الأساسيات، أو لنقل من البديهيات.
لذلك فإن التقدم النسبي في الاستثمارات التي تهم البنية التحتية والمشاريع الكبرى بما في ذلك الاستعدادات لمناسبات رياضية دولية التي يتم إبرازها إعلامياً، قد تبدو لنا نحن تقدما لكن تأثيرها الاجتماعي حسب الجيل الحالي في قطاع الصحة والتعليم، خاصة عندما تقابلها إخفاقات ملحوظة في القطاع الصحي وفي ضعف فعلي في جودة التعليم العمومي، يولد إحساسا واسعا بعدم عدالة أولويات الإنفاق، وعدم قدرة الوسائط السياسية التقليدية على توفير آليات تصريف الطلب الاجتماعي، وهي العوامل التي كانت محركا للاحتجاجات.
ماهي مقترحاتكم للخروج من الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المغرب؟
على الحكومة أن تسارع بشكل فوري إلى إطلاق آلية حوار طارئة تضمّ ممثلين شباناً عن الحراك ومنظمات حقوقية ونقابية وحكومية لتحديد «خارطة طريق» لإجراءات عاجلة في الصحة والتعليم وفي محاربة الفساد.
يفترض فيها أن تعتمد حزمة إنقاذ صحيّ عاجلة عبر تعبئة موارد طارئة لتأمين المستلزمات، وكذا تعبئة طواقم طبية في المناطق المتضررة، وفتح باب توظيف موسمي للممرضين والأطباء في المناطق النائية.
كما يجب عليها أن تسطر برنامجا استثنائيا واضحا لتعزيز المدارس، وذلك بصيانة عاجلة للبُنى المدرسية، وحملات دعم للتعليم الأولي، وبرامج ربط التكوين بسوق الشغل.
ثم أن عليها أن لا تغفل مطلبا مهما رفعه الشباب خلال احتجاجاتهم يتعلق بالحكامة الجيدة ومحاربة الفساد، وهو مطلب ينبغي معه تقوية المؤسسات الرقابية بإعادة تفعيل المجلس الرقابية وإدماجها في خارطة حماية المستهلك والأسعار ومحاكمة المفسدين بالتطبيق القويم للمبدأ الدستوري المتضمن لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن الشباب اليوم ليس منزعجا فقط على وضع لا يسر، بل هو قلق أيضا على مستقبل مظلم غير مضمون العيش فيه بكرامة، وهو ينتظر من الحكومة أن تمده بأمل العيش في استقرار خلال المستقبل، وبالتالي عليها أن تصالحه مع هذا المستقبل ببرامج طويلة الأمد، عبر فتح نقاش وطني حول أولويات الإنفاق العام مع قابلية المساءلة والشفافية في مشاريع ضخمة، وإصلاح تشريعات تنظيم الحق في التجمع بما يوازن بين الأمن وحرية التعبير.
برأيك من يقف وراء هذه الاحتجاجات وهل هناك جهات خارجية تقف وراءها خاصة وأن هناك اتهامات في الفضاء الرقمي موجهة للجزائر وأخرى ترى في إسرائيل وأمريكا المستفيد الأساسي من التغيير في المغرب؟
الوقائع الميدانية وتحليلات صحفية وأكاديمية تشير بقوة إلى أن الحراك مدفوع بأسباب محلية، تتجلى في تدهور الخدمات، البطالة، الشعور بعدم الإنصاف في كل ما يرتبط بتوزيع الثروات والعدالة المجالية والخدمات الاجتماعية… إلى غير ذلك من الأسباب، التي اتفق الجميع بمن فيهم أحزاب الأغلبية على واقعيتها.
لكن بعض الجهات تصر على إلصاق هذه الغضبة الشبابية في جهات داخلية أو خارجية، وهي تبريرات لا يبدو أن هناك دليلًا موثوقًا، يؤكد صدقيتها أو يشير إلى تلقي الحركة الشبيبة توجيهات أو تمويلات خارجية…
هذه في الواقع “تيكيتات” تُتداوَل بكثافة في الفضاء الرقمي أو الإعلامي كادعاءات سياسية أو كحرب إعلامية، في كل مناسبة يخرج فيها مواطنون للتظاهر من أجل قضية معينة، ومن الناحية الواقعية لم تستطع أن تجابه حتى الآن حجية الأسباب المحلية، وبالتالي فالخلاصة هي أن الأدلة العملية تدعم فرضية إلحاحية الدواعي الاجتماعية المحلية للاحتجاج، وهو ما يستوجب التعامل مع هذه الاحتجاجات باحترام إرادة المواطنين بدل تصويرها كمؤامرة.
ماهو تقييمك لموقف الأحزاب هل هو داعم للاحتجاجات أم متوجس منها خاصة وأنها تقاد بلا قيادة واضحة ومطالبها يمكن أن تتغير بتطور الاحتجاجات في الميدان؟
مواقف الأحزاب متفاوتة، بعضها يعلن انتقاده لسياسات الحكومة من داخل المعارضة، وبعضها يحذّر من الانزلاق إلى العنف أو يؤكد موقفه من حلحلة الأزمة عبر مؤسسات الدولة من داخل الأحزاب الداعمة للحكومة؛ هذا من جهة أخرى يبدو كذلك أن غياب قيادة موحّدة لهذا الشكل الاحتجاجي الشبابي يجعل موقف الأحزاب متذبذباً بين من يحاول الاستفادة السياسية من هذا التوتر، ومن يفضّل الاحتفاظ بموقعه الحكومي لإمكانية الإصلاح من الداخل.
والحال أن الأحزاب مدعوة اليوم للمبادرة إلى حلّ سياسي مسؤول بدل المزايدة الإعلامية وتفضيل مصلحة الوطن أولا ومصلحة هؤلاء الشباب على كل تلك الحسابات، وفتح الأبواب في وجوه الأجيال الصاعدة، وهنا لابد أن أقول أن حالة الشيخوخة التنظيمية التي باتت عليها الأحزاب السياسية اليوم، والهجمة على مبدأ مشاركة الشباب في العمل الحزبي من داخل الأحزاب، هي واحدة من الأسباب الخفية التي جعلت الشباب ينتفض ويحتج ويختار مسالك تتجاوز دور الوساطة الذي يجب أن يلعبه كل حزب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس