فاس : مدينة السور والأبواب والتراث

17

مدينة فاس أحاطت نفسها بسور تاريخي منيع، محروسة بـ12 بابا، لكل واحد منها اسم وقصة تروى، فيما تعيش المدينة يومياتها على وقع تاريخها العلمي، وتنوع روافدها، التي شكلتها الأمازيغية والعربية، وتلاقح ثقافات وشعوب المغرب، ابتداءا من البربر والأدراسة، وانتهاء باليهود والأندلسيين.

قلب هذه المدينة له بعد عالمي. نتحدث هنا عن أول جامعة في العالم، هي جامعة القرويين، ويعتبر “جامع القرويين” الشهير، هو قلب المدينة النابض الذي يتوقف عنده الزوار كثيرا، لاستجلاء تاريخه العريق، بعد أن كان في عصوره الذهبية، بمثابة جامعات هارفارد، وييل اليوم، بعد أن تخرج فيه علماء في شتى الفنون الأدبية والعلمية، ووفد الطلبة إليه من الشرق الأوسط، وأفريقيا وأوروبا حينها. يرجع تأسيس هذه المدرسة الى ما بين 1350-1355 على يد السلطان أبو عنان المريني، وتعدّ من أشهر مدارس فاس والمغرب، وتتميز بصومعة جميلة البناء والزخرفة إضافة إلى ساعة مائية (مكانة) تقنية تشغيلها مجهولة الى غاية الساعة.

وأكثر ما يلفت الانتباه في المدينة القديمة، هو عزلتها، وحفاظها على كل ما ورثته، فيلاحظ زائر المدينة، أن فاس القديمة، لا تشبه أية مدينة اليوم، فهي ممتنعة عن دخول السيارات لضيق شوارعها وأزقتها الملتوية، التي تصعد بك تارة، وتهبط بك تارة أخرى في منعرجات يستعصي على غير أبناء المدينة الاهتداء فيها. ناهيك عن أسواقها الشهيرة والمتعددة الاختصاصات والتي لم يضاهيها فيها أية أسواق أخرى بالمغرب أو غيرها.

وفي الوقت الذي تحرص فيه المملكة المغربية، في الحفاظ على روح المدينة، التي يؤمها آلاف السياح من شتى أنحاء العالم، فإن سكان المدينة، أيضا نذروا أنفسهم، وكرسوا أرواحهم للحفاظ على مدينتهم، عبر التمسك بكل ما ورثوه من صناعات في النسيج، والجلود، والبناء والزخرفة، وصناعة شتى الأدوات التي توارثوا صناعتها من أسلافهم.

وعبر الأزقة الضيقة، التي لا يمكن تصور ما وراءها، ولا ما يحيط بها، تخفي المدينة فنونها المعمارية الأخاذة، ذلك، حين تفاجؤك فاس، بقصور ورياض متوارية عن الأنظار، خلف أبواب لا توحي بما وراءها، وهي إرث تاريخي، تمكن المغاربة من الحفاظ عليه، عبر عمليات ترميم وصيانة لا تتوقف أبدا.