أفريقيا برس – المغرب. ما إن تتحرك المياه في بركة الأزمة الليبية حتى تعود للركوض، تمة الكثير من العوامل تساهم في ذلك، خارجية بالأساس تؤجج التناقضات الموجودة في الساحة الليبية وفي المجتمع الليبي المنقسم حول مسار الوضع الليبي وآفاق الحل، لكن واقع الحال في ليبيا مازال لم يبرح مكانه الأول ، وتشير عدد من المعطيات على الأرض وفي العملية السياسية الى قرب تحقيق مصالحة شاملة، وترتيب البيت الداخلي الليبي، و استمرار البناء على التفاهمات السابقة خاصة اتفاق الصخيرات بالمغرب، ومخرجات الحوارات البناءة التي جرت في بوزنيقة المغربية، وخلافا لكل الجولات السابقة التي عقدت في عواصم غربية عدة، تعتبر اللقاءات التي رعاها مهمة وتمهد للعودة بليبيا الى بر الأمان والتأسيس لعملية سياسية تشمل كل الليبيين وتمكنهم من تقرير مصيرهم بأنفسهم دونما تدخل أي جهة خارجية .
الرعاية المغربية، ما سر الوصفة؟
مند دخول المغرب على خط الأزمة حاول تقريب وجهات نظر الليبيين فيما بينهم، وأدى ذلك الى تحقيق إتفاق الصخيرات، الذي مكن الليبيين من صنع عملية سياسية وإنتخابات أصبحت مرجعا في كل ما سيليه من محادثات وحورات، حيت أصبح إتفاقالصخيرات سنة 2015 اتفاقا ليبيا ليبيا بين أطراف الأزمة، والذي كان ثمرة مجهود ليبي خالص وتحفيز مغربي أساسي، حتى يتمكن الليبيون بأنفسهم من مناقشة مختلف قضايا بلدهم ومشاكلهم وتطلعاتهم وكذا مؤاخذات كل طرف على الآخر، لكن دون تدخل الأطراف الخارجية التي تدعم ويحتمي بها كل طرف، مع ما يعنيه ذلك من تجسيد لأجندته ومصالحه التي تخالف أحيانا مصالح أبناء الشعب الليبي.
لقد ركز المغرب كثيرا وأبدا، كما جاء على لسان وزير الخارجية، ناصر بوريطة في افتتاح جلسات حوارات بوزنيقة على أن الحوار يجب أن يكون ليبيا ليبيا خاصا، ويهم الليبيين بشكل حصري، دونما تدخل الأطراف الخارجية المتواجدة بشكل أو بآخر في ليبيا، لأنها تعمل فقط لضمان مصالحها أولا، وهكذا مرت أجواء الحوارات في الصخيرات وأفضت لإتفاق الصخيرات، وفي بوزنيقة أدت الى إستئناف العملية السياسة وتقاسم السلطة والإتفاق على مسلسل سياسي يتوج بتنظيم إنتخابات عامة في ليبيا، وإعتمدت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي نتائج المسار الأول والثاني.
هذه الوصفة المغربية مكنت من تقريب وجهات النظر الليبية الليبية دون أي تأثير خارجي، على خلاف مؤتمرات أو لقاءات أخرى شاركت فيها أطراف خارجية للحديث عن الوضع الداخلي في ليبيا، خاصة مؤتمر برلين الأول الذي شهد كل شيء سوى حوار الليبيين فيما بينهم، وعوضه نقاش الأطراف الداعمة وللأسف فكما نقول بالمغربي “من الخيمة خرج مايل” لم يكتب لمخرجاته التنفيذ، حيت تجددت المواجهات العسكرية وإستمر الإنقسام واستفحلت الأزمة، لا لشيء سوى لأنه لم يعر أطراف الأزمة أي اهتمام، وشهد المؤتمر الأول لبرلين نقاشا وحوارا بين أوربا وروسيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولم يحدث فيه أي لقاء بين الفرقاء الليبيين إطلاقا، وكأننا أمام لقاء تنادي فيه كل دولة برؤيتها لليبيا المستقبل دون السماح لليبيين المعنيين لإدلاء برأيهم في مستقبل بلدهم، وهذا ما رفضه المغرب منذ البداية وحرص على أن يكون مستقبل ليبيا من صنع الليبيين، حيت “أهل مكة أدرى بشعابها” ومكنونات الحل النهائي بين أيديهم لذلك ما فتئ يدعوهم للرباط والصخيرات وبوزنيقة للنقاش الداخلي الداخلي لمستقبل الأزمة ويقوم بالوساطات مع مختلف أطرافها دون عقد وخليفات مما اثمر تفاهمات الصخيرات وفيما بعد بوزنيقة.
هل تفطنت ألمانيا للوصفة المغربية ولدوره المحوري فيحل الأزمة؟ على خلاف مؤتمر برلين الأول الذي أقصت فيه ألمانيا كل من المغرب وتونس من الحضور في أشغاله، وجهت ألمانيا هذا المرة الدعوة للمغرب للحضور في المؤتمر، وهي بذلك تقر بنجاح وصوابية الوصفة المغربية لحل أزمة ليبيا، من خلال التركيز على الحوار الليبي الليبي، ودوره المحوري في تقريب وجهات النظر للأطراف الليبية، وكذلك لقوة التأثير المغربي على هذه الأطراف نتاج مصداقيته في راعاية الحوارات السابقة، ولعدم اصطفافه الى جانب طرف من اطراف الأزمة.
عملت ألمانيا في مؤتمر برلين الأول على استدعاء الداعمين لأطراف الأزمة للتداول في الأزمة وإمكانيات حلها، والنتيجة كانت صادمة، إذا علمنا أن التوصية الأساسية للمؤتمر هو حت أطراف الصراع على عدم استهداف المنشآت النفطية وعدم المساس بها، والدعوة لحوارات أخرى، ويظهر ذلك أن هدف هذا اللقاء يتمحور أساسا على ضمان تدفق النفط الليبي فقط، أما مصلحة الشعب الليبي ومسائل بناء الدولة الليبية الجديدة والإستقرار وتحقيق المصالحة كانت عناوين للإستهلاك الإعلامي وفقط، بينما ركز المغرب دائما على أولويات الجوانب الإنسانية و بناء الدولة الليبية لتنهض بالشعب الليبي وتقوده لبر الأمان، ولم يفهم منظموا مؤتمر برلين الرسالة إلا بعد فشل المؤتمر واجتماع الليبين في بوزنيقة والخروج بإتفاقيات وتفاهمات همت جوانب مختلفة منها السيادة والسلطة والإقتصاد والنفط وغيرها.
توتر العلاقات المغربية الألمانية والاستدعاء لمؤتمر برلين، ما الدلالات والتداعيات؟ لا أحد يجادل في القوة الإقتصادية والسياسية لألمانيا في أوربا والعالم، ولا أحد بإمكانه أن يجادل في أن مغرب اليوم ليس هو مغرب ال، كما قال ناصر بوريطة في خضم معالجته لأزمة المغرب مع إسبانيا، إذن فكيف يمكن تفسير توجيه الدعوة لضيف قام بقطع العلاقات مع البلد المضيف منذ أسابيع، لا تفسير لها حقيقة سوى أن هذا البلد المدعو الذي هو المغرب، له وزن وثقل في العملية، بل وله وزن في معادلة العلاقات في حوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، أكبر من المتوقع من طرف ألمانيا وحتى إسبانيا، وألمانيا ادركت ذلك ولو متأخرة وإلا فبماذا نفسر هذه الدعوة للمغرب للحضور في المؤتمر المزمع عقده بعد تجاهله في الصيغة الأولى للمؤتمر السنة الماضية.
إننا بصدد مراجعة ألمانية لخططها بشأن ليبيا وفي علاقتها بالمغرب، وقد يكون ذلك بادرة حسن نية لإعادة طرح ملف العلاقات الثنائية المغربية الألمانية بعد نشوب الأزمة التي أدت إلى قطع المغرب لكل إتصالاته مع سفارة ألمانيا في الرباط، وقد يكون ذلك مدخلا تراه ألمانيا لعودة العلاقات مع المغرب إلى سابق عهدها، وبالتأكيد سيفرض المغرب حضوره القوي مجددا، وسينطلق أو سيبنى الحوار على أساس تفاهمات بوزنيقة، كما بني مؤتمر بلرين على مخرجات لقاء الصخيرات، وبهذا يكون حضور المغرب قويا، حيت يجسد إرادة الليبيين، وتفيعلا حقيقيا لطروحاته حول مستقبل إفريقيا والتعاون جنوب جنوب، وتجسيدا عمليا لصيغة رابح رابح التي نادى بها وعمل بها في تحركاته المكتفة مغاربياوإفريقيا.